بقلم : د. ثابت ابو راس* ... 16.09.2012
مقدمه:
في أعقاب مخطط برافر تنشط اليوم لجنة ,عينت على يد مدير عام وزارة الداخلية, يرأسها بروفيسور رازين, مهمتها تقسيم الحيز بين السلطات المحلية في النقب. في النقب هناك حوالي 800 ألف دونم معرفة بالمنطقة الغير مخصصة (area without jurisdiction) بمسؤولية لواء الجنوب في وزارة ألداخلية, هي الأكبر في البلاد, والتي لا تخضع لنفوذ أي من السلطات المحلية في إسرائيل. الغالبية العظمى لهذه الأراضي تقع في ما تبقى من منطقة السياج المأهولة في السكان العرب البدو وسلطاتهم المحلية والقرى الغير معترف بها ولسكانها ادعاءات ملكية على الارض معترف بها. هذا الامر له انعكاساته التخطيطية والاقتصادية على عرب النقب وسلطاتهم المحلية وإمكانية الاعتراف أو عدم الاعتراف في القرى الغير معترف بها.
تقسيم الحيز في النقب
تغطي مساحة لواء الجنوب 14,230 كم من مجموع مساحة دولة إسرائيل البالغة 20,770 كم مربع أو أكثر من 68% من مساحتها. أما مساحة منطقة النقب فتبلغ12,835 كم مربع. والجدير ذكره أن المجالس الإقليمية اليهودية في لواء الجنوب تسيطر على 11,600 كم مربع والتي تكون 86% من مساحة النقب. لهذا الأمر انعكاسات كبيرة على تقسيم الموارد الضريبية النابعة من معسكرات جيش, مصانع ومنشئات قطرية واقعة في مناطق نفوذها ( كتاب الاحصاء السنوي للنقب, 2006) كذلك فأن المدن والبلدات اليهودية تسيطر على غالبية الحيز المتبقي في النقب . ولم يتبقى للسلطات المحلية العربية الا جزء صغير من مساحة النقب لا تتعدى ال 120,000 دونم او اقل من 1% من مساحة النقب .
لجنة رازين
في نيسان 2012 عين مدير عام وزارة الخارجية السيد عمرام قلعجي لجنة لفحص " التنظيم المناسب للحيز البلدي ومناطق التخطيط المحلية لقطاع البدو في منطقة بئر السبع" . وقد عين على رأس هذه اللجنة بروفيسور عيران رازين احد كبار الخبراء في البلاد في موضوع مناطق النفوذ. وقد اوضحت صلاحية اللجنة والهدف من إقامتها في كتاب التعيين وهي " تعزيز أهداف الحكومة كما هو منصوص عليه في القرار رقم 3707 بتاريخ 2011/11/09 على تسريع الإجراءات لتنظيم تسوية إسكان البدو في النقب". أي بكلمات أخرى تطبيق مخطط برافر"(وزارة الداخلية, 2012).
الملفت للنظر أن ممثلي المؤسسة طرحوا في اللجنة موضوع "إنهاء دور مجلس ابو بسمة وتقسيم الحيز البدوي من جديد". واجمع خبراء عرب وقيادات سياسة كثيرة أن الهدف من ذلك هو إجهاض قرار مشروع الانتخابات للمجلس الإقليمي المعين منذ نهاية 2003 والذي أنجز بعد التوجه لمحكمة العدل العليا.
والجدير ذكره هو أن مجلس ابو بسمة المعين قد أقيم في نهاية العام 2003 وكان من المفروض أن تتم الانتخابات الأولى للمجلس بعد أربع سنوات, أي في العام2007. لكن الانتخابات اجلت مرتين. في أعقاب ذلك توجه مركز عدالة وجمعية حقوق الإنسان إلى محكمة العدل العليا والتي أقرت بوجوب إجراء انتخابات في مجلس ابو بسمة حتى الرابع من كانون أول 2012 (ملف محكمه رقم 3183/ 10 ).
موقف مجلس ابو بسمة من القضية
مثل مجلس ابو بسمة امام لجنة رازين كل من مستشارها الكبير د. زوهر ورئيس المجلس السيد رحميم يونا. حيث يوصل الاول والذي حضر طريقة عمل مجلس إقليمي ابو بسمة (كوحده ادارية واحده لكل القرى) وخارطة منطقة نفوذها في العام 2003 (وزارة الداخلية, 2003) والتي أقرت بدون تواصل جغرافي بين قرى المجلس. حيث يوصي الان بإقامة مجلسين إقليميين منفردين. الأول مجلس إقليمي شمالي ويتكون من القرى القائمة على شارع 31 وهي ام بطين, السيد, دريجات, كحله, مكحول, مولدا وترابين ويكون مقره في مولداه. أما المجلس الإقليمي الجنوبي فيشمل القرى القائمة على شوارع 25 و 40 وهم: ابو قرينات, بئر هداج, قصر السر وابو تلول ويكون مقره في الأخيرة . كذلك يوصي بعدم ضم أراض غير مخصصه (land without jurisdiction) . حيث يرى أن ضم مثل هذه المساحات ستؤدي إلى مصاعب جمة في عمل المجلس من النواحي الإدارية, الاقتصادية والتخطيطية بما فيها تطبيق القانون. كذلك يرى زوهر أن ضم مثل هذه الأراضي لمناطق نفوذ قائمة من شأنه "زيادة التوقعات عند المجتمع البدوي وخاصة مدعي الملكية منهم".
ويقترح د. زوهر وضع أهم وظيفة تقوم بها المجالس الإقليمية وهي البناء والتخطيط, ليست تحت سلطة المجالس الإقليمية المقترحة بل, إقامة لجنة تنظيم وبناء منطقية مشتركة للمجلسين تعمل من بئر السبع. وبكلمات أخرى يرأس هذه اللجنة موظفا يهوديا كممثل مباشر لوزير الداخلية. (زوهر, 2012).
والملفت للنظر أن الرسالة التي بعث بها السيد رحميم يونا, رئيس المجلس الإقليمي ابو بسمه للجنة الحدود قد أوضحت " أن مجلس ابو بسمة يركز عمله وجهده على إقامة وتطوير قرى البدو الجديدة" وجاءت مطابقة لأفكار د. اهرون زوهر وتوصياته بتقسيم المجلس الى مجلسين. وأكدت رسالته على موضوع المدخولات الضريبية من المنشئات العسكرية والاقتصادية في المنطقة’ مثل مطار نفاتيم. حيث يقترح نقل هذه المنشئات ومدخولاتها إلى سلطات محلية يهودية مثل بلدية عراد او ديمونا ومن ثم اقتطاع قسما منها لمجلس ابو بسمه (مجاس اقليمي ابو بسمه, 2012).
ماذا وراء تفكيك مجلس الاقليمي ابو بسمه ؟ اصدرت لجنة رازين تقريرها المرحلي في منتصف شهر اب 2012, أي بعد مزاولة عملها بشهرين. وتضمن التقرير توصية واحده وهي تفكيك مجلس اقليمي ابو بسمة حيث جاء في التقرير "لا مكان لاستمرار عمل المجلس الاقليمي ابو بسمة في صورته ألحالية(تقرير اللجنة 2012, ص 15).
هذه التوصية لم تفاجئ المراقبين للأحداث في النقب لكن تبين الدور الذي انيط بهذه اللجنة منذ البداية والتي من المفروض ان تكون مهنية. ويقر التقرير المرحلي ان "القضية الاساسية للجنة الحدود, في كل ما يتعلق في أبو بسمه, هي فحص امكانية استمرار عمل المجلس كمجلس اقليمي فقط" (ص11).
