بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 04.10.2012
بين ثنايا صفحات التاريخ ضاعت اوراق كثيره وفي طيات السجلات ضاعت تفاصيل كثيره لم نستطع توثيقها او اُجبرنا قسرا على اهمالها واسقاطها من تاريخنا ووجداننا لانها مرت هكذا هباء وهدر للزمن والتاريخ في ان واحد في حين كُنَّا نحن منهمكين بتفاصيل معيشيه واخرى هامشيه وقسريه كتبها الاخر وفصلها على مقاسه وادخلها في قبعة اهدافه الهادفه الى أن نقبع ونبقى هناك حيث توقفت عجلة الزمن ومسيرة التاريخ , ومنذ ذلك الزمن الغابر البعيد وحتى يومنا هذا لم نتمكن من جَّسر الهوه بيننا وبين تاريخنا بجسر نعبر من خلاله الى قلب التاريخ ومكانته الملموسه وهكذا وعبر الازمان ظلينا بمثابة جسرا يعبر من عليه الاخرون ليصنعون التاريخ ومن ثم يهدمون الجسر ويمضوا عائدين الى اوطانهم بتاريخ ذاتي وامجاد مصدرها اوطاننا العربيه.. مجرد جسر لتاريخ الاخرين يمرون من عليه ومن على جسد الوطن العربي ومن ثم يمضون بعجلة الزمن الى محطة اخرى يمضون بها بمرحله من الزمن وهو زمن محسوب علينا ولم ناخذه بالحسبان حيث تحنطت الازمان والاماكن والاحداث ومضى التاريخ تاركها هناك الى ان يحين أوَّان انعاشها في خضم احداث اخرى تصنع مجرى تاريخ اخر وتخلق منفذ جديد الى إعادة صياغة المحنط من الاحداث والتواريخ لتفرض علينا واقع لم نتوقعه او توقعناه ولم نتمكن استباق حدوثه والتأثير في مساره وهكذا بقينا وسط الدوامه عبر التاريخ وعبر الزمن وكلما حاولنا السباحة نحو الشاطئ امتدت الينا أيادي تعيدنا الى عين الدوامه وعين المكان ونفس الازمان..مكانك عد..مكانك سر....!
..رحى زمن كُنا وما زلنا نحن دَّقيقه المطحون..طاحونة تاريخ كنا نحن لحمه المفروم المقدم كوليمة دسمه لتاريخ الاخرون من غُزاه ومن طامعون ومن ومن إقطاع ومن طغاه هدموا اركان التاريخ وكل زواياه ومقوماته..هدموا الشعوب صانعة التاريخ ومشيدة امجاده...شيدوا القصور لذاتهم وللغزاه وشيدوا السجون للشعوب وأقاموا حولها اسوار عاليه لحجب ومنع كل شئ عن اسرى التاريخ او بالاحرى اسرى في سجون التاريخ.. تاريخ الاسير ام اسير التاريخ وهذا السجل الطويل من الاسر والسجن في سجون تاريخ ماضي وزمن ضائع ضاعت فيه اعمار اجيال تلحق بأجيال وما زال البعض او الكثير من بيننا يعيد تجربة التاريخ بطعم علقم أمَّر من علقم ويسوقنا سوقا نحو المزيد من تكريث الكارثه لنصدق ان إقطاعي يدعم ثورة عبيده؟..تاجر العبيد والعبوديه يدعم ثورات التحرر العربيه!...الغازي الذي دمر جسور التاريخ العربي ينوي تشييدها من جديد بعد ان تركها قابعه خلف اسوار التاريخ على مدى قرون..بين الفينة والاخرى يمطرها بوابل من القنابل حتى يعيد بقايا التاريخ وفتاته الى العصور الحجريه..بقايا التاريخ واشلاء البشر وصناعة تاريخ الاخر..تاريخ الغازي...متى كُنا نحن صناعه غير صناعة الغازي والمُحتَّل؟
كنا وما زلنا في مرمى تاريخ الاستكبار والغزو ولم نتمكن من التحول الى حاله وطنيه منذ عقود وحتى يومنا هذا..اي ثورة وطنيه هذه اللتي ترتكز على كعب بنادق الغزاه والطغاه والاقطاع..هل ولدت الثورات لإعادة صناعة الطغاه وتمجيد الاستكبار والقوى اللتي هدمت جسور التاريخ الوطني العربي ولم تترك وراء الجسر او امامه سوى تاريخ سجون واسوار الطغاه اللتي ضربت طوقا حول اعناق ووجدان الشعوب العربيه من المحيط الى الخليج وحتى الجزيره العربيه المحتله والمختله تاريخيا ووطنيا منذ ازمان تزمنت ازمان وتمكنت من محاصرة الجغرافيا والديموغرافيا والمكان وحوَّلته الى مومياء محنطه واخرى ناطقه بتاريخ غير تاريخها..تاريخ صنعه وحوَّره الغزاه والطغاه..تاريخ محنط منذ امد الامدين..طال عُمره جلب امريكا ودعاها لاحتلال الجزيره وتدمير العراق وصار اليوم بقدرة قادر داعم للثورات!...طال عمره عايش في حضانة امريكا وحضنها وداعم للثورات العربيه..طال عمره يعيد صياغة تحنيط التاريخ العربي وإيداعه في مستودعات تاريخ الغزاه والاستكبار..ما زلنا نعيش في مربع الهباء والهدر منذ قرن من الزمن فلا التحرر الوهمي من الاستعمار والاستكبار منحنا الحريه والعداله ولا المولود الجديد سيمنحنا اياهما كما يبدو.. حركات وثورات هباء وهدر يختطفها الطغاه والغزاه ويسيرونها نحو محطة اخرى من الضياع ونحو مرحله اخرى من مراحل التاريخ المحروق.. تاريخ حي يترك اثاره وتاريخ محروق يترك عواقبه الوخيمه جاثمه على صدور العرب... الشعوب العربيه كانت وما زالت شعوب مناضله دفعت ملايين الشهداء كثمن من اجل التحرر من الغزاه والطغاه,لكن المؤسف انه في كل مره تدفع الشعوب ثمنا غاليا من اجل الحريه تجد من يلتف على منجزاتها ويخطف الانجاز والتاريخ ليمتطي صهوة حقبه اخرى من حقب التضليل والهدر والهباء.. واقع عاشته وتعايشه الاجيال العربيه المتعاقبه وتاريخ تصنعه هيئة الامم الامبرياليه التي لم تتطاول على الشعوب العربيه فحسب لابل احتلت وقسمت اوطانها غصبا وعنكا الى حد طرد الشعب الفسطيني من وطنه واحلال لمم من الغزاه مكانه.. احلال واحتلال كامل ما زال مستمرا حتى يومنا هذا وبين هذا وذاك تجد من بين ظهرانينا قرصان تاريخ..خذ بالك وفكر في هذا المثال المضروب في العبثيه وعلاقته بمنطق ما يجري اليوم من ثورات عربيه...انتفاضه الحجاره الفلسطينيه اللتي اندلعت عام 1987 انجزت ما لم تنجزه جيوش العرب مجتمعه على مدى عقود..انهكت الاحتلال وهزت كيانه...1993 جاء القراصنه واختطفوا انجازات الانتفاضه يدا بيد مع واشنطن وما زالوا حتى يومنا هذا قابعون خلف الاسوار وفي مربع الحصار ومعهم وتحت سلطتهم في رام الله وغزه نسبه كبيره من الشعب الفلسطيني..ثلث موجود وثلثين منسي!...هباء وهدر للزمن والتاريخ وعن ما جرى لجغرافيا الضفه الغربيه الفلسطينيه والقدس منذ ذلك الحين حدث بلا حرج...تقريبا ضاعت او في طريقها للضياع في بحر من المستوطنات والمستوطنين..عيني عينك والجماعه منهمكين في الراتب..قرصنه وراتب وهباء وهدر.. مرحله تاريخيه محروقه واخرى محنطه!!
