أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لن نعتاد على 'فيلم' الرعب السوري.. !!

بقلم : سهيل كيوان  ... 01.11.2012

عندما تتكرر مشاهد القتل المرعبة في الأفلام تفقد تأثيرها وقدرتها على المفاجأة وتصبح مشاهد عادية، ولهذا فإن صوت قطرات الماء في الحمام والصمت المحيق بها ونظرات بطلة الفيلم وحركات بؤبؤي عينيها وإيحاءاتها قد تؤدي الى تسارع نبضات قلب المشاهد أكثر مما يثيره نبأ إلقاء برميل من المتفجرات فوق حي سكني في حمص أو حلب، قطرات الماء وإيقاعها الرتيب قد تحرّض مشاعر الترقب والخوف لدى المشاهد رغم علمه بأنه في فيلم سينمائي، ولكن المشاهد يتقمص الدور ويتماهى معه ، إلا أن الأفلام التي كانت تثيرنا قبل أربعة عقود لم يعد لها التأثير نفسه، فقد اكتسبنا مناعة على ما يبدو، وصار كثير منا يتابعون أفلام الرعب ليس بهدف الشعور بالخوف وزيادة ضربات القلب، بل بهدف الضحك على مفاجآت المخرج وأحابيله وردود أفعال الممثلين واستباق أحداث الفيلم بتوقعها قبل عرضها على الشاشة.عندما كنا نسمع قبل عامين أن انفجارا وقع في دمشق أدى إلى مصرع ثلاثة مواطنين، كنا نشعر بالرهبة مما حدث، الآن وبعد أكثر من ثمانية عشر شهرًا على انتفاضة الشعب السوري (تمسح) العالم وما عادت تهزه أخبار المجازر التي لا يقل عدد ضحاياها عن المئة يوميًا، بل إن من يكتب عن هذه المجازر قد يواجه من بعض شبيحة الكتابة بتعقيبات مثل...'يا أخي ألا تهزك مجازر فلسطين ..ألا يهزك ما يحدث للأقصى ..ألا يهزك ما يحدث لغزة ...دع سورية في حالها'.وكأن ما يحدث في سورية منفصل عمّا يحدث في المنطقة كلها، وعلى الأرجح أن هؤلاء رجال النظام وأقلامه وما يسمى بجيشه الألكتروني، الذين يريدون للعرب والمسلمين والعالم أن يغمضوا أعينهم عمّا يحدث في سورية، كي يشعر النظام بانطلاق يده بكل ما يرتكب من مجازر، وليشعر الثوار بالخيبة وبأنهم وحيدون بلا نصير، وأن العالم تخلى عنهم وتراجع عن دعمهم، ودول الجوار تمنع وصول المدد إليهم من سلاح ورجال فليس أمامهم سوى الاستسلام واستغلال فرصة العفو الرئاسي الذي يطلق بين آونة وأخرى.
أكثر من مائة إنسان يلقون مصرعهم يوميا ولكل واحد منهم أسرته، آماله، أحلامه وأفراحه الصغيرة، ولو جمعنا آلام المحيطين بضحايا يوم واحد لكانت كافية لبكاء الأرض والسماء والحيتان في المحيطات.
أيها الشبيحة، هذا لا يعني أننا نسينا ما يحدث في فلسطين، منذ ستة وخمسين عاما ما زلنا نحيي ذكرى مجزرة كفر قاسم التي وقعت بمثل هذا الأسبوع، تسعة وأربعون إنسانا قتلوا ظلما وعدوانا وليس نتيجة كارثة طبيعية أو حادث قطار أو طائرة، قتلوا لأن هناك من خطط لقتلهم ونفذه كي يرهب أهل تلك القرية وأخواتها ويرغمهم على الهرب من ديارهم ليلحقوا بإخوانهم النازحين عام النكبة، اليوم صارت كفر قاسم بلدة كبيرة، وما زال الأبناء والأحفاد يشعرون بغضب كبير ومرارة، وقد كتبت قصص وأشعار كثيرة، وأجريت مسابقات رياضية وكتابة إبداعية، وتم إخراج فيلم سينمائي روائي، أذكر أن فيلم مجزرة كفر قاسم تم تمثيله في قرية سورية بسيطة تشبه قرى فلسطين، وأذكر كلمة الشكر التي كتبت على الشاشة في نهاية الفيلم لأهالي القرية السورية على مشاركتهم ومساهمتهم هم وبيوتهم في تصوير وإنجاح الفيلم.
تسعة وأربعون ضحية منذ ستة وخمسين عاما لم ولن ننساهم، وفي حسابات بسيطة لو بقي ضحايا مجزرة كفر قاسم أحياء لشكلوا هم وأبناؤهم وأحفادهم حياً كبيرًا، ولكانت كفر قاسم اليوم مدينة، وها هي ائتلافات أحزاب يمين اليمين المتطرف الحاكمة في إسرائيل تعلن على لسان نتنياهو أنه لا يوجد حل لدولتين بين النهر والبحر بل دولة يهودية واحدة(وديمقراطية)، وهذا يعني أن المجازر التي بدأت قبل سبعة عقود في فلسطين وحتى اليوم مرورا بمجزة كفر قاسم لم تنته بعد، وعلينا توقع المزيد، دولة يهودية وديمقراطية واحدة، تعني المحافظة على أكثرية يهودية بين النهر والبحر، وهذا ثمنه مزيد من الدماء وسياسة الخنق وتقطيع الأوصال والتهجير المباشر وغير المباشر.
لو جمعنا أعداد الفلسطينيين الذين قتلوا في المجازر المتكررة الكبيرة والخفيفة منذ بدء المشروع الصهيوني لوجدنا أنه لو بقي هؤلاء الضحايا أحياء يتناسلون لكانت أعدادهم بالملايين، 'من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا'، لن ننسى ضحايا فلسطين والعرب في مواجهة الحملة الصهيونية على المنطقة العربية كلها والتضحيات ما زالت مستمرة، ولن ننسى القدس ولا الأقصى، ولن ننسى البيوت التي تهدم ظلما وعدوانا ولا كروم الزيتون التي تُعدم، ولكن هذا لا يعني أن ندير ظهورنا لآلام أخوتنا السوريين كما يريد لنا بعض شبيحة النظام السوري الدكتاتوري الفاشي، لا لن تجعلونا نعتاد على فيلم الرعب السوري الذي يخرجه النظام في كل دقيقة وساعة، كل ضحية يجب أن تستفزنا، كل جريح، وكل سجين ومعتقل ومهجّر، لا تمييز بين دم ودم، كلها دماء أمتنا المظلومة الصابرة التي استفاقت ولن تهدأ حتى تتحرر من الدكتاتوريات كلها والاحتلال بكل وجوهه وأنواعه ...