بقلم : نواف الزرو ... 03.12.2012
قد يكون التوقيت الذي اعلنت فيه حكومة نتنياهو عن قرارها، ببناء 3000 وحدة استيطانية في القدس والضفة، وهو غداة الاعتراف الاممي بفلسطين"دولة مراقب"، هو الذي جعل ردود الفعل والتعليقات كلها تتحدث عن ان هذا القرار، جاء ردا على الاعتراف الاممي، وقد يكون التوقيت متعمدا، غير ان هذا القرار يأتي في سياق ديناميكية استيطانية تهويدية لا تتوقف على الاطلاق، فالاصل عندهم، الاستيطان ثم الاستيطان ثم الاستيطان اولا، فالاستيطان ماض لا يتوقف، مهما تقلبت الظروف ومهما كانت الاوضاع، فهم يسابقون الزمن والاحداث والاحوال العربية والدولية، ولا يكترثون لشيء، وحتى لو لم يكن هناك هذا الحدث السياسي الكبير-الاعتراف بفلسطين دولة مراقب-، فان هذا القرار الاستيطاني جاهز لديهم وقد سحب من الجارور، وما الاعلان عنه في هذا التوقيت الا نكاية واستفزازا، وكي يقولوا للعالم، اتخذوا قرارات واعترفوا بالدولة الفلسطينية، فهذا لن يغير شيئا على الارض، فقافلة الاستيطان اليهودي ماضية، ولتفعلوا ما تشاؤون...فامس 3000 وحدة استيطانية، وقبلها 4000 وحدة، ولكن قبلها بمدة، كشف وزير الداخلية الإسرائيلي "إيلي يشاي"عن مشروع استيطاني ضخم، يهدف إلى بناء أكثر من مليون وحدة استيطانية، خلال العشر سنوات القادمة"، وهكذا كما نتابع هناك اعلانات وقرارات ووحدات استيطانية لا تتوقف، فهناك مئات التقارير التي تتحدث بالتفصيل عن حرب الاستيطان التهويدية في الأراضي العربية، التي تشير المصادر المختلفة إلى تصاعدها بوتيرة مرعبة وفي سباق مجنون مع الزمن والمتغيرات.
وحسب التقارير المختلفة، فمنذ عهد أشكول وغولدا مئير (67_1974 ) تم إقامة (11) مستعمرة تركزت في غور الأردن ومنطقة غوش عصيون والخليل، في عهد رابين 1977 فقد تم إقامة مستعمرات كانت أغلبيتها في غور الأردن ومنطقة القدس الكبرى، وعندما استلم الليكود بقيادة بيغن 1977 / 1981 تم إقامة 35 مستعمرة، أغلبيتها في منطقة نابلس ورام الله والخليل، وتم في عهد بيغن وشامير حتى عام 1986 إقامة 43 مستعمرة تركزت في مناطق رام الله وجنوب غرب نابلس ، وفي عهد حكومة الائتلاف حتى عام 1988 تم إقامة 27 مستعمرة تركزت معظمها في مناطق نابلس ورام الله والخليل، وفي عهد رابين بعدها تواصل الاستيطان المسعور، ثم في عهد نتنياهو الاول، وبعده في عهد باراك، ثم شارون، ثم اولمرت، فنتنياهو مرة اخرى...وهكذا.
فالحقيقة الناصعة الملموسة، أن ديناميكية الاستيطان اليهودي لم تتوقف يوماً ولم تهدأ، فقد كانت حرباً استيطانية استعمارية متواصلة بلا توقف ضد الأرض والشعب، وتشارك في هذه الحرب كافة التنظيمات والجمعيات والحركات الاستيطانية السرية والعلنية على حد سواء ، وكافة الحكومات والوزارات الإسرائيلية العمالية والليكودية على حد سواء، فكانت النتيجة زرع المستوطنات الاستعمـارية والمستوطنــين المستعمرين في أنحاء الضفة وما المفاوضات التسووية التي استمرت عشرين عاما كاملة، سوى ستار من الدخان جرت خلفه معركة حثيثة لترسيخ السيطرة الإسرائيلية في كل أرجاء الضفة الغربية، فما جرى ويجري على الأرض يفوق بكثير كل ما ينعكس في وسائل الإعلام، اذ تتواصل في كل أرجاء المناطق المحتلة، معركة ترمي إلى تحويل كل قرية أو مدينة فلسطينية إلى جيب منقطع محوط بمناطق سيطرة الإسرائيلية، وهذه ليست من عمل متعصبين مجانين او ردود افعال –مثلا-على الاعتراف الاممي بالدولة، ، بل معركة مخططة جيداً تتواصل في عهد الليكود والمعراخ على حد سواء، والهدف منع كل امكانية لإقامة دولة فلسطينية حقيقية مستقلة.
فالحكاية ليست قرار ال3000 وحدة استيطانية، وانما هي حكاية استراتيجية صهيونية، وعدوان وسلب وسطو مسلح في وضح النهار على الارض والشعب الفلسطيني، دون ان يكون هناك ما يردعهم، فالمطلوب هو الردع والاجبار، ردعهم عن المضي في السلب والنهب والاستيطان، واجبارهم على الانسحاب وتفكيك مشروع الاحتلال برمته، وقوة الاجبار عمليا غير متوافرة فلسطينيا او عربيا، والمفروض ان الاعتراف الاممي بفلسطين"دولة" يتيح للفلسطينيين الآن ان يطالبوا بتقديم نتنياهو وافراد حكومته الى محكمة الجنايات الدوليةن بتهمة العدوان على الدولة والارض الفلسطينية، والمفروض ان تتحرك القيادة الفلسطينية بمنتهى المسؤولية والجدية في هذا الاتجاه، فالمعركة هنا سياسية وقانونية واخلاقية، غير انها لا تكفي في مقارعة الاحتلال، فالمطلوب فلسطينيا ابعد واكثر من ذلك، المطلوب هناك على الارض، نهضة وانتفاضة ومقاومة فلسطينية بشتى الوسائل المتاحة. فهي حرب استيطانية مسعورة تتسابق مع الزمن والمتغيرات المحتملة، وتهدف إلى تقطيع أوصال الجسم الفلسطيني لإجهاض الإمكانية الحقيقة لإقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية .