أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
التشخيص الإستراتيجي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي!!

بقلم :  نواف الزرو ... 10.11.2012

ربما تكون شهادة إسرائيلية أحيانا في قضية معينة، أقوى وأبلغ ألف مرة من مئة شهادة فلسطينية أو عربية، وخاصة بما يتعلق ببعض عناوين الصراع، وعلى نحو خاص بما يتعلق بعملية المفاوضات والسلام، ففي الوقت الذي لا يجد الفلسطينيون والعرب خيارا سوى خيار السلام، تجمع المؤسسة الأمنية العسكرية السياسية الحزبية الإسرائيلية، على عبثية المفاوضات، واستحالة السلام مع الفلسطينيين، بينما يفترض منطقيا أن تكون الصورة معاكسة تماما، إذ على الفلسطينيين والعرب أن يستخلصوا استحالة السلام مع كيان غاز مغتصب.
تصوروا ...!
السلام مستحيل من وجهة نظر صهيونية، هذا ما تؤكده دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، وتقول: "إن التوصل إلى سلامٍ مع الفلسطينيين في المستقبل المنظور هو من رابع المستحيلات، ذلك لأن المجتمع الفلسطيني ليس مستعدا بعد للتخلي عن الهدف المشترك لجميع الدول العربية وهو الذي كان قائمًا حتى قبل تأسيس الدولة العبرية: منع دولة يهودية، والآن القضاء عليها"، فهل هناك ابتزاز بعد هذا الابتزاز...؟!، وهل هناك وقاحة بعد هذه الوقاحة؟!
وتقترح الدراسة على صناع القرار في تل أبيب من أجل السلام في المستقبل عدة اقتراحات، منها: رفض إسرائيل، رفضًا قاطعًا، الادعاء الفلسطيني بأنه لا توجد صلة تاريخية قديمة بين الشعب اليهودي وبين "أرض إسرائيل"، والتأكيد على أن الغرب، وتحديدًا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لا يرفض شرعية إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف، أما الاقتراح الثالث فيؤكد على شطب حق العودة من القاموس، وتأكيد قادة "إسرائيل" على أن "توطين اللاجئين"، يجب أنْ يتم خارج حدود الدولة العبرية، وترى الدراسة أنه يجب مناقشة الفلسطينيين حول حجم الأراضي التي يريدونها لإقامة دولة قابلة للحياة، (وهذا تضليل صارخ)، والاقتراح الأخير هو كيّ الوعي الفلسطيني بأن السلام ما زال بعيد المنال من جهة، ومن الجهة الثانية، التأكيد لهم على أنْ لا يفقدوا الثقة في إمكانية التوصل إلى سلامٍ مع الإسرائيليين. ولكن الدراسة تقول مع أن الحقيقة الواقعة تؤكد على "أن السلام ما زال بعيدا جدا، فعلى صناع القرار في تل أبيب أنْ يفحصوا جيدا هل الشعب الفلسطيني على استعداد لقبول سلامٍ مع إسرائيل ليس قائما على القضاء عليها، وبعد التحقق من هذه المسألة الحساسة جدًا-بحسب الدراسة- يجب على الحكومة الإسرائيلية ترتيب إستراتيجية جديدة للدفع باتجاه السلام مع الفلسطينيين".
وتعترف الدراسة بأن ما أسمته بالتشخيص الإستراتيجي المعروض هنا لا يُثير التفاؤل، والسيناريو ليس إيجابيا، ولكن المأمول هو أنْ ينشأ الجيل الفلسطيني الذي يقود شعبه بعيدًا عن الحروب، ولكن الدراسة تُشكك في وجود قيادات شابة على استعداد لأداء هذا الدور. ولفتت الدراسة أيضا إلى أن التشخيص الإستراتيجي المطروح في هذه الدراسة لا يُبشر بالخير للدولة العبرية، الأمر الذي يعني أنها ما زالت في وضعٍ خطير، وربما سيزداد هذا الوضع سوءًا إلى حد كبير الأمر الذي سيجعل السلام مستحيلاً مع الفلسطينيين".
ولم تكد استخلاصات هذه الدراسة الاستراتيجية تظهر لوسائل الاعلام، حتى عاجلنا استطلاع جديد للرأي العام الاسرائيلي، أجرته صحيفة هآرتس العبرية-2012/11/6-، تبين فيه أن 80% من الإسرائيليين لا يؤمنون بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، في حين قال ثلثا المستطلعة آراؤهم أنه لا يوجد شريك فلسطيني لعملية السلام.
لا غرابة في ذلك..!، فالإستراتيجية الصهيونية تقوم منذ بدايات الصراع، على كسب الوقت وبناء وتكريس حقائق الأمر الواقع الاستعماري التهويدي، وإحكام القبضة الأمنية العسكرية إستراتيجيا على فلسطين والمنطقة، كما تسعى تلك الإستراتيجية تفاوضيا منذ بدايات عملية المفاوضات إلى "خفض سقف الطموحات الفلسطينية"، وترفض "الجداول الزمنية والمواعيد المقدسة-الملزمة- في المفاوضات، وهناك اجماع سياسي إسرائيلي بين كافة الأحزاب المؤتلفة في الحكومة، وتلك التي خارجها على رفض الجداول والمواعيد، بينما تصر السياسة الإسرائيلية دائما على مواصلة المفاوضات... هكذا من أجل المفاوضات.. وكسب الوقت!
إالى كل ذلك، ففي الوعي السياسي الصهيوني المبلور عبر الأجيال على مدى أكثر من ستة عقود من الزمن، فإن الصراع مع العرب وجودي ومفتوح، وأنه بدأ منذ أكثر من مائة عام، وقد يستمر مائة عام أخرى، حتى يستسلم العرب، ويعترفون بعجزهم عن تسلق الجدار الفولاذي الجابوتنسكي، والسياسات الصهيونية بنيت على ذلك، وما تزال، فمن وجهة نظرهم "إن البحر هو البحر وإن العرب هم العرب".
نعتقد أن على القيادات التي ما تزال متمسكة بوهم المفاوضات والسلام، أن تستيقظ من أوهامها، وأن تقرأ بعمق هذا التشخيص الإستراتيجي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، الذي تتبنى الحكومة الإسرائيلية توصياته بالكامل، كما عليها أن تبحث عن خيارات وأدوات أخرى تحيي القضية الفلسطينية من جديد، وتعيدها على الأجندة العربية والدولية بقوة.