بقلم : د. شكري الهزَّيل ... 14.08.2012
مارست وتُمارس الدولة الإسرائيلية سياسة عنصرية بشكل منهجي ضد عرب النقب, لتشكّل برنامجاً مبرمجاً هدفه الأول والأخير فرض السيطرة الكاملة على كل ما هو عربي في النقب. وفي المقابل جَسَّدَ البرنامج الإسرائيلي تناقضاً واضحاً بين المُمارسة العنصرية الإسرائيلية وبين الواقع المر الذي عاشه ويعيشه عرب النقب منذ أن قررت المؤسسات العنصرية الإسرائيلية الزج بعرب النقب إلى هاوية الفقر والمجاعة والبطالة بطريقة منهجية منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا, وبالتالي قامت إسرائيل بتدمير منهجي لكل المقومات الاقتصادية والحياتية الخاصة بعرب النقب دون أن تترك مجالا أو منفذاً واحداً يحول دون وقوع الكارثة الحتمية التي بدت معالمها تتجلى شيئاً فشيئاً في الواقع الراهن الذي يعيشه عرب النقب تحت وطأة الفقر والمجاعة الحاصلة عملياً وموضوعياً كنتيجة حتمية تتحمل مسؤوليتها وعواقبها مؤسسات الدولة العنصرية الإسرائيلية.
من المؤكد أنه ليس بِإمكان ماكنة الدعاية الإسرائيلية التغطية على ما جرى ويجري لعرب النقب, ومن المؤكد أيضاً أن الظلم والقهر الذي يتعرض له عرب النقب كان وما زال سياسة رسمية تنتهجها إسرائيل بهدف تهويد النقب من جهة، وزج عرب النقب في محميات وتجمعات بشرية تعيش على هامش المدن والقرى اليهودية من جهة ثانية, وبالتالي ربط حياة عرب النقب قسرياً ومنهجياً بما تمن عليهم إسرائيل من مساعدات شحيحة تضمن لهم فقط مكاناً اقتصادياً دونياً يتأرجح بين خط الفقر وما تحته وبين الجوع المُبطن والجوع الواقع والحاصل الذي تُعاني منه نسبة غير قليلة من عرب النقب ومن بينهم نسبه عالية من الأطفال.
رغم أن التقاليد الاجتماعية البدوية ترفض في كثير من الأحيان الاعتراف بوجود الفقر والمجاعة تبعاً للمعطيات التربوية والكرامة الإنسانية, إلا أننا أمام واقع جديد وخطير يمس مُباشرة بِالأجيال الحاضرة والقادمة والمجتمع العربي النقباوي ككل, حيث أن آثار العوز والحرمان ستنعكس حتماً على المسلكية الاجتماعية وتتجلى في مظاهر عدم القدرة على الانضباط الاجتماعي, ومظاهر العنف والشذوذ الاجتماعي بكل أشكاله, ومظاهر عدم الشعور بِالأمن والطمأنينة عند الكبار والصغار, وبالتالي بروز ظاهرة التَفكُك الاجتماعي والذوبان في واقع المرارة الإنسانية واللامُبالاة الاجتماعية, وكما يبدو، هذا ما تسعى لتحقيقه سياسة الدولة الإسرائيلية!!.
من هنا، وتبعاً للواقع المُر الذي يعيشه عرب النقب لا بُد من طرح سؤالين مركزيين ومُحاولة الإجابة عليهما، وهُما: من هو المسؤول الرئيس عن تفشي ظاهرة الفقر والجوع بين عرب النقب؟ وما هي أولويات العمل الجماهيري والاجتماعي العربي للحد على الأقل من آثار الفقر والجوع على المجتمع العربي النقباوي؟.
تكمن الإجابة على السؤال الأول في السياسة التدميرية التي انتهجتها الدولة الإسرائيلية نحو عرب النقب وذلك على النحو التالي:
1. تدمير إسرائيل المقومات الاقتصادية العربية في النقب من خلال مُصادرة الأراضي الزراعية, ومصادرة المواشي التي بلغت ذروتها في منتصف السبعينات من القرن العشرين بواسطة الدوريات السوداء "الخضراء" التي لاحقت البدو وما زالت تلاحقهم بهدف الاستيلاء على أراضيهم ومواشيهم, وبالتالي تدمير مقومات الاقتصاد البدوي التقليدي, وتحويل عرب النقب من قوى مُنتجة وقادرة على إعالة نفسها نوعاً ما إلى قوى باطلة عن العمل وترتكز على بعض المساعدات الإسرائيلية وبعض المساعدات من الجمعيات المحليه التي لا تتناسب مع عدد أفراد الأسرة العربية الكثيرة العدد, مما يجعل ظاهرة الفقر والجوع ظاهرة حتمية إن لم تَكُن جزءاً لا يتجزأ من أهداف السياسة الإسرائيلية نحو عرب النقب!.