المفاجئ في الامر ان اللجنة اصرت على تقديم تقريرا مرحليا مع العلم ان لجان الحدود لا تقدم تقارير كهذه قبل انهاء عملها. وتعترف اللجنة في تقريرها ان "امامها مهمة صعبة ومركبة" والذي يتناقض مع الحاجة الى السرعة في اصدار مثل هذا التقرير بعد شهرين من بداية عملها. وتجدر الاشارة ان اللجنة قد دعت ممثلي المؤسسة في جنوب البلاد للمثول امامها في اول جلستين ولم تستمع الى الغالبية الساحقة من ممثلي قرى ابو بسمة والقرى الغير معترف بها قبل اصدار تقريرها المرحلي. ويعد مبدأ اشراك الجمهور وسماعهم الاساس الذي يقوم عليه عمل لجان الحدود. ويرى رئيس لجنة الحدود بروفيسور عيران رازين ان هذه القضية مركزية. حيث كتب في احدى ابحاثه "على اللجنة عدم اتخاذ اية توصية قبل سماع الطرفين" (رازين وحزان, 2000, ص 2). وواضح ان السرعة في استصدار هذه التوصية دون غيرها (صلاحية اللجنة تشمل البلديات العربية البدوية في الجنوب) هو من اجل اعطاء الفرصة لوزير الداخلية بتفكيك مجلس اقليمي ابو بسمة بشكل قانوني?
وتستعمل لجنة رازين موضوع التوزيع الجغرافي لقرى ابو بسمه وبعدها عن بعض (لم يتغير شيء منذ العام 2003), لكنها نسيت ان هناك مجالس اقليمية في اسرائيل اكبر من حيث المساحة الجغرافية مثل رامات نيغب وبني شمعون, واكثر من حيث عدد السكان مثل عيمق حيفر وماطيه يهودا. حيث تشير اللجنة الى العدد القليل لسكان المجلس والذي لم يتعدى ال 7200 نسمه (حتى نهاية تموز
2012) وينسى ان هناك اكثر من 15 مجلسا اقليميا في البلاد عدد سكانها اقل من هذا العدد ومنها تمار, لخيش, رمات نيغب, وشاعر هنيغب في النقب. .
لكن يبقى تبريرا عنصريا لتفكيك ابو بسمة يجب التطرق اليه الا وهو "ان مجلس اقليمي بدوي منتخب من المتوقع ان يمسك زمام امور اناس سيفضلون مصالحهم العشائرية والقروية بالأساس...." وان "سلطة محلية بدوية منتخبه ستستصعب في تجنيد الموارد من السلطة ألمركزية (ص 5). اذا كان الامر كذلك فلماذا تجرى انتخابات في القرى البدوية الأخرى؟ وللحقيقة فان الامور الشخصية, ألعائلية الطائفية تعشعش في جميع السلطات المحلية العربية واليهودية. هناك سلطات محلية عربية في النقب تعمل بشكل افضل من سلطات محلية يهودية مجاورة وخير دليل على ذلك تفكيك عدد من السلطات المحلية اليهودية في الجنوب. يجب الاشارة ان سياسة التمييز العنصري وخاصة في قضايا الارض والتخطيط كانت وما زالت العقبة الكبرى امام تطور البلدات العربية في البلاد.
واستعملت اللجنة في تقريرها المرحلي قضية البنية التنظيمية لتبرير فشل مجلس ابو بسمة وتفكيكه عشية اجراء الانتخابات للمجلس, وهذا امرا جديدا في سياسة وزارة الداخلية. فمن المعروف انه عند فشل عمل سلطة محلية تقوم وزارة الداخلية بفصل رئيسه المنتخب وأحيانا اعضاءه وتعين رئيسا معينا بدله وليس تغيير المبنى التنظيمي للسلطة المحلية. هكذا كان الامر في سلطات محلية مجاورة في السنوات الاخيرة في كل من عراد, اوفاكيم, يروحام وعرعرة النقب. والانكى من ذلك ان واضعو السياسة ومنفذيها اليوم هم اصحاب الحظ الاوفر في الاستمرار في قيادة المجلسين الجديدين, المهم ان لا يكونوا عربا من سكان قرى ابو بسمه والذين باستطاعتهم ان يكونوا عقبة امام مخطط برافر وتطبيقه.
قراءة متأنية للتقرير يوضح انه بعيدا عن المهنية وهو تقرير اوصي , من وزارة ألداخلية , على تحضيره وعلى وجه السرعة من اجل الالتفاف على قرار محكمة العدل العليا بإجراء انتخابات في قرى ابو بسمه في 4-12-2012 (ملف رقم 7311/02). هذا التقرير المرحلي والسريع جاء ليخدم سياسة مرسومة سلفا على يد الحكومة الاسرائيلية حيث ورد في رد الدولة على الملف الاول من ملفان اخران يعارضان اجراء الانتخابات (5819/12) و ملف (6313(12/ وسيبحثان في أكتوبر 2012 في محكمة العدل العليا ان "وزير الداخلية يفحص هذه الايام تبني التوصيات المرحلية للجنة رازين وانه اذا اقر تفكيك مجلس اقليمي ابو بسمة الى مجلسين منفردين في الفترة القادمة وقبل التاريخ المقرر للانتخابات سيتم الغاء الانتخابات لان مجلس ابو بسمة لن يعد قائما " (ص 14). وزارة الداخلية والتي تحث على "تجميع الموارد من خلال توحيد سلطات محلية في البلاد ترى الان ,عشية اجراء الانتخابات للمجلس الاقليمي ابو بسمه الحاجة الى تفكيك المجلس وإقامة سلطتين محليتين مكانه تلخيص الحكومة الاسرائيلية بأذرعها المختلفة ,بمن فيها لجنة رازين الآن, ماضية بتطبيق مخطط برافر حتى بدون اقراره كقانون في الكنيست. لقد كانت وما زالت المعركة الاساسية هي حول المساحة المتبقية من منطقة السياج وهي حوالي 800 الف دونم والتي يسكن غالبيتها سكان القرى الغير معترف بها. حسنا لو يتم عقد جلسة تنسيق واحده على الاقل بين السلطات المحلية العربية في الجنوب واللجان المحلية في قرى ابو بسمة واللجان المحلية في القرى الغير معترف بها لوضع ,خطة يوضع في مركزها مبدأ العدل التصحيحي والغبن الذي حل بعرب النقب وتشمل المطالبة في ضم جميع المنطقة المتبقية من منطقة السياج لمناطق نفوذها بمن فيها المنشآت التي تدر المدخولات من الارنونا والمطالبة بانتخابات سريعة للجان المحلية بهذه القرى وتنظيمها. تفكيك مجلس اقليمي ابو بسمه هدفه لأول هو تأجيل الانتخابات للمجلس وللمرة ألرابعة ومنع سكان قراه من ممارسة حقهم الديمقراطي بانتخاب ممثليهم وبالتالي تمرير مخطط برافر دون مقاومة محلية رسمية.
مصادر
تقرير مرحلي لجنة الحدود رازين (2012)
وزارة الداخلية (2003) تقرير اللجنة لفحص المبنى البلدي وحدود البلدات الجديدة (ابو بسمه) في لواء الجنوب ( لجنة زوهر).
وزارة الداخلية (2012), كتاب تعيين لجنة لفحص " التنظيم المناسب للحيز البلدي ومناطق التخطيط المحلية لقطاع البدو في منطقة بئر السبع".
زوهر, ا. (2012) قضايا متعلقة بمجلس اقليمي ابو بسمه, ورقه مقدمه للجنة الحدود رازين.
كتاب الاحصاء السنوي للنقب ((2006). بئر السبع, جامعة بن غوريون: معهد التطوير المنطقي.
مجلس إقليمي ابو بسمه (2012) , ورقة موقف: رسالة إلى لجنة التحقيق لتغيير الحدود وتقسيم الموارد الضريبية, مقدمه من مجلس إقليمي ابو بسمه.
رازين, ع. & حزان, أ. (2000), عملية تغيير مناطق نفوذ بلدية والديمقراطية المحلية مقابل "التحكم من فوق". القدس: معهد فلورسهايمر.
ملف محكمه رقم 7311/02
ملف محكمة رقم 3183 /10
ملف محكمه رقم 5819/12
ملف محكمه رقم 6313 /12