أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الخيانة لها اسم واحد ..

بقلم : رشاد أبو شاور ... 8.1.09

أمام هذا الدم...
أمام هذه الطفولة الفلسطينيّة التي تمزّقها صواريخ العدو الصهيوني...
أمام آهات وصرخات الأمهات، والبنات، والزوجات، والأخوات...
أمام البيوت والمساجد والمدارس المدمّرة على رؤوس مؤمنيها وساكنيها...
أمام تضرعات الآباء المكلومين لله مباشرة، الآباء الرافضين مناشدة الحكّام الخانعين...
سيكون عارا علينا أن نغمغم بالكلام، فالخيانة لها اسم واحد...
ونحن نرى كل صفاقة أكاذيب حاكم عربي يغلق شريان الحياة في رفح، مشاركا في الجريمة، لا نملك إلاّ أن نصرخ: للخيانة اسم واحد...
ونحن نرى الأطباء من اليونان، وتركيا، يمنعون من عبور معبر رفح، و.. شاحنات الأدوية، والطحين، وحليب الأطفال توقف عمدا، جهارا نهارا، عند بوابة معبر رفح، سيكون جبنا منّا أن نعطي للخيانة اسما آخر، فالخيانة لها اسم واحد...
الخيانة مفضوحة إلى حد نها باتت علامة فارقة لحكّام (عرب) ليس بينهم وبين العروبة، ولا الإسلام..صلة قربى، مهما انتحلوا من صفات ومسوح وألقاب...
عندما يُنظّر حاكم إقليم كامب ديفيد، لذبح أهلنا في غزّة بحجّة وجود حماس، ويحمّلها مسؤولية إنهاء التهدئة ..بماذا نصف دوره المفضوح؟!
رئيس وزراء تركيا يحمّل الكيان الصهيوني المسؤولية عن هذه الحرب، لأن ذلك الكيان هو الذي استمر في الحصار رغم أشهر التهدئة.. ويعلن بشجاعة: سنحمل الحقيقة إلى مجلس الأمن ...
للخيانة اسم واحد ونحن نرى تركيّا تتجاوز ارتباطاتها وعلاقاتها مع الكيان الصهيوني وتنحاز للحق، للمظلوم، لكرامتها التي يفتقدها حكّام عرب، وترد على ما اعتبرته سخرية من أولمرت بأردوغان الذي لا ينتسب للطينة الرديئة للحكّام العرب المشغولين بكنز الأموال، والحفاظ على الكراسي ...
بوش الذي وعد بدولة فلسطينيّة في نهاية العام 2008، ها هو يبارك إحراق غزّة قبل أيّام من رحيله هو وإدارته المستنفرة مع الكيان الصهيوني (تشيني، كوندوليزا...)...فماذا نسمّي من يريدوننا أن نثق من جديد بأمريكا، والعودة بعد حرق غزّة لاستئناف مسيرة (الواقعيّين)؟!
للخيانة اسم واحد، فمن يبرّر لنظام كامب ديفيد إغلاق معبر رفح، ليس عربيّا، وليس فلسطينيا، ولا بدّ أن يوضع اسمه في المكان المناسب من قائمة الخيانة ...
للخيانة اسم واحد، فكل من يقدر على الانحياز لغزّة ولا يفعل، لا تنقذه الكلمات التدليسيّة، ولا دموع التماسيح، ولا المراوغة بادعاء الواقعيّة ...
للخيانة اسم واحد
ولفلسطين اسم واحد، وعنوان واحد، وشعب واحد، وبطولة واحدة متوارثة، ومقاومة واحدة فيّاضة، جيّاشة، مترعة بالنبل، والتضحية، والفداء، وشرف رفقة السلاح ...
شرف الدفاع عن غزة يليق بشعبها الفلسطيني، فهي اليوم اسم لفلسطين، وهي اليوم راية للمقاومة، والحرب تشنّ على روح المقاومة، والمقاومون في هذه الأيّام تجمعهم فلسطين، فكل جرح فلسطين، وكل دم فلسطين...
دموع وآهات الأطفال والنساء في غزّة لن تمر بلا عقاب، هذا ما جهر به رئيس وزراء تركيّا، بينما الخيانة الرسميّة ترفض حتى اجتماعا (للقمّة) ..قمّة من؟ وأي قمم أولئك الذين سيجتمعون؟ وهل ستكون خيبة أكثر من نتائج قممهم التي خبرتها أمتنا؟!
مهاتير محمد يطالب بقطع العلاقات الاقتصاديّة مع أمريكا، وطغاة العرب ينفّذون مخططات أمريكا ضد شعب فلسطين..فما هي الخيانة وما اسمها؟!
في هذه الحرب على فلسطين، على المقاومة، نرى انتفاضة عالميّة، انحيازا لفلسطين، تعليها بطولة شعبنا في مواجهة وحشية الكيان الصهيوني..وفي بلاد العرب يتواصل القمع، والمنع، وحرمان الملايين من التعبير عن تعاطفهم ..ماذا نسمّي هذه الممارسات؟!
لا بكاء، ولا كلمات تعاطف إنشائيّة، ولكن القول مباشرةً بمفردات لا لجلجة فيها، ولا التفاف على المعنى، هذا ما يليق بلغتنا العربيّة أن تفصح عنه، لعلها تفوز برضى الدم المطلول على ثرى غزّة ...
ننحاز لشعبنا.. وننبّه لخبث حلف أعدائنا، الذي لا يخفي هدفه من هذه الحرب. هل هناك من لا يعرف هدف هذه الحرب؟!
يسمونها الحرب على حماس، الحرب على الإرهاب، ولكن شعبنا اليقظ يخوضها بوعي وثبات لأنه يدرك بلحمه ودمه أنها حرب اجتثاث روح مقاومتة ...
للخيانة اسم واحد، ومن صفاتها الغدر، والافتراء..ألم نرها في (رام الله) عندما قصف باراك نفسه، وجيشه نفسه، كل مكاتب السلطة هناك؟!
ألم نرها عندما حاصرت الدبابات مقّر المقاطعة في رام الله ..وهدمت الجرّافات أجزاء كبيرة من المقّر المقاطعة، وأوشكت أن تهدم آخر سقف على رأس الرئيس عرفات ..لولا أن هبّ شعبنا وحمى (رئيسه)؟
أكان عرفات قائدا لحماس، أم قائدا للشعب الفلسطيني؟ ألم يوقع معهم في البيت الأبيض على اتفاقات أوسلو؟! بماذا كوفئ؟ ألم يتخلّ عنه القمميون العرب أنفسهم؟!
الخيانة لها اسم واحد، وما عاد لأحد العذر في التردد في تسميتها باسمها ...
كل طفل مذبوح ينادينا دمه: العنوا من ذبحني ...
كل عين فلسطينيّة تدمع لن تغفر لنا إن سكتنا، أو غلفنا كلامنا بعواطف رخوة لا قيمة لها، ولا وزنا، ولا تنمُ إلاّ عن عجز، أو تدليس...
دم أهلنا في غزّة يرسم خطّا أحمر بين المقاومة والخيانة، فلا التباس، ولا تداخل، ولا لونا رماديا ...
ولهذا بالضبط جاءنا صوت أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبيّة من وراء القضبان، مناشدا أن تتحوّل غزّة إلى جهنّم تحت أقدام الغزاة الصهاينة، وأن يطلق سراح مئات المعتقلين من حماس والجهاد، وأن تنتهي المفاوضات مع العدو، وأن تتشكّل قيادة وطنيّة ميدانيّة لخوض المعركة ...
هذا خطاب ينهي حالة الالتباس، فكل تنظيم، أو فرد، سيسأله شعبنا: ماذا فعلت؟ وماذا كان دورك؟ وبماذا نطقت؟ وأين كان موقعك أثناء المعركة؟
نداء سعدات ينطوي على إدانة من يأمرون بقمع تظاهرات شبابنا في جامعة
(بيرزيت)، وأهلنا في شوارع الخليل، وبيت لحم، ورام الله، وإعاقتهم تفجير شعبنا انتفاضة ثالثة!
الانتفاضة تعني نقل توسيع أرض المعركة، في حين يتوافد المتربصون بشعبنا على
(المنطقة) وغايتهم واحدة: فرض وقف إطلاق نار (دائم)، مقابل السماح بدخول بعض المساعدات (الإنسانيّة).. وماذا يخفون: إنهاء مقاومة الشعب الفلسطيني وجرّه من جديد وراء أوهام (واقعيين) لم تعد واقعيتهم على شعبنا سوى بالجحيم الذي يحرق شعبنا!...
من يثق بساركوزي الصهيوني المنحاز بتصريحاته ـ الدم ما بيصير ماء..دم ساركوزي! ـ وبوزير خارجية تشيكيا الذي حمّل حماس مسؤوليّة ما يحدث، لتبرير العدوان؟!
المعركة الديبلوماسيّة هي (الحرب) التي يريد (الحلفاء) العرب والصهاينة والأوروبيّون، وإدارة بوش التي انتهى عمرها الافتراضي، أن ينتصروا فيها ...
العدو بدأ هذه الحرب بتمزيقه للضفّة، بالجدار، بالاغتيالات، بإبقاء ألوف الأسرى رهائن، بالحواجز، بتدمير حقولنا، بسرقة مياهنا، و..بالحصار القاتل لغزّة، ولذا لا يعقل بعد كل هذا أن يقبل شعبنا بهدنة تعيدنا من جديد إلى الحال الذي كنّا فيه، فتبدد التضحيات وكأن شعبنا لم يقاتل، ويتحمّل، ليتخلّى عن أهدافه وحقوقه مقابل سلامته البدنيّة و..بعض المساعدات التموينيّة!
هذه معركة لا بدّ أن تجبّ ما قبلها، وأن تفرز تعبيراتها، بأطر ثوريّة مقاومة، وقيادات صلبة صادقة واضحة تستقي مواقفها من شعبها وحقّه في الوطن والحريّة.
جماهير شعبنا وأمتنا التي تتدفّق يوميّا إلى الشوارع، بدأت تسمي الخيانة باسمها، وهي تعلي بأيد ثابتة راية فلسطين...