بقلم : رشاد أبوشاور ... 15.08.2012
في نفس اليوم 9 آب الجاري، انعقد لقاء تشاوري في إيران لتلمس الحل بالحوار في سورية، وبحضور 30 دولة، من ضمنها دول عربية، وأفريقية، وأمريكية لاتينية، و..تتقدمها روسيا والصين، وبحضور مندوبة عن أمين عام الأمم المتحدة، وبالترافق مع تقدم قوات الجيش السوري في حي صلاح الدين، واكتساحها للمسلحين التابعين (للجيش الحر)، بتوقيت مقصود يتوافق مع موعد انعقاد لقاء طهران.
إذا أراد (أصدقاء) سورية، وهم غير أولئك الذين يدعون أنهم أصدقاء (الشعب) السوري، أن يدشنوا مرحلة بدء تلمس الحل بالحوار في سورية، فإن النظام السوري واعتمادا على الجيش قد قدم ما يدعم التوجهات للحل بالحوار، باقتحام حي صلاح الدين، واستكمال تطهيره من المسلحين التابعين للتحالف المعادي لسورية.
لقد تمّ اختطاف الحراك الشعبي في سورية، بعد أن يئس المراهنون على تمدده بزخم إلى دمشق وحلب، عاصمتي السياسية والاقتصاد، والثقل المديني الرئيس في سورية، فتم الانتقال إلى الخيار العسكري اختصارا للصراع، وحسما له، وتحقيقا لأهداف ليست هي التي تحرك الشعب السوري لتحقيقها.
تمّ الدفع بمجموعات مسلحة بحجة حماية الحراك الشعبي، ومواجهة ما يتعرض له من قمع، وهو ما أدّى ضمور الحراك الشعبي لصالح تسيّد السلاح، والانتقال إلى مرحلة الصراع المسلّح، ومعارك الشوارع في حمص، ودمشق من بعد، و..لتنتقل المعارك إلى حلب التي بقيت لفترة بعيدة عن المشاركة، سواء بالحراك الشعبي الزخم، أو..المسلح، كما في حمص، ودمشق.
وفي حميّا المعارك بدا تدفق كل أنواع المجموعات المنتشرة في اليمن، وأفغانستان، والشيشان، والعراق، و..ليبيا، ليأخذ الوضع منعرجا خطيرا، لا يمكن وصفه سوى بأنه يهدف لتدمير سورية الوطن، والدولة، وتمزيق وحدة الشعب العربي السوري العريق، وتفكيك سورية بما هو أبشع مما جرى في العراق.
كيف حدث أن يعبر الحدود السورية ألوف التابعين للقاعدة، والجيش الحر، والأخوان المسلمين، وفتح الإسلام، ونصرة أهل الشام..والسلفية الجهادية، وتشكيلات لم يسمع بها من قبل؟ كيف أمكن أن ينتقل كل هؤلاء من البلدان التي عاثوا فيها خرابا، وينتقلوا بأسلحتهم، ويعبروا إلى سورية؟ هل يمكن أن يتسرب كل هؤلاء من وراء ظهر تركيا تحديدا، وبدون علمها؟ وإن كانت ترفض تدفقهم إلى سورية فما هو موقفها، وموقف أمريكا التي تطارد ( القاعدة) في اليمن، وأفغانستان، ولا تقلق على انتشارها في سورية؟!
لم يعد الأمر سرا بأن الحدود التركية مفتوحة للمسلحين على الآخر، وعبور كل المجموعات المسخّرة لتدمير سورية يتّم بالدعم التركي، و..بإغماض العين التركية، لأن المهم هو إنجاز الهدف: تدمير سورية، وليس الإصلاح والديمقراطية.
خيار اللجوء للسلاح غيب الحراك الشعبي، والمعارضة العقلانية الموضوعية، السائرة مع شعبها، المعبرة عن مطالبه المحقة، عندما قعقع السلاح، ودوت الانفجارات في الساحات والميادين، وارتفعت أصوات من اختاروا السلاح وسيلة لحسم الصراع في سورية، والذين ما أن استشعروا بعض القوة، حتى أعلنوا هدفا لا يحيرون عنه: لا حوار مع النظام..وهو ما يعني إسقاط النظام، وتغييره بقوة السلاح!
ترى: هل هذا برنامج للتغيير، والانتقال بسورية إلى الحرية، والديمقراطية؟!
هؤلاء هيئ لهم أنهم على وشك أن يسقطوا النظام، ويستولوا على الحكم، مراهنين على انهيار المؤسسات، وتفتت الجيش، وهو ما ثبت بطلانه في معارك حمص، ودمشق، وحاليا: حلب..ومعركتها التي راهن عليها من يسلحون، ويمولون، ويخططون ويدبرون، ودون أن يكون للمسلحين من دور سوى أن يدمروا، ويخربوا.
في الصراع المسلح يلعب الجيش السوري، وهو جيش وطني محترف، دور حامي البلد، ولأن خصوم سورية باتوا مفضوحي المخططات، فإن الجيش وهو ينظر شرقا باتجاه العراق، لا يغيب عن باله أن الأمريكي الصهيوني المجرم (بريمر) قد حلّ جيش العراق، ليدخل العراق مرحلة ما زالت تمتد حتى يومنا، من الفوضى، والطائفية المتناحرة، والضياع...
لقد ثبت أن نظر بعض من يحملون السلاح قاصر، وحساباتهم متسرعة، وليست موضوعية، ولا تنبني على معرفة، وإنما تنطلق من اللهفة على الوصول إلى السلطة مهما كان الثمن فادحا، ومكلفا لسورية الوطن والشعب، وحتى بالتدخل الخارجي الذي يطلبونه بإلحاح.. دون حياء. (الأخوان المسلمون تحديدا)
واقع الأمر، أن الحسابات لم تكن حساباتهم، ولكنها حسابات من يمولونهم، ويسلحونهم، ويمنحونهم الأرض التي ينطلقون منها، ويؤمنون لهم الدعم اللوجستي الذي لا ينقطع: بشرا، وسلاحا، ومالاً، وهو ما لا تنكره الجهات الداعمة، والراعية، بل وتعلن عنه في مؤتمرات صحافية، وهو ما فعلته وزيرة خارجية أمريكا كلينتون قبل أيام أثناء زيارتها لتركيا، بعد يومين من لقاء طهران التشاوري بصدد المسالة السورية، وتلمس حلها سلميا، والذي كما يبدو أزعج أمريكا وحلفائها، وأتباعها، ودفعهم للبحث عن وسائل جديدة لتشديد الهجوم على سورية التي بات جيشها يلحق ضربات قاصمة بالمسلحين المعارضين الذين فشلوا حتى اللحظة في السيطرة على حلب، وجعلها منطقة عازلة، محظور الطيران فوقها، وهو ما يعني السيطرة على شمال سورية، كمقدمة لإنهاء النظام، واختطاف سورية.!
أعرف أن الوصول إلى الحوار ما زال بعيدا، فمن يحركون المسلحين لن ييأسوا من إمكانية استمرار الحريق في سورية، فإقرارهم بالحوار هو هزيمة صريحة، لأن الحوار سينتقل بسورية إلى سورية جديدة..سورية يبنيها شعبها بإرادته، وبكامل سيادته، وليس هذا هو مشروع الديمقراطية الأمريكية التي أراداتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، والسعودية، وقطر، وتركيا!
التحرك الإيراني، وهو قطعا جاء بعد تشاور معمق مع روسيا والصين، لم يأت ارتجالاً، فمع اندحار المسلحين من دمشق، وبدء تقهقرهم من حلب، وما يلحق بهم من ضربات في المدن والأرياف، يفتح الطريق واسعا لبدء الحديث عن مرحلة الدخول في الحوار بين السلطة والمعارضة السلمية التي كتم صوتها، وحجب وجهها، بفعل السلاح، والتفجيرات والاغتيالات ، ومسلسل الدم، وتغييب العقل، وعدم النظر لمصلحة سورية الوطن، والشعب، والدولة.
كلما تقهقر خيار السلاح، ولحقت به الهزائم ميدانيا، تنفتح الآفاق على خيار الحوار الذي سيأخذ دعما شعبيا، لأن الشعب في سورية احترق بما تقترفه المجموعات المسلحة، التي بحجة حمايته عمدت إلى تدمير كل ما ينفعه: خطوط النفط، ومستودعات الغاز، ومحطات الماء، وصوامع الحبوب، وقطع خطوط المواصلات، ونسف القطارات.. فهل تدمير سبل حياة الشعب السوري، وتدمير اقتصاده، وتحويل حياته إلى جحيم، يقترف خدمة للشعب السوري؟
للخروج من الأزمة المستفحلة في سورية طريق واحد: الحوار الوطني الشامل، خاصة وقد افتضح أمر التآمر على سورية من تحالف أعداء العرب التاريخيين: أمريكا، بريطانيا، فرنسا..خدمة للكيان الصهيوني. أما عرب النفط، فيعرف شعب سورية العريق، بأنهم لن يصدروا له الديمقراطية، لأنها لا تستخرج من آبار النفط والغاز!
إن سورية القادمة، بالحوار الشامل، لن تكون سورية الماضي، فعلى أرضها ستتأسس سلطة شعب عربي أصيل يستحق أن يتمتع بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، وبمؤسسات المجتمع المدني التي تغني الحياة، وبأحزاب تعبر عن آراء السوريين، وبصحافة محترمة جادة صادقة.. وستكون منجزات سورية آنذاك لمصلحة الأمة العربية جمعاء من المحيط حتى الخليج، وستؤجج الحراكات الشعبية الثورية الجذرية التي لا تركب عليها مخططات أعداء الأمة، وتسخرها لأغراضها!
ستأتي لحظة الحوار، بجهود رجال ونساء سورية، وستكون تلك لحظة فاصلة، سننتظرها حبا بسورية، وإيمانا بأمتنا التي لا يجب أن تبقى لعبة للطامعين بها.