بقلم : ... 23.10.2013
تزايدت في الأشهر الأخيرة حدة الصراعات في إقليم دارفور السوداني بعد هدوء نسبي لفترة وجيزة، لكن سبب الصراعات هذه المرة هو الاحتياطات الكبيرة للذهب في الإقليم والتنافس الشرس بين القبائل والباحثين عن الذهب للحصول على هذه الثروات.تبدو منطقة جبل عامر الواقعة في إقليم دارفور بغرب السودان مكانا فقيرا مهجورا، بأرضها الريفية وطرقها غير الممهدة وبيوتها الطينية، لكن أراضيها تغفو على سلعة يتوق إليها الناس في كل مكان.ومنذ عام أو نحو ذلك بدأ ثروة الذهب تغير طبيعة الصراع الذي دام عقدا كاملا في دارفور فتحول من صراع عرقي سياسي إلى قتال على المعدن النفيس جزئيا على الأقل. وراح ضحية اقتتال القبائل على منجم ذهب جبل عامر الذي يمتد على مسافة عشرة كيلومترات تقريبا تحت تلال شمال دارفور الرملية أكثر من 800 شخص وتم تهجير 150 ألفا آخرين منذ يناير كانون الثاني. وصوبت القبائل العربية التي أمدتها الحكومة السودانية بكميات كبيرة من السلاح في الماضي للتصدي للمتمردين أسلحتها إلى بعضها البعض طمعا في السيطرة على المناجم. وتسعى الجماعات المتمردة المناهضة للحكومة أيضا لاقتناص الذهب.وحسب التقارير ربع السنوية التي قدمها بان جي مون الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن تجاوزت حصيلة قتلى الصراع على مناجم الذهب مثلي من قتلوا في المعارك بين الجيش والمتمردين والقبائل المتحاربة في دارفور عام 2012.وتعود جذور العنف الدائر في الفترة الأخيرة إلى خسران السودان جانبا كبيرا من أراضيه في الجنوب قبل عامين. فحين انفصل الجنوب عن الشمال عام 2011 خسرت الدولة معظم إنتاجها من النفط – الذي بلغت قيمته سبعة مليارات دولار عام 2010 – وهو ما أدخل الاقتصاد السوداني في دوامة. وانكمش الناتج الإجمالي السوداني بنسبة عشرة في المئة العام الماضي حسب تقديرات البنك الدولي. ولتعويض خسارة النفط شجعت حكومة الخرطوم الشعب على البحث عن الذهب. وتقول وزارة المعادن السودانية إن نصف مليون باحث عن الذهب ينتشرون الآن في أنحاء دارفور وشمال البلاد ويستخدمون أجهزة الكشف عن المعادن وأدوات الحفر اليدوية. وساعدت حمى الذهب في رفع الإنتاج بنسبة 50 في المئة العام الماضي إلى نحو 50 طنا ما جعل السودان ثالث أكبر منتج في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا وبالتساوي مع مالي وذلك وفقا لبيانات رسمية وتقديرات الخبراء.وأصبحت صادرات الذهب شريان حياة جديدا للسودان كونها ترفد الحكومة بإيرادات صافية بلغت 2.2 مليار دولار العام الماضي وهذا أكثر من 60 في المئة من إجمالي صادرات السودان.وتقول مصادر تعمل في تجارة الذهب إن بنك السودان المركزي الذي اشتدت حاجته إلى أي مورد بديل للعملة الأجنبية يدفع للباحثين عن الذهب سعرا يرتفع بنسبة تصل إلى 20 في المئة عن سعر الذهب بالسوق الدولية. لكن البنك المركزي ينفي ذلك.في الوقت ذاته تقول مصادر في القطاع داخل السودان وخارجه إنه يتم تهريب نحو ربع الإنتاج السنوي للسودان من الذهب. وهذا الرقم إن صح يعني أن الحكومة فقدت ما يصل إلى 700 مليون دولار العام الماضي بينما هي في أشد الحاجة لهذه المبالغ.وقال مجدي الجزولي الزميل بمعهد الوادي المتصدع للأبحاث في لندن ونيروبي "الحكومة في أمس الحاجة للذهب لدرجة أنها تريد إشعال صراع للسيطرة على المناجم." وأضاف أن وزارة المعادن منحت المئات من رخص التنقيب عن الذهب لشركات لكن 20 شركة فقط تنتج الذهب فعليا "لذا تحتاج الحكومة للسيطرة على المناجم المنتجة مثل جبل عامر". وتقول وزارة المعادن إنها تود تطوير أداء أصحاب التراخيص وكثير منهم لا ينتج الذهب حتى الآن.ويجري تهريب الذهب للخارج في حقائب أو ملابس داخلية إلى وسطاء على الجانب الآخر من الحدود التشادية. ومن هناك يتجه إلى العاصمة نجامينا ثم يتم إرساله في طائرات تجارية أو حقائب شركات توصيل الطرود حسبما تقول مصادر في الصناعة في السودان وسكان من دارفور. وتكون الوجهة النهائية غالبا دبي سوق الذهب الرئيسية في الشرق الأوسط. ويقول مصدر سوداني إنه يجري تهريب كميات من الذهب أيضا إلى الكاميرون ثم تصديرها إلى أسواق الذهب بالهند والصين.وفي عام 2011 بعدما خسرت حكومة السودان النفط ضيقت الخناق على المهربين. لكن من المتوقع أن تهبط إيرادات الذهب إلى 1.5 مليار دولار هذا العام لتراجع الأسعار العالمية. ويتزامن هبوط السوق مع تراجع الإنتاج في منجم أرياب أكبر منجم صناعي في السودان الذي يقع في صحراء النوبة إلى نحو طنين عام 2011 كما ورد في أحدث البيانات المتوفرة.وتقول منظمات إغاثة إن هناك ارتفاعا حادا في معدلات الخطف والسرقة من جانب الميليشيات العربية منذ منتصف 2012. وأدى ذلك إلى وقف نشاط برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة المعني بتوصيل الغذاء لعدة مناطق وأخر مشروعات تنموية مدعومة من مؤتمر المانحين الذي عقد برعاية قطر في ابريل نيسان والذي تعهد بمنح قيمتها مليار دولار!!