أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
فلسفة السراب!! -الجزء الثاني-

بقلم : زهير بن عياد ... 03.01.2013

الميلاد " تعددت مساقط الرؤوس والحياة واحدة"..
حاولت بجهدها الجهيد ان تخطب ود تلك الليلة ، علها تجد برهة لإطعام رضيعها الذي اعيى الصراخ حتى مل الصراخ منه ، ولد هناك في مراعي الشمال ، لم تمضي أيام حتى ظعنوا جنوبا بحثا عن رمق حياة لتلك الطلاء والخراف ، درعته في ملابس كانت تدخرها لهكذا وقت ، وبدأت تعدو وراء الركب ، يا لمشقة الحياة وضنكها ، انه نهارا " ودك " هكذا كانت تقول بعفوية ، رغم انف الحادي الذي يترنم بمقطوعات يزعم انه استقاها من تقاسيم مشي الأبل وتدرجها ، وصلت تلك الليلة ، دعك كيف وصلت ، فلسير الظاعنة حديث اخر ، مضت سويعات عن الغروب ، فاشتد الشتاء وزمهريره ، وغضب الرعد غضبة " مضرية " كاد ان يهتك حجاب الشمس بها ، دار حول البيت يبحث عن منفذ ، لكنها وأبيك ، والماء يخر من رأسها لاخمص قدميها ، تعالجه وتدفعه وكأنه عنتر بوجه عمرو بن معد يكرب ، تكسر النؤي تارة لتلك الجهة ، وتحفر بفؤيس في جهة اخرى لتذهب به بعيدا ، حية رقطاء هذا السيل ، ما ان تصلحه بجانب حتى يغير لآخر جاهدا لأن يتسرب للداخل ، ويحه من سيل ، أله وترا عندنا ؟ مالنا وأياه ! كأنه محارب ساموراي يريد الرضيع ، يصر من جانبه الدخول ، وتأبى عليه ، تعاركه بكلتا يديها ، اذا استراح تستريح ، وأذ عاود تعد ، ليلة قاسية ، والطفل يصرخ في الداخل كيف لو دخل السيل أليه ؟ لو انه يدرك ، لأقوى ليلته وطلب النجاة ، تركض للداخل تارة تجلب خلقانا ثقيلة تضعها على ما تسرب بالداخل ، عندما تشح الخلقان ، تضع فأسها وتغير اليها تعصرها جيدا ، فترجعها مكانها ، تستهم بما فضل من شجاعة نحو الاناء اذا فاض وكفه وشبع فتفرغه مع السيل ، قائلة له : خذ انني اكرم منك ، كانت ليلة بل معركة ، لم يدرك الصغار آثارها صباحا ، بل الحوا يريدون قصة امس التي ناموا عليها ، نصبح على محاسا متواضعا واسطة عقده برميل الماء الذي يطوف الجمع حولة كل ساعة من نهار ، الصباح بجسارته وما يكتنزه من احوال واعمال كان له ولأمي الفضل الذي لا يجحد في توجيه حياتنا ومسارنا وفكرنا وسلوكنا ، والسيل ويح السيل ، لم يستطب حفة الوادي فبنى مجده بين الاعراب على حسابنا ، ما زلت أذكر اننا كنا نلهج بالدعاء ان يمد الله الشمس بعمر ، لكيلا تعود ليلة امس ...
***
سرعان ما أيفعت ، هرولت لعاصمة البدو العريقة ، قالوا من انت ومن أي المجتمعات وما موقعك ؟ قالوها حتى بدون عبارة " بلا صغرة " ،
انا انا ابن ابي وطلاع السنادي - متى اضع عدة السرحة يعرفوني
ويحهم العصا والقفران تعرفني - ووادي غوين والسمره والقلت
الميلاد : الحمادة الغبراء ، تحت ظل عوسجة
السنة : عام الحصى
الهوية : ظاعن ورحال بلقبا متأخر
القومية : اسلافي في بني يعرب
يتبع ...
***
في رثاء المرحوم جدي - البدوي الاخير -
كأنه من يومه الأول على هذه الدنيا مسافرا مستهم الخطى لا مقيم ، أبت الحياة الا ان تعضه بمرارة اليتم وشظفها ، كان دائما يرنو بسكونا شديد وينظر للشرق ، فما فتأ بجلسته يلتفت لهناك ،كأنه يناظر سرابا عتيقا او يستعيد بذاكرته مغيبا تليدا ، لا أعلم سر هذه النظرة ، مع انه بدأ يتكشف لي شيئا من نحو ذلك ، فمذ فترة أخي جهدت لأجلس بمكانه ذاك واقلده في ذلك ، فتفتحت لدي آفاق عديده اظنه كان يختزنها كلحظات سرمدية أبدية ؛ غيبته اللحود فاستوحشت عقبه اطراف النهار ، وبكت نار الفجر لهبا شديدا ساعة العصر تنشد عن موقدها في ساعة السحر ، كان دخانه قيضا وشتاءا يتجاوز السحاب سموا ، وشويهاته تدور بخيلاء وسط هضبات متفرقة تزدان باقانين الثمار والزهور ، كان بدويا أخيرا بما للمفردة من عمق ، خيم بضواحي نفسي معلما جميلا افزع عليها حالما حلني ضيق ، رحمك الله فلم يزل خيالك يسري وهو الذ شيئا من الخيال الطارق ، يطرد جفاءا يجتاح نواحي باحايين ، فاستذكر واستعطر ذكراك فادمعي منهلة هامية ، أيها الأغر الندي إرتع بأحياء الجنان وحسنها ، فكم كنت رخو المفاصل تلبس الجلد الباليا ، وكم وكم أقويت الزاد لياليا ، رحمك الله رحمة واسعة ، قصتي معك طويلة قصي مدادها ، استهلها بعادتك بالبسملة في كل امر :
لقد بسملت " ليلى " غداى لقيتها ... فيا حبذا ذا الحبيب المبسمل
من وحي جلستك التي افتقدنا بريقها ولمساتها تلك التي :
لعب الرياح بها وغيرها ... بعدك سوافي الريح والقطر
بسم الله :
عين السواد ، ومنتهى اللذة ، وصدور الأضغاث ، وونات الطريح ، ومنكصي الادبار يتسترون ، كل هؤلاء ويزيد يجاهدون ليدركوا ما فاتهم من صدر الليل ، الثانية فجرا ، وقبل ان يغتذي الطير في وكناتها ، ينهض يزيح عنه ما تواضع من الخيش وما خف وبه التف منامه وسادته لحافه
لحافه هو هو كان مجلسه ومحط نومه ومقيله واستراحته وأرضه ، كان جاعدا دهريا كأنه عاصر لبد النابغة ، حشوه من أطمار جلبها من نطراته ، طويت وتناسقت بإنتظام وروعة وإتقان لتدل على حسن التدبير وتصريف شؤون الحياة عند اختنا البدوية ، جاعدا يتضور أسفله طمعا بحشوا جديد كلما أبلته قوادم السنون ، أبن كم هو ذا الفراش ؟ لكن البذاذه لم تجد اليه سبيلا ، كان مجلسا في الأواخر كمجلس قس بني اياد في الاوائل حين يتعوكظ في عكاظ ، نظيفا رشيقا ممتشق القد والقوام ، ارجوانيا تفوح منه رائحة مسك الصحراء الابهار ، منصة عكاظية ، مختصة بالريادية ، حظها في الحكمة اليمانية ، حواليه متاع قليل ، يبدأ بذكر الله ويؤدي الشهادة ، ويتعوذ من ضجيع الفراش ويلعنه ، فيزحف زحفة جالس ، الى حزمة حطب اعدها نهارا ، فيقرب الصغار ويلحق الكبار ، حتى تعلو فتعلو وسط صحراء ميته ، طقوسا راسخة كأني بالنهار يحسده عليها فتتباطأ شمسه ، استعصمت به ، هذا هو صدر صباحه الذي يعتنقه يوميا .... يتبع
***
هكذا وضعي ، أشق طريقي ب 52 كيلو ، على قاعدة سر بما خف حمله وثقل ثمنه ، وزعت بعض بعضي على الانحاء بما رحبت ، في مسار دورة وهمية حول التاريخ ، خطوط طولها وعرضها خطت في خريطة عتيقة بمثابة لغز الخيميائي الذي نهض نحوه ... لكن سهوم البين اصابتني بمقتل
فتسلسلت لجوفي سنوات من الجفاف ، قوضت معالمي الطبيعية ، فابعدت أثري ، وشح ظفري ، ولم أعد ميمون النقيبة ذا رأي ، أمرتهم أمري حين عصفت الهوجاء بثنوة الرمل ، فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد ، يا معشر السوء : ما رأيتموني وقد اصغت الي الوحوش ومدت أعناقها حين أتكلم ، فتدنو حتى تكاد برأسها تلامس حيطي ، وإن سكت نفرت وابعدت لابعد غاية فما بالكم طال تكذيبكم ، يا قوم الضلالة : ما لي بينكم مجلس ، وإن السكوت عن اللوم هو عينه اللوم ...