2. توطين عرب النقب قسرياً, وإقامة محميات بشرية للبدو على طراز استعماري كلاسيكي يُشابه وضعية الهنود الحُمر في أمريكا وكندا, بمعنى علم إسرائيل المُسبق بعواقب التوطين القسري ومظاهر الفقر والجوع التي ستبرُز في غياب البُنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية سواءً في المحميات البشرية التي أقامتها لعرب النقب أو في القرى غير المعترف بها التي تُحاصرها إسرائيل وحوّلتها إلى جيتوات مُحاصرة يتفشى فيها الفقر والبطالة والجوع ناهيك عن غياب المقومات لحياة بشرية كريمة. وحتى لا يكون هنا خطأ في الفهم تحية إجلال لكل الصامدين في القرى غير المعترف بها بالرغم من سياسة الظلم والتجويع التي تتبعها إسرائيل نحو هؤلاء الشرفاء.
3. رغم العدد الكبير لأفراد العائلة العربية في النقب, إلا أن العنصرية الإسرائيلية ورغم معرفتها بوضع العرب ككل ووضع عرب النقب خاصة قامت في عهد نتنياهو كوزير ماليه بتخفيض مُخصصات التأمين المخصصة للأطفال العرب رغم علمها المُسبق بالحالة المُزرية التي تعيشها كثير من العائلات العربية في النقب, ورغم معرفة النظام العنصري الإسرائيلي بِأن مُخصصات تأمين الأطفال تُشكل الدخل الوحيد لكثير من العائلات العربية في النقب, إلا أنَّ هذا النظام لم يتوانَ في زيادة الطين بلة ثم يطالب عرب النقب بوقاحة أن يَكونوا أصدقاء وموالين لمن يحرم الأطفال العرب من لقمة العيش والحياة الكريمة!!! وكما يقول المثل البدوي .. حبذا لو يرى الجمل اعوجاج عُنقه!! وحبذا لو يستوعب الظالمون مدى ظُلمهم وعنصريتهم!!.
تتطلب الإجابة على السؤال الثاني المذكور أعلاه عملية حك مُخ شاملة وتتلخص في النقاط التالية:
1. رغم الظروف القاهرة والصعبة التي يعيشها عرب النقب,إلا انَّه من الضروري إقامة مؤسسات مدنية للتضامن والتكافل الاجتماعي تسعى إلى تحسين الوضع العربي النقباوي بقدر الإمكان, وخاصة توعية البشر والأطفال خاصة بحقوقهم القانونية والإنسانية, وهذا ما يتطلب عملاً سياسياً جماهيرياً دؤوباً يتعدى في برنامجه مُجرد التوقيع على عرائض وتقديم احتجاجات للدوائر الاسرائيليه الرسميه , بمعنى العمل الفعلي والقانوني وحتى العالمي على مُحاربة الفقر والجوع من خلال فضح الممارسات العنصرية الإسرائيلية نحو عرب النقب وأهمها أن إسرائيل تستعمل الفقر والجوع كأداة سيطرة تسعى من خلالها إلى المحافظة على الوضع القائم إن لم تكن تسعى إلى ترسيخ التخلف الاقتصادي والاجتماعي وتشويه واقع الاجيال الحاضرة والقادمة كإستراتيجية ثابتة وبعيدة المدى!!!.
2. من المهم أن نعترف أن الفساد والعجز الاداري يسود في كثير من البلديات والمجالس العربية في النقب, بمعنى أن الفساد والعجز آفة يستفيد منها الفاسدون الذين يوظفون الميزانيات والموارد لمصلحتهم ومصلحة من يُحيط بهم من حاشية, بينما في الوقت نفسه تُعاني الأكثرية في المجتمع العربي النقباوي من غياب المشاريع الاجتماعية والاقتصادية التي تُساهم عادة في مُحاربة الفقر والمشاكل الاجتماعية الحاصلة في كُل حي وحارة وخاصة في مدن التوطين وعلى رأسها مدينة رهط أكبر مدن التوطين.
3. لا بُد من التغيير وإتاحة الفرصة للكفاءات المُتعلمة والمُثقفة أن تأخذ دورها في بناء المجتمع العربي النقباوي, وقد حان الأوان أن يتحرر الجميع من أَسر القبلية وما تفرضه هذه من قيود وتخلف على المجتمع, حيث أن القبلية وتحالفاتها تُشكل السندان الذي تطرق عليه الدولة بعصا التخلف والفقر على ظهر المجتمع العربي النقباوي.
وأخيراً وليس آخراً تتحمل الدولة الإسرائيلية ما آلت اليه الأمور من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة يعيشها عرب النقب, وما ظاهرة تفشي الفقر والجوع بين عرب النقب إلا دليل قاطع على أن خطر الفقر والمجاعة قائم وحاصل وناقوس الخطر قد تأخر كثيراً وهناك شك كبير إن كانت حكومات إسرائيل الغابرة والحاضرة والقادمة ستدقّ ناقوس الخطر!.