بقلم : سهير المصادفة ... 05.08.2012
كلما انتثرت بشائر الربيع فى الكون، انطلقت الاحتفالات بأعياد "المرأة" ليومٍ واحدٍ ثم يتهافت الجميع طوال أيام العام للتعامل معها وكأنها زائدة عن حاجة هذا العالم أو كأنها هدية ألقيت فى يومٍ ما ليلهو بها رجلٌ ما.. ولِمَ لا؟ لِمَ نفترض أن الأمر قد تغير كثيراً مذ أفرزت قريحة الحضارات القديمة تصوراً عن المرأة لم تستطعْ قرونٌ طويلة إزاحته؟ ففى الميثولوجيا اليونانية وعلى إثر سرقة "بروميثيوس" للنار من آلهة الأوليمبوس ومنحها للإنسان، قررالآلهة أن يعاقبوه عقاباً رادعاً، فربطوه بين جبلين وأمروا رخاً عملاقاً أن يأكل كبده كل يومٍ فاذا جاء الليل نبت له كبد جديد واستمر هذا العقاب حتى خلصه منه البطل هرقل، وعاد برومثيوس للبشر ففرحوا به وهنا قررت آلهة الأوليمبوس أن تعاقبه بطريقة دائمة وأبدية ولم يكن هذا العقاب إلا منحه "المرأة"، ويستمرخيال الرجال ــ الذين يفترضون أنهم كانوا قبل وجود المرأة آلهة وكانوا يكونون مجتمعاً سعيداً على الأرض ــ فى إنجاز أسطورته عن خلق المرأة / العقاب، فيؤكد أن إله آلهة الأوليمبوس "زيوس" كلَّف "فولكانو" إله النار والحديد بصنع كائن أسماه "باندورا" ثم أمر الآلهة أن يمنحوها هداياهم فمنحتها آلهة الجمال "فينوس" الجمال والحب، ومنحتها آلهة الحكمة "مينرفا" بعضاً من الذكاء، ومنحتها "لاتونا" قلب كلبٍ وروح لصٍ وعقل ثعلبٍ،.وتطول الأسطورة وتتشعب لكى تُلصق كل شرور العالم بوجود المرأة.
إن الغرب الذى اعتمدت نهضته الحضارية الحديثة ضمن ما اعتمدت على الحضارة الإغريقية يحاول منذ حوالى قرنٍ من الزمان أن يكفّر عن اعتداءاته على حقوق المرأة ابتداء من مخيلته الإبداعية المتعجرفة ومروراً باستخدامها لمتعته بشتى الوسائل سواء فى قصوره أوفى حقوله وانتهاءً بغلق كلّ أبواب الحياة فى وجهها لعقودٍ طويلة، أما نحن فنكاد الآن نعود بخطواتٍ منتظمةٍ إلى ظلمة أساطير الغرب، فبعد ربيع الثورات العربية وإزاء اكتساح التيارات الدينية المختلفة لجُملة من التيارات الأخرى القومية واليسارية والليبرالية وإزاء حقيقة برلمان ما بعد الثورة الذى جاء مخيباً لآمال المرأة ومضحكاً وغير واقعى ومقوضاً لأحلامها وهى التى شاركت مشاركة تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخ الثورات، إزاء هذا الواقع المربك قد تتصاعد من المرجل أبخرة قديمة سوف تزكم الأنوف، فالمرأة تمثل نصف المجتمع المصرى وتزداد به نسبة المرأة المعيلة، فماذا هم فاعلون بها؟ هل سينقضون على كفاحها وعطائها على مرسنوات أم أنهم كما اعتادوا طوال قرون سيزينون بها موائدهم تارة، ويسدون بها موقعاً من مواقعهم الجهمة تارة، ويضعونها من فرطِ خجلهم على قوائمهم عندما يذهبون إلى مجالسهم تارة أخرى؟
فى عيدها، تحية من القلب إلى تاء التأنيث التائهة والجميلة والمُهمَلة والفاخرة أينما كانت.