منذ قرن ونحن مُحنَّطون في هوامش التاريخ..عُدنا وعادوا وعلى عكس الشعوب التي شدت وتشد الرحال وتحط رحالها من مرحله الى مرحله تاريخيه عابره طريق التقدم والمجد بينما نحن نشد الرحال الى الوراء و نحط في المراحل الخلفيه المتخلفه لتاريخ اكل عليه الدهر وشرب وصار مجرد رفات ميت..دائما نعود الى البدايات والمراحل القديمه لتحرر الشعوب..هكذا كان الوضع في نهاية الحكم العثماني وهكذا كان الوضع بعد نهاية الاستكبار واستفحال حالة سايكس بيكو والوضع نفسه يعود اليوم بعد عقود من حكم الطغاه العرب الذين امتطوا صهوة الوطن والوطنيه وهاهُم يدمرونه للمره الالف على رؤوس اهله.. خمسون وستون عاما وقرن كامل من حرق متعمد لمراحل مهمه من التاريخ العربي من المحيط الى الخليج ومن المشرق الى المغرب العربي وما زال المُحنطون يحكمون ويحنطون الشعوب باسم الوطن والوطنيه الزائفه وهي السلعه التي لم تشبع الشعوب ولم توفر لهم العيش الكريم حتى يومنا هذا وها هم الطغاه يذبحون الشعوب الثائره ويهدمون الاوطان حاره حاره وبيت بيت ومدينه مدينه وقريه قريه..حاكم يحكم بوطنية ماقبل التاريخ وهو الذي لم يصنع التاريخ لشعبه ولم يترك الشعب نفسه يصنع التاريخ.. تاريخ تائه يتسكع في دروب التيه العربي منذ امد الامدين.. تاريخ لا تاريخ له.. عاش الطغاه وماتت الشعوب.. من يصنع من؟..الشعوب تصنع التاريخ ام العكس؟!
يصاب الواعي للامور بالذهول لهول كارثة الوعي العربي الذي يصدق فيه بعض العرب ان الطغاه والاقطاعيين والمستعمرين القدامى والجدد يدعمون الثورات العربيه وهُم الذين حاربوا اصلا ثورات التحرر العربي وقتلوا في الجزائر وحده مليون ونصف المليون من الشعب الجزائري و لم يقدموا الاعتذار لهذا الشعب حتى يومنا هذا وهُم الذين كانوا يقطعوا اذان جثث الضحايا الجزائريين ليحصوها فيما بعد؟؟..مئة اذن مقطوعه تعني مقتل مئة جزائري وتعني بطوله بالنسبه لهذا الجندي او الضابط الفرنسي المجرم..عن هذه الجرائم البشعه وغيرها الكثير لم تعتذر فرنسا حتى يومنا هذا وعن جرائم الاستكبار الفرنسي والبريطاني والامريكي لاحقا بحق الشعوب العربيه فحدث بلا حرج ومع كل هذا يزعم قتلة الشعوب والتاريخ العربي انهم يدعمون ما سمي بالربيع العربي!.. وعلى جانب اخر من تكريث الكارثه العربيه نجد اعتى الطغاة العرب والعملاء الذين تأمروا على ثورات التحرر العربي وجلبوا الاستكبار مرة اخرى الى الوطن العربي..نجد هذه الحثالات التاريخيه تزعم بدعم الثورات العربيه وتمدها بالمال والسلاح والدعم الاعلامي التضليلي..
عجلة التاريخ العربي لم تتقدم خطوة واحده في عصر هؤلاء الطغاه والان يحاولون مجددا قتل الثورات العربيه في مهدها وتحنيط دورات التاريخ مجددا..يضعون العصا في عجلة ودولاب التاريخ للحيلوله دون صناعة هذا التاريخ من قبل الشعوب... لا يريدون ولادة وبزوغ تاريخ عربي يمحى عواقب التحنيط والاستبداد والعماله والتبعيه الذي مارستها انظمة الخنوع على مدى عقود من الزمن ..هذه الانظمه كانت وما زالت تنقب عن النفط والكراسي فيما الشعوب تنقب عن التاريخ وكيفية تسطيره من جديد بعد عقود من حرق المراحل واهدار الزمن.. اليوم يحاول قراصنة التاريخ مجددا قرصنة الثورات العربيه..
اليوم وبعد عقود طويله من غياب العرب القسري وتغييبهم عن صناعة تاريخهم وتاريخ اوطانهم وفي ظل الثورات العربيه, لابد لنا ان نقرأ التاريخ من زوايا ورؤى جديده ومختلفه عن الماضي من منطلق تجربتنا المريره مع الاستكبار و الطغاه وقراصنة التاريخ, وهذه القراءه الصحيحه لمجرى الاحداث وتطورها تجعلنا نستوعب معنى واهمية ما ستفرزه هذه الاحداث التاريخيه التي تصنعها الشعوب العربيه وتكتبها حقا وحقيقه بالدماء الغزيره اللتي سالت وما زالت تسيل في الاقطار العربيه الثائره.. الطغاه والاعداء والقراصنه يعملون ليل نهار لاسقاط ثورات الشعوب العربيه مجددا في شرك الطغاه وقوى الاستكبار والاحتلال.. المطلوب اليوم هو عقل عربي تنويري مهمته إزالة الصدأ التاريخي عن حقيقة ما جرى ويجري.. لاحظوا معنا ان المعركه اليوم تدور في جزء كبير منها على عملية الاستحواذ على العقل العربي والسيطره عليه من قبل مفكري ومفبركي فضائيات السلاطين والطغاه وانظمة الاقطاع الحاكمه في الجزيره العربيه والخليج العربي..هؤلاء يريدون تحنيط التاريخ مجددا فيما تسعى الشعوب للمساهمه في بزوغ هذا التاريخ وكتابته مجددا بعد انقطاع قسري طويل عن مزاولتها حقها في هذا التاريخ وفي هذا الوطن العربي الكبير...!!
نخشى ما نخشاه ان نبدأ دورة جديده من حرق المراحل والتاريخ في العالم العربي في ظل الدمار الزاحف من قُطر عربي الى اخر.. الشعوب العربيه الثائره ليست مسؤوله عن هذا الدمار, ولكن هنالك من الطغاه من يصنع الدمار عنوه ليرجم به الشعوب لاحقا ويعيق حركتها نحو صناعة تاريخ جديد.. يسعون عبر الدمار لربح الزمن حتى ترتب الامبرياليه والرجعيه المتكالبه اوراقها وتستطيع التعامل مع المستجدات التي حدثت...اخطبوط الدمار سيُستعمل كورقه مساومه على إعمار هذا البلد العربي او ذاك...نأمل ان يسير مركب التاريخ العربي على عكس ما يشتهيه الطغاه وقوى الاستكبار والاستعمار!... هباء وهدر: الزمن الضائع والتاريخ المحروق...اما ان الاوان بعد طيل غياب وتغييب ان نخطو الخطوه الاولى في كتابة تاريخنا كما نشاء وكماهو مطلوب..
في الختام لا بد لنا ان نحيي شعوبنا العربيه الثائره واللتي ستثور ايضا مستقبلا على الطغاه وخاصة هؤلاء المختبئون وراء الدبابات الامريكيه والذين تحماهم وتحمى عروشهم قواعد طائرات واساطيل الغرب الامبريالي ويزعمون انهم مساندون للثورات العربيه... نقول لهؤلاء :لاتفرحوا بالصيد ياصايدينه..الصعاب قادمه وميدان الصيد القادم ما زال مفتوح على مصراعي التاريخ العربي الجديد... وحالنا وحال لسان شعوبنا العربيه يردد هذا القول والشعر لايليا ابوماضي من قصيدة وطن النجوم:أنا من ميـاهِكَ قَطْرةٌ فـاضتْ جـداولَ مـن سَنـا ..أنـا مِن تـرابِك ذرَّة مـاجتْ كـواكبَ مِن مـنى..أنا مِن طيورك بلبـلٌ غَنَّى بـمـجـدك فـاغتـنى .. حملَ الطلاقةَ والـبشـاشةَ مـن ربـوعك للـدنى!....المجد كل المجد لصُناع الثورات العربيه والتاريخ العربي الجديد!!