ترى الرجل النحيف فتزدريه --- وفي أثوابه " شي صعب "
***
كنا وقد نخرج من المضارب نحو المدارس ، كانت المدرسة شيئا آخر ، لم تكن كالديرة ، افضل ما فيها كانت تلك البقالة التي ، يتحجج بها الطالب زاعما انه يريد ليشتري قلما ، وما للقلم عنده حاجة ، لكنه يجلس ويقابلها ينظر ولعابه يسيل للحلويات والرف الزجاجي ، ويتمنى ان يجاد عليه بنصف شاقل ، ليروي جشعه ، آه كم كانت الحياة شاقة وكم كنا مساكين ... حكاية مستقاة من واقع قديم ..
يتيم السبل والطرقات
متشردا في الأزقة والثنايا
تجده العاشرة صباحا
وقد أتى حانوتا متنقلا
يرمق ببصره فتات الفتات
فيقتله الحياء أن يأمها
ولولا الحياء لما كفاه كف ارخميدس
أن يمده !
كأنه ذئبا عاينته
مضطرجا بدمائه
عقب معركة ما
ينشد أنشودة بلهاء
كأنها انشودة الحلفاء
حين أمالوا جدار برلين
نعم تلك حكاية ولد
بغوغائيته وفوضويته
أشغل بلد
في الصف السابع
حين خرج يبحث له عن
" قلم " !!
****
قتيل البداوة
حدثوني فيما حدثوا عما حدث من حديث حدث ، ليس بحدثا قدر ما هو عتيقا ، أن رجلا أعجمي اللسان والبيان ذربه ، في عروقه بقايا دما من فصيلة الساسانين المنقرضة ، أحب البدو وارادهم وتمنى اساليبهم فتبنى غضها وصلبها ، فأخذ يقلدهم بكل ما أوت أليه من قوة وفهم ، حتى ولد له أبنا اصهبا تشع من جوانبه النضرة ، ترسل أطرافه البدينة هبرا مترهلا ، مسترسل شحم ما تحت فمه ، يتدلى وكأنه مخلاة بغل ، ففهم هذا الرجل المخلص الولهان أن لا يكتمل مراده ويحقق امنيته ، إلا بهذا الابن ، فحدثته نفس أن ما دام حال ابنك بهذه الحال فلن تبلغ البداوة ولن يودك البدو ويضموك لكراديسهم ، فصمم في نفسه ومن التصاميم ما قتل أن يزرع أبنه وسط رمال الصحراء ، في صميم القائظة وحر غزالة ، سبعة شهور ليسود " ويسمر " كالبدو ، وفعلا ساقه حتف الغباء الى ما أراد ، وعقب شهر رجع ليرى ابنه الاسمر النحيف ، فما راعه اسمرار الصبي الضئيل ، ولم يعجبه تطور حالته ، فزين له الشيطان وكاد له ، أن صب على ابنك الزيت ، فالزيت مادة قوية تجلب حرارة الشمس واشعتها وتركزها حيثما أراد ، فما كان من هذا الأب الفاضل إلا أن نفذ مأربه ، وما هي إلا برهة أيام حتى لقى الصبي حتفه ، بكى على فلذة كبده نعم ! ورثاه بأجود العبارات نعم ، فحثه الناس على دفنه فإكرام الميت دفنه ، فقام متثاقلا الى فأيسه يحفر تختلط دموعه بثرى القبر ، الا أنه بعض دقائق رمى الفأس وقال - الدنيا حم ماني قادر أحفر خلوه العصر مع هبة البراد بندفنه - ..!!
****
إن كنت تنام ملئ جفونك ، فأني أخا سهرا مرتحل ، استدرج شوارد شجاعة لأقاوم مقلتي التي تستحثني لدفأ الفراش ، لا أنسى عين السواد ، وورود الاضغاث وصدور منكسي الأدبار ، وأنت أنت في فراشك تستلذ وتستمتع وتتقلب يمنة فيسرة ، كنت أنا الساعة الثانية أجوب اصقاع الأرض أغتدي بالسحر والطير في وكناتها ، والاوابد بمنجرد هيكل ، فأنعم نوما واهنأ ، فما دامت الحياة ولن تدوم ، هي الراحة أفر ورائها واطلب الرزق من مكان لآخر ، علي وبصدفة أجدها !!
***
تتدفق الاعاصير صوب رمالا عطشى ، توهمنا بوهما نحو دفينا كتمته الأرض عنها بسرها ، أرضت الأرض آيبا وذاهبا ، علي أدركه أو أصيب مكانه ، فأقضي على الأجد ( الأمحل ) من أعوامي ، وأعيش اليسار والسعة ، نما ألي مما نما أن بالجرة وأوعارها كنزا مرصودا به أصفر اللون يتلالا ، أذهاب وذهوب وذهبان وذهابين ، تذهب بك مذهبا قصيا في الخير والنعمة ، لكن الجرة تلك عليها صولجانا وحارس وملك محنط مذ اربعمئة عام ، فهل للمطامير تلك من سبيل؟

كاتب من النقب