بقلم : رشاد أبوشاور ... 19.12.2012
مخيم اليرموك يعاني الآن. فمن سبب معاناته؟!
كثيرون من أهله رحلوا عنه..فلماذا؟ من سبب رحيلهم، وتشردهم، وخوفهم؟! هذه هي الأسئلة التي أرى أنها تقودنا لمعرفة الحقيقة.
يذكر قراء 'القدس العربي' أنني كتبت مرارا عن مخيم اليرموك، منبها، ومصححا، ومتصديا لأكاذيب مروجي دعايات لا سند لها، بخلفيات مغرضة، محرضة، مشوهة للحقائق.
بدأت الهجمة على الفلسطينيين، لا على اليرموك وحده، بسلسلة عمليات اغتيال للمجندين الفلسطينيين، ولضباط جيش التحرير الفلسطيني، بمن فيهم أطباء أخصائيون نادرو الاختصاصات، شعبنا أحوج ما يكون لهم..فلماذا اغتيل هؤلاء؟!
عندما جرت محاولة اقتحام مجمع (الخالصة) التابع للجبهة الشعبية القيادة العامة، أثناء مسيرة تشييع شهداء محاولة العبور إلى فلسطين عبر الجولان في أيّار الماضي، كتبت عن حقيقة ما جرى، انطلاقا من حرصي على توصيل الحقيقة للقراء، وتفويتا للفرصة على ألعبانات السياسة، وتضليلهم لأبناء شعبنا، وتوظيفهم للدم الفلسطيني لخدمة مآربهم غير النزيهة، التي تفتقد للأخلاق، والصدق.
طرحت السؤال مرارا: ماذا يدبّر للفلسطينيين، وكنت أعرف أن القراء، بفطنتهم، سيتوصلون للجواب دون عناء، وكد للذهن.
والآن، وأهلي في مخيم اليرموك يتشردون من جديد، ويهيمون على وجوههم، ولا يعرفون إلى أين يحملون أطفالهم للنجاة بهم، أقول: هذا ما خطط لمخيم اليرموك!
من يتأمل خارطة مدينة دمشق سيتضح له موقع المخيم جغرافيا، فهو يصل بين عدة أحياء: التضامن، العروبة، الحجر السود، القدم، الميدان، يلدا، وأنحاء واسعة من الغوطة الشرقية.
الأمر الثاني: من ركزوا هجماتهم على المخيم، منذ عدة أشهر، وفي الأيام الماضية، هدفوا إلى جعل المخيم أرض معركة، بحيث يضطر الجيش السوري أن يقاتل لاستعادة هذا الموقع الهام، وهو ما يعني جعل المخيم مادة إعلامية تشهيرية بالنظام، وهكذا يستخدم المخيم (ورقة)، دون اهتمام بمصير سكانه، وما يصيبهم، وما سيتعرضون له من تشرد، ومن خسائر بشرية مكلفة..تصوروا أن أمريكا تشفق على الفلسطينيين، وتحمّل السلطات السورية مسؤولية حمايتهم؟! يبدو أنها استجابت لمناشدات ياسر عبد ربه للمجتمع الدولي للتدخل لمعاقبة النظام السوري الخطر على جيرانه!
لا توجد في مخيم اليرموك مواقع عسكرية للنظام، ولم يتحرك أحد من المخيم للدفاع عن النظام، فكل أهل المخيم التزموا بعدم التدخل، والبقاء على الحياد، احتراما لسورية الوطن الذي احتضنهم، وللشعب الذي عاملهم بأخوة عربية منذ نكبة 1948.
ثلاثة أيام والقصف متواصل على المخيم، بالترافق مع محاولات الاقتحام، مرة من جهة حي التضامن، ومرة عبر الحجر الأسود..إلى أن اندفع ألوف المسلحين عبر حي العروبة، والتضامن، ويلدا، والحجر الأسود، بعد ظهر يوم الأحد الماضي، وبدأوا محاصرة بعض بيوت القادة الفلسطينيين، واقتحام المنازل، ومحاصرة مجمع الخالصة، الذي تدور حوله اشتباكات حتى اللحظة، فالعدد القليل من العاملين في المجمّع رفضوا الاستسلام، وتمكين المهاجمين من احتلال المجمع.
لماذا مطلوب من رجال يقومون بعملهم في الخدمة الاجتماعية، والصحية، والتعليمية..أن يستسلموا؟ هل في هذا النشاط عدوان على أي طرف في سورية؟!
لقد ثبت أن بعض من انضموا للجان الشعبية للحفاظ على المخيم، هم من فتحوا ثغرة في خاصرة المخيم ليندفع عبرها مسلحو جماعة النصرة، والجيش الحر..ولا عجب، فقد تمكنت (النصرة) من استقطاب بعض الأشخاص الذين بلغ بهم الأمر أن يسهموا في تفخيخ سيارات انفجرت بالمواطنين السوريين في منطقة القزاز وغيرها، وأن يضحي أحدهم بنفسه في ذلك التفجير الانتحاري!
لا عجب أن يظهر من بين صفوف الشعب الفلسطيني من ينضم لهذه المجموعات، فمن قبل بلغ الأمر ببعض الفلسطينيين أن توجهوا من مخيمات الأردن وسورية ولبنان..للجهاد في أفغانستان، بينما القدس على مبعدة كيلو مرات قليلة!
مخيم اليرموك قدم ألوف الفدائيين في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ولكنه خال إلى حد بعيد من السلاح، وبقايا الفدائيين يتواجدون في لبنان، وينتظرون أن تأتي اللحظة التي يسهمون فيها في تحرير وطنهم، وهو الهدف الذي منحوه شبابهم، ومن أجله حملوا السلاح!
يوم الأحد اندفع ألوف المسلحين واجتاحوا مخيم اليرموك، ولم يتصد لهم سوى عدد قليل من أعضاء اللجان الشعبية، الذين كانت مهمتهم ضبط مداخل المخيم، بحيث لا تتسرب سيارات مفخخة، ومنعا لاختراق أمن المخيم من أي جهة كانت.
الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، استجابت لدعوات أهل المخيم لتشكيل لجان التنسيق لحماية أمن المخيم، وتحملت العبء الأكبر في صون أمن المخيم، بينما اتخذت تنظيمات أخرى مواقف انتهازية رخوة، ولم تبد اهتماما بما يتهدد أهل المخيم، بعد أن ظهر ما يدلل على اختراق تنظيمي (للنصرة) في المخيم.
الجبهة الشعبية