بقلم : نقولا ناصر* ... 08.07.2013
)*باستثناء رفضها الاعتراف ب"يهودية" دولة الاحتلال الإسرائيلي خشية منحها شرعية فلسطينية للتخلص من "أقليتها" العربية الفلسطينية لا تبدو منظمة التحرير معنية بممارسة تمثيلها لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني(
سوف يظل موقف منظمة التحرير الفلسطينية من عرب فلسطين الذين صمدوا فوق أرضهم في مواجهة إرهاب العصابات الصهيونية منذ النكبة عام 1948 فاضطرت دولة الاحتلال الإسرائيلي لمنحهم "جنسيتها" هو محك الاختبار الأهم لصدقية إعلان المنظمة بأنها "الممثل الشرعي والوحيد" لشعبها.
وبالقدر ذاته سوف يظل موقف دولة الاحتلال الإسرائيلي من "مواطنيها" من عرب فلسطين هو محك الاختبار الأول والأخير ليس فقط لصدقية إدعائها بالسعي إلى "التعايش السلمي" مع الشعب الفلسطيني بل كذلك لصدقية إدعائها بالسعي إلى مصالحة "تاريخية" مع هذا الشعب تنهي الصراع معه ومع الأمة العربية والإسلامية الي ينتمي إليها.
لكن توقيع المنظمة لاتفاق أوسلو الأول عام 1993 وملحقاته مع دولة الاحتلال كان في الواقع توقيعا على تخليها اختياريا عن حقها في تمثيل هذا الجزء من شعبها، وفشلا لها في ممارسة هذه الصفة التمثيلية.
وبالقدر ذاته فإن فشل دولة الاحتلال في منح المواطنة المتساوية لعرب فلسطين الذين اضطرت لمنحهم "جنسيتها"، ما اضطرهم للبدء في المطالبة باعترافها بهم "أقلية قومية" منذ أواخر القرن العشرين المنصرم، بعد خمسة وستين عاما من "التعايش" الإجباري معهم، كان ولا يزال دحضا مدويا لاستمرار إدعائها بالسعي إلى التعايش والسلام.
وفشل دولة الاحتلال هذا يصدر حكما مسبقا على فشل ما سمي "عملية السلام" بينها وبين منظمة التحرير، وفشل "حل الدولتين" الذي يجري ترويجه كأساس لهذه العملية، فمن يفشل في "التعايش السلمي" مع جزء من الشعب الفلسطيني بعد خمسة وستين عاما منذ النكبة لا يمكن أن ينجح في التعايش مع جزء آخر منه وقع تحت الاحتلال الصهيوني في "نكسة" عام 1967.
فحسب استطلاع للرأي بعنوان "مؤشر العلاقات العربية – اليهودية في إسرائيل" أجراه مؤخرا عالم الاجتماع بجامعة حيفا سامي سموحا، تزداد الفجوة اتساعا بين "عرب إسرائيل"، الذين يمثلون (20.5%) من سكانها حسب إحصاء دولة الاحتلال عام 2010 والذين تتوقع دائرة الاحصاء المركزية في دولة الاحتلال ان ترتفع هذه النسبة المئوية إلى (25%) بحلول عام 2025، وبين مستوطنيها اليهود، ويخاف (60%) من يهودها دخول المناطق العربية، ويعتقد أكثر من ثلثيهم أن "العربي الفلسطيني في إسرائيل" لا يمكن أن يكون مخلصا للدولة وقوانينها، ويفضل خمسة وستون منهم "يهودية" الدولة على ديموقراطيتها، بينما يقول (70%) من العرب إن دولة الاحتلال تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو كمواطنين أعداء لا يستحقون المساواة، والأهم في نتائج الاستطلاع أن ثلثي عرب 1948 يخشون من "النقل السكاني" وأكثر من ثلاثة أرباعهم "يخشون الانتهاك الخطير لحقوقهم الأساسية".
إن مشروع القانون الذي جدد رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة محمد بركة طرحه لموافقة الكنيست في دولة الاحتلال عليه ل"الاعتراف" بجماهير "مواطنيها" العرب الفلسطينيين "أقلية قومية"، ومصادقة الكنيست مؤخرا على قانون برافر – بيغن لمصاردة أكثر من (850) ألف دونم وتهجير أكثر من (35) الفا يقيمون في (36) قرية عربية في أراضي النقب، في ما وصفته القيادات العربية في فلسطين المحتلة عام 1948 بأكبر عملية تطهير عرقي ضدهم منذ النكبة، هما حدثان وضعا هذا الجزء الذي "لا ممثل له" من عرب فلسطين في مواجهة ساخنة مع دولة الاحتلال تسوغ لهم إطلاق "انتفاضة" ضدها، في رأي أغلبيتهم حسب استطلاع سامي سموحا.
ولا يبدو "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" معنيا لا بمشروع قانون محمد بركة ولا بقانون برافر - بيغن، التزاما منه باتفاقياته الموقعة مع دولة الاحتلال، إذ باستثناء رفضها الاعتراف ب"يهودية" دولة الاحتلال خشية منحها شرعية فلسطينية وعربية للتخلص من "أقليتها" العربية الفلسطينية لا تبدو منظمة التحرير، ولا جامعة الدول العربية الحاضنة لاستراتيجيتها، معنية بممارسة تمثيلها لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، لأن ذلك بموجب الاتفاقيات الموقعة يعد تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة الاحتلال التي اعترفت المنظمة بها، وباستثناء البيان الذي أصدره مجلس النواب الأردني يوم الإثنين الماضي الذي أدان فيه قانون برافر – بيغن "العنصري" لم يصدر عن المنظمة ولا عن الجامعة العربية ما يمثل ولو دعما لفظيا لنضال عرب 1948 ضد مخطط جديد للتطهير العرقي يهدد وجودهم وبقاءهم فوق أرضهم، ولم يصدر عنهما أي دعم للمشروع الذي يجدد محمد بركه طرحه منذ عام 2000 لاعتراف دولة الاحتلال بهم "أقلية قومية".
وخوض عرب 1948 معركتهم اعتمادا على أنفسهم فقط ليس ظاهرة وطنية فلسطينية حديثة منفردة أو معزولة، فمنذ مزقت اتفاقيات أوسلو وحدة النضال الوطني الفلسطيني بعد تضحيات جسام لتجسيد هذه الوحدة في منظمة التحرير الفلسطينية قبل توقيعها لم يعد "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" يجد أي غضاضة، على سبيل المثال، في أن يخوض قطاع غزة حرب دولة الاحتلال مرتين عليه بينما "الضفة الغربية" إما "تتفرج" عليه أو ترفع العتب عنها بتضامن لفظي فحسب، أو، كمثال آخر، في أن تحاصر قوات الاحتلال وتداهم هذه المدينة الفلسطينية أو تلك بينما بقية المدن والقرى في الأراضي المحتلة تكتفي بمتابعة أخبارها في وسائل الإعلام، أو، كمثال ثالث، يجري تفكيك التجمعات الفلسطينية في مخيمات المنافي وتشريد لاجئيها في هذا القطر العربي المضيف لها أو ذاك بينما يواجه ضحاياها من اللاجئين الفلسطينيين مصيرهم من دون أي تضامن وطني فلسطيني موحد معهم، إلخ.
إن عرب فلسطين في الجزء المحتل منها عام 1948 الذين رحبوا بدخول "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" إلى جزء من أرض الوطن ومارسوا في كل مناسبة وحدة النضال الوطني وقدموا التضحيات لتعزيز وجود منظمة التحرير داخل الوطن، ودعموا "حل الدولتين" الذي تبنته المنظمة أملا في أن تكون إقامة سلطة أو دولة وطنية في الجزء المحتل من وطنهم التاريخي عام 1967 إنجازا مرحليا يساهم في فك الحصار المضروب عليهم قهرا وتعسفا منذ النكبة، استمروا في إثرتهم الوطنية يجدون الأعذار للمنظمة في عدم ممارسة تمثيلها لهم.
لكنهم اليوم يكتشفون متأخرين أنهم باتوا وحيدين في معركتهم من أجل البقاء، وأن ما اعتقدوه إنجازا مرحليا في النضال الوطني الفلسطيني قد تحول عمليا في الواقع إلى مشروع حوّل الصراع على الوجود العربي الإسلامي في فلسطين التاريخية إلى نزاع على الحدود وضع مصيرهم في مهب الريح موضوعا لمساومات "التبادل" الجغرافي والديموغرافي، بينما تستمر دولة الاحتلال في تضييق مساحة الأرض التي تحتضنهم في وطنهم وفي تضييق سبل الحياة عليهم فيه علهم "يرحلون" عنه، إلى "دولة فلسطينية" في أسوأ الحالات.
ولا يسع المراقب إلا أن يتساءل عن مصلحتهم في هذه الحالة في دولة فلسطينية تهجرهم من وطنهم الذي عجزت "النكبة" عن تهجيرهم منه، وكذلك عن مصلحة لاجئي 1948 في دولة فلسطينية لا تعيدهم إلى مواطنهم أو تستوعبهم لاجئين في مخيمات تستضيفها دولة كهذه.