بقلم : رشاد أبو شاور ... 31.10.2012
أُسجل أسفي واعتذاري للقراء جميعا، لإيراد (إسرائيل) في عنوان مقالتي هذه، فأنا مثل كثيرين جدا من ملايين العرب لا أعترف بالكيان الصهيوني بهذا الاسم، ولا بغيره، والجأ كما يفعل الكتاب، والصحفيون، والمفكرون، والمواطنون العرب الممتلئون بالشعور بالانتماء لأمتهم، وبالإيمان بعروبة فلسطين، بتسمية هذا الكيان الغاصب المجرم الطارئ..ب(الكيان الصهيوني).
لم أبدا مقالتي ب: كل عام وأنتم بخير، علما بأنني أتمنى لكم الخير جميعا، أفرادا، وجماعات، وأمة ننتمي إليها، لم أفعل ذلك لأن أمتنا ليست بخير راهنا، ولأن الأمنيات الكسيحة لن تخرجها من عثارها، ولأن هذا العيد هو الأسوأ الذي يمر عليها منذ سنوات، رغم استبشارنا بانتفاضات شعوبنا العربية الثائرة التي سنبقى نراهن عليها رغم تتويهها، وسرقة منجزاتها، وتشويه حراكاتها بتأمر رسمي عربي نفطي من دول لامنتمية للأمة، بل معادية لأمانيها، وتطلعاتها، وأهدافها، وتأتمر أمريكيا.
أمتنا ليست بخير حاليا، ولا في المدى المنظور القريب، فهي تعاني من مخاض دموي، وربيعها مجلل بالدخان والنار، وهي تحترق في الأتون، وثمة من يصب عليها مزيدا من النفط والغاز لتحترق أكثر، وتتشوه معالمها، وليتفاقم سوء حالها حد اليأس.
في عيد الأضحى وجه الكيان الصهيوني لنا مزيدا من الضربات، والإهانات، واستباح سماءنا وأرضنا وإنساننا، وأمعن في قتل أهلنا في قطاع غزة، دون أن يأبه بقداسة عيدنا، ولا بمشاعر ملايين المسلمين الذين يطلقون الدعاء من حناجر هادرة من حول الكعبة ـ حُرم الحجاج السوريون من الحج هذا العام بقرار سعودي، ربما حتى لا يطلقوا دعاءهم بأن ينتقم الله ممن يسلحون ويمولون من يحرقون بلدهم_ ومن فوق جبل عرفات، ومن البيوت حيث يتابع المسلمون الأتقياء على الفضائيات طقوس الحج، ونفوسهم تلهج بالدعاء، وتتمنى لو أنهم مع الساعين المحظوظين هناك.
تلال من النار في سماء الخرطوم، ودخان يحجب السماء، وذهول في عيون الناس هناك، وأضاح جديدة في غزة بصواريخ الكيان الصهيوني، فالإنسان الفلسطيني أرخص من خراف الأضحيات!
الدم الفلسطيني في قطاع غزة يواصل النزف، والعدو لا يقيم شأنا لأيام العيد، ولا لمشاعر مليار وكذا مئة مليون مسلم، ولا للرأي العام العالمي، ولا (للمجتمع الدولي)..يا سلام على المجتمع الدولي!
من معه أمريكا، ويتسابق مرشحا رئاستها أوباما ورومني على تقديم مزيد من الدعم له، ويعامل بحرص عليه أكثر من أي ولاية أمريكية، لماذا يأبه بمسلمين سلاحهم الدعاء والدموع والتنهدات الحرّى؟! طبعا الدعاء على أمريكا ممنوع حول الكعبة، وعلى عرفات.. فأمريكا (صديجة)!
من معه أمريكا، وزيادة على أمريكا، أو في ذيلها، معه بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا..الخ، لماذا لا يُعّيد على السودان بالصورايخ مستبيحا سيادته؟! بالمناسبة: هل هناك سيادة لأي دولة عربية؟!
هكذا وجه الكيان الصهيوني ضربة جديدة للمسلمين والعرب في السودان، وفي أقدس أعيادهم الدينية؟
هل السودان بصدد أن ينتج قنابل نووية؟
هل السودان يمتلك برنامجا عسكريا نوويا؟!
هل لديه أسلحة عابرة للقارات، تتهدد أمريكا، والغرب الإمبريالي؟!
مصنع الأسلحة الذي قصف في أطراف الخرطوم ينتج أسلحة وذخائر متواضعه، ومع ذلك فالكيان الصهيوني العدواني دائما، منذ أُنشىء وحتى يندثر، لم يبلع فكرة أن ينتج السودان أسلحته البسيطة تلك.
السودان فُكك، ويفكك، وهو ممدد على المشرحة، والعمليات تجرى له لتصغير حجمه أكثر وأكثر، ومحاصرته بكيانات محيطة به تحرمه من الاستقرار، والتطور باستغلال ثرواته الكبيرة، ولحسر الحضور العربي التحرري في أفريقية، والذي كان باهرا في ستينات القرن العشرين عندما كانت مصر بقيادة جمال عبد الناصر، وكانت حاضرة وفاعلة أفريقيا، وداعمة لكل حركات التحرر فيها، ومحتضنة لقياداتها الثورية.
ضرب مصنع الأسلحة السوداني هو أكثر من تمرين تمهيدي لقصف إيران، فثمة أكثر من هدف يمكن تحديدها إذا ما عرف مسار الطائرات الصهيونية التي عبرتها لدخول سماء السودان، وإسقاط صواريخها على مصنع الأسلحة دون أن تصاب بأضرار.. ودون أن ترصدها الرادارات، كل الرادارات.
هل الغارة العدوانية رد على طائرة (أيوب) التي أرسلها حزب الله؟!
أهي تمرين على عملية أكبر هدفها ضرب المشروع النووي الإيراني؟
هل هي رسالة لإدارة أوباما بأن الكيان الصهيوني وحده قادر على توجيه ضربة لإيران منفردا؟!
هل هي دعم لدولة جنوب السودان، وتشجيع لقوى متمردة للانشقاق عن السودان؟
هل هي رسالة للداخل يوجهها نتينياهو قبل الانتخابات، مفادها أنه قوي، وأنه قادر على حماية أمن الكيان، وأن ذراعه طويلة، وأن الكيان بقيادته لا يحتاج لدعم حتى من أمريكا؟!
هل هذا العدوان على السودان اختبار لرد فعل مصر بقيادة مرسي والإخوان؟!
أسئلة كثيرة تكشف لنا أهداف العدوان على السودان، الذي برره العدو بأن السودان كان يعد أسلحة لنقلها من المصنع المقصوف لقطاع غزة، وحكومة حماس.
استوقفني رد الفعل الأولي الصادر من السودان الرسمي: نحن بعد هذا العدوان صرنا دولة مواجهة..فهل نشكر العدوان الصهيوني الذي يجعل السودان دولة مواجهة؟!
أتساءل: هل هناك دولة عربية يمكن أن تنحاز للقضية الفلسطينية، ولو بقدر متواضع، لا تكون بنظر الكيان الصهيوني دولة مواجهة؟!
أليس الطبيعي أن تكون كل دول العرب دول مواجهة؟!
الحقيقة أن أي دولة عربية إقليمية لا يمكن أن تكون دولة مواجهة، سواء كانت على حدود فلسطين المحتلة، أو على المحيط البعيد، لأنها في جوهرها، في نشوئها، في مصالح حكامها، لا يشغلها الخطر الصهيوني، بل هي متصالحة معه، ولذا رأينا على مدى عقود نشوء هذا الكيان، أدوار هذه الدول التخريبية في القضية الفلسطينية، وتآمرها الدؤوب لتخريب القضية الفلسطينية لإنهائها، بل والتآمر على أي طرف عربي معني بالقضية الفلسطينية.
في هذا العيد، تأملت المشهد العربي، فداهمتني كآبة ثقيلة، ولذا لم أرد على الرسائل التي باركت بالعيد على الخلوي.
مع ذلك فالتشاؤم لن يحتل نفسي، فعقلي متفائل، ويقيني بنهوض الأمة لن يتزعزع، وثقتي بهزيمة الكيان الصهيوني لا تقبل النقاش، مع إيماني بأن كل هذا سيتحقق عندما ينتهي زمن الدولة العربية الإقليمية المفتتة للقوة العربية، والعائق في طريق النهضة العربية، أي عندما تنتهي الحدود، ويلتقي ملايين العرب في دولتهم الواحدة، وتمتلك هذه الملايين ثرواتها المنهوبة، وتنظف أرضها من القواعد الأمريكية، ويرتفع علم الأمة الواحد في سماء وطن لا تعبره طائرات الأعداء لتقصف جزءا منه، وتقتل بعض مواطنيه.. دون عقاب رادع.
ربما يقال تعليقا على كلامي هذا: في المنام..احلم!
أسأل ردا على المُحبطين: هل تحققت الثورات العظيمة، ثورات التغيير الكبرى، وانتصرت الأمم والشعوب، بغير الأحلام الكبيرة التي حملتها همم كبيرة؟!