أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
دعوة الى نادي الكبار!!

بقلم : الشيخ حماد ابو دعابس ... 02.03.2013

لست اعني دول الاستكبار المتنفِّذة بالقرار الدولي ، ولا كبار الاعيان في دولة او الاغنياء وكبار المسئولين في مجتمع ايا كان . ولكنها دعوة للانضمام الى نادي كبار النفوس والهمم، الى الذين يحملون همَّ مجتمعاتهم ، يوطِّنون انفسهم لخدمة غيرهم ، ويضحّون بسعادتهم لدفع الشقاء عن اخوانهم .يخرجون اللقمة من افواههم ليشبع غيرهم . يحبّون العطاء ويفرحون به اكثر مما يفرح الاخرون بالأخذ والكسب . انها لغة لا يفهمها الا من ذاق طعم الايمان ثم الاخوّة الصادقة وبعدها الايثار .
جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم اثناء غزوة من الغزوات ، فاشهر اسلامه ثم قسم له النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة ، فقال الرجل : ما على هذا بايعتك , لكن ليصيبني سهم ها هنا ( وأشار الى عنقه ) فأموت في سبيل الله . فما كان إلا ان نادى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ايام الى غزوة اخرى فخرج الرجل وجاهد حتى استشهد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق الله فصدقه الله . هذا مثال نفسٍ كبيرة ، خرجت تطلب الاخرة لا الدنيا فنالتها . ان هذا المثال يتكرر اليوم في سوريا ، فالجيش الحر لا يكلِّف الشباب للنزول الى ميادين القتال، بل هم الذين يتسابقون اليه .
الاسرى المضربون عن الطعام كلُّهم اصحاب نفوس كبيرة، وهمم عالية ، يضحّون بالممكن الذي بين ايديهم ، فيجوعون حتى شفير الموت . من اجل كرامتهم وكرامة شعبهم . وكذا المناضل الصادق الذي يؤثر التعب على الراحة ، ليدفع ظلما عن شعبه . وبذلك فقد انضم سامر العيساوي وزملاؤه المضربون الى نادي الكبار في هذه الامة . وكذا سجناء الرأي، الذين يدفعون من حريتهم وأعمارهم ثمنا لمواقفهم . وفي الحديث : " من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " . ليس المقصود ان يخرج من الاسلام الى الكفر , ولكنه ليس من فضلائهم وأشرافهم ، لأنه انشغل بهمِّه عن هموم امته وشعبه .
*لماذا سُجن الحطيئة ؟
الحطيئة ، ذلك الشاعر المخضرم الذي ادرك الجاهلية ثم الاسلام ، واشتهر بالهجاء حتى لم يسلم من شرِّه احد ، سجنه عمر بن الخطاب ، حتى استجداه بقصيدته المشهورة :
ماذا تقول لأفراخ بذي مَرَخٍ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
القيت كاسيهم في قعرٍ مظلمة ٍ فارحم عليك سلام يا عمر
اتدرون ما سبب سجنه ؟.... ذلك انه هجا الصحابي الجليل الزبرقان بن بدر بقصيدة يقول فيها :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فأنت الطاعم الكاسي
أي اجلس متنعماً بالطعم والملبس ودعك من اهتمامات الكبار ذوي الهمم العالية ومكارم الاخلاق والأعمال . لقد فهم ذلك على انه ابشع الذم، في حين انه بات في زماننا اقرب الى المديح .
ان اعداءك يكتفون منك بان تجلس على الحياء ، فان لم ينالوا منك ان تكون عميلاً لهم خائناً لشعبك ووطنك ، اكتفوا منك بعزلك عن واقعهم وقضاياهم . ويرضون لك ان تكون سلبياً ، لا مبالياً . ولذلك فان الذي لم يخدم شعبه هو جزء من مشروع اعدائه الساعين لتحييده وإخراجه من دائرة التأثير لصالح شعبه وأمَّته . فلا ترضوا لأنفسكم بالسلبية ، واللامبالاة ، والتفرُّج على قضايا الامة بلا موقف ولا تأثُّر ولا تأثير .
*اليد العليا خير من اليد السفلى
بعض الناس اول ما يتبادر لذهنه عندما نقوم بحملة اغاثة ، او عندما نسافر الى خارج البلاد ان يسأل : وما هو نصيب الحركة الاسلامية ؟ , وكم ستستفيدون من الاموال التي تجمعون ؟ وغير ذلك من اسئلة التشكيك ، التي تنمُّ عن عدم ادراك لقيمة العطاء في حياة المؤمن . وعليه فإننا نقول وبكل ثقة : ان للعطاء طعمٌ الذُّ من طعم الاخذ ، وللبذل طعمٌ اطيب من طعم الكسب . والمسلم العادي يرضى من العطاء بان يكون عطاؤه ظاهراً للعيان ، يُشكر عليه ، ويُقتدى به ، اما المسلم المميَّز فيحب ان يعطي كثيراً ، ويُذكَر قليلاً حتى لا تعلم شماله ما انفقت يمينه ، ولذلك فإننا نعتزُّ حينما نسافر الى خارج بلادنا ، لا نستجدي اموالاً من غيرنا، بل نخرج لنقدِّم ما يتيسَّر بين ايدينا دعماً لجزء من شعبنا او امتنا. نخرج ويدنا العليا،وليست السفلى ، نحظى بتقدير الاخرين الذين لا يتوقعون منا ذلك بل لعلهم يلومون انفسهم حين تقاعسوا عن الشعب الفلسطيني ، الذي هو بحاجة اصلاً للمساعدة . فهل يظن احد بعد ان ذقنا شرف العطاء ، ان تتصاغر هممنا ، لنبحث عن حصة لنا . بل نبذل ما بوسعنا ، وننفق مع المنفقين ، ونتسابق على العطاء مع المتسابقين ، فلله درُّ المنفقين ، وجزى الله الاخوة من كفر قرع وطمرة ومن وقف معهم في الحملة الاخيرة لإغاثة اخواننا السوريين كل خير اننا نكبر بهم ونرقى بالعطاء ونفرح بالسخاء ، ونفاخر بالمنضمين الى نادي الكبار من اهل الانفاق والكرم .
*في نادي الكبار : سبعةٌ يظلّهم الله في ظلِّه
في الحديث المشهور، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي مطلعه : " سبعه يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ الا ظلّه .... " انها دعوة كذلك الى نادي الكبار . الى الذين يبتغون القرب والوصول الى منازل الرضوان ، واعلى الجنان ، ورضا الرحمن . فهم مصلّون ، ولكنهم يتميزون بتعلق قلوبهم بالمساجد ، ومنفقون ولكنهم يخفون صدقتهم حتى لا تعلم شمائلهم ما تنفق ايمانهم . وهم متعفِّفون حتّى امام اشدّ الفتن والإغراءات، وهم متآخون ولكن بإخلاص كامل وتجرُّد لله رب العالمين . وهم منصفون حتى ولو بلغوا قمَّة السلطان واعلى المناصب ، وهم الذين يخشون ربهم بالغيب لدرجة البكاء من خشية الله على غير مرأى الناس ، يؤدون الفرائض ويتقربون بالنوافل ويطمعون في محبة الله . هي دعوة مفتوحة لكل المؤمنين والمؤمنات ان ينضموا الى نادي الكبار , وعيشوا معي هذا الحديث العظيم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" .رواه البخاري ومسلم
والى الملتقى والله غالب على امره