بقلم : ... 25.10.2013
يسقط سنويا بسبب تجذر ظاهرة الأخذ بالثأر والصراعات القبلية مئات اليمنيين، خصوصا في المناطق النائية، مما يفاقم أزمة البلاد التي تعاني من مشكلات معقدة على مختلف الأصعدة.ويرى خبراء أن جرائم القتل والمواجهات المسلحة التي تنشب بدوافع الأخذ الثأر تعد أحد أهم المعوقات الكبرى للتنمية، وتفاقم من حالة عدم الاستقرار وتدهور الأمن في البلاد، كما تعتبر عاملا أساسيا في إضعاف الدولة وهيبتها.وتتكرر حوادث القتل بدواعي الثأر بشكل لافت في المناطق الريفية، لكن الأشد وقعا وبشاعة يقع خلال مناسبات الأعياد وأثناء الصلاة داخل المساجد.ولعل أبرز حادثة أثارت المجتمع اليمني مؤخرا كانت واقعة إقدام مسلحين قبليين من محافظة مأرب شرق اليمن على قتل الشقيق الأصغر لرئيس المجلس الثوري الشيخ حمود الصوفي وسط مدينة تعز جنوب غرب البلاد، وذلك قبيل حلول عيد الأضحى المبارك.وردا على الحادثة، استهدف مسلحون من قبيلته مقيمين في تعز من محافظة مأرب، وأعقب ذلك دخول مجموعات مسلحة من مأرب إلى مدينة تعز، مما أدى إلى مواجهات كادت تحول المدينة المسالمة إلى ساحة لصراع القبائل.ونتيجة لمشاكل أسرية، نُكبت محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء في عيد الأضحى بمقتل سبعة أشخاص وإصابة آخرين، بعدما أطلق مسلحان النار داخل مسجد في قرية "فره مخلاف بني جميل" بمديرية الحدأ خلال أداء صلاة العيد.وأرجع رئيس منظمة دار السلام لمكافحة الثأر والعنف عبد الرحمن المروني سبب حوادث القتل الثأرية إلى انتشار السلاح في أيدي المدنيين بدون ضوابط، وغياب سلطة الدولة و"تخلي الناس عن أخلاقهم الإسلامية وأعرافهم القبلية". وقال المروني إن الصراعات السياسية والولاءات القبلية وضعف الدولة وغياب الثقة بالقانون والقضاء، كلها عوامل ساهمت في اتساع رقعة الأعمال المسلحة وارتكاب جرائم القتل وتخريب المنشآت الحيوية.وحول سبب مخالفة الأعراف القبلية التي تمنع الثأر في الأسواق والمساجد والغدر، عزا المروني ذلك إلى تنامي ثقافة التطرف والإرهاب وانتشار الجهل في المجتمع. كما عزاه إلى غياب سلطة الدولة التي يفترض أن تأخذ على يد الظالم وتقيم العدل وتنصف المظلومين، لا أن تحابي الأقوياء والنافذين.وينبه البعض إلى أن الصراعات القبلية تغذيها حوادث القتل الناتجة عن الشعور بحتمية الأخذ بالثار، قائلين إن في اليمن ثارات متراكمة مضى على بعضها مئات السنين.ويرى رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أحمد القرشي أن عجز الدولة عن معالجة المشاكل الاجتماعية وفقا للقانون، يدفع الناس إلى أخذ ما يعتقدون أنه حق لهم بأيديهم.واعتبر أن ثمة انحرافا عن أخلاق المجتمع التي تحرّم أخذ الثأر داخل المساجد أو الأسواق أو استهداف النساء والأطفال، وغير ذلك من العمليات التي تعد "عيبا أسود" وفق أعراف القبائل.وأرجع القرشي ارتكاب جرائم "العيب الأسود" إلى الجهل وتدني الثقافة وانتشار السلاح بشكل عشوائي، وإفلات المجرمين من العقاب، وقوة القبيلة مقابل ضعف الدولة وفساد أجهزتها الأمنية والقضائية.وتعتبر ثقافة التعصب القبلي داخل اليمن المغذي الرئيس لأبناء القبائل اليمنية في شمال البلاد والشمال الشرق منها، وتدعو هذه الثقافة إلى ضرورة الأخذ بالثأر انتقاماً لمن قتل احد أفراد العائلة، بل وحتى في العائلة الواحدة أو القبيلة الواحدة. ويتم كل ذلك بعيداً عن قضاء يماطل في مثل هذه القضايا ويترك الجناة يسرحون ويمرحون دون أي محاكمة قانونية محتمين تحت ظل قبيلة لها وزن ومحسوبية داخل الدولة. ونظراً لغياب العدالة والقضاء في مثل هذه القضايا أخذت هذه الظاهرة في التزايد في المجتمع اليمني بشكل يبعث على الخوف، إذ يرى معظم أبناء القبائل أن الدولة إذا كانت لا تأخذ لهم بحقهم فهم سيأخذونه بأيديهم ولا يهمهم من الذي يدفع الثمن.وبذلك أصبح الأخذ بالثأر لا يتم وفق قواعد وأصول كان تحد منه بعض الشيء، بمعنى أنه كان في السابق لا يمكن القتل غدراً داخل مسجد أو سوق ولا يمكن أيضاً قتل امرأة أو طفل. لكن الآن يحدث العكس فعمليات القتل ثأراً باتت تتم حتى داخل المساجد والأسواق وتستهدف الأطفال والنساء والشيوخ. إضافة إلى ذلك فأنه يتم استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة كالرشاشات الثقيلة وقذائف أر بي جي الصاروخية لضرب المنازل وتدميرها على رؤوس أصحابها. يُذكر أن عدد ضحايا جرائم القتل ثأراً يُقدر، بحسب تقارير مختلفة، بـألف قتيل سنوياً.وتتركز قضايا الثأر في عدد من المناطق اليمنية في الشمال والشمال الشرقي وفي مقدمتها محافظات مأرب وذمار وصعدة والجوف وشبوة والبيضاء وعمران، حيث تغيب عن سيطرة الدولة إلى حد ما، وتلعب الأمية فيها دوراً كبيراً، فقد وصلت نسبة الأمية في بعض تلك المناطق إلى 50 في المائة بين الذكور و70 في المائة بين الإناث.أما المشاكل المؤدية إلى جرائم القتل ثأراً فتتعلق معظمها بنزاعات حول قطع الأرضي أو القتل بالخطاء أو نتيجة لشجار بين أطفال أو شباب أو حدود قبلية. إضافة إلى ذلك فأن انتشار ثقافة حمل السلاح بين اليمنيين تعد أحد الأسباب التي تدفع إلى انتشار ظاهرة الثأر. وفي هذا الإطار يقول الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، في حوار مع دويتشه فيله: "إن السبب الرئيس في تعقيد ظاهرة الثأر يكمن في ارتباطها بعوامل كثيرة مسببة لها، سواء في العلاقات بين الأفراد في النزاع على الأراضي أو القضايا الاجتماعية والصراعات السياسية". ويشير الصلاحي إلى أن هناك من يعيد أنتاج هذه الظاهرة، وذلك من خلال بث الصراع بين الزعامات القبلية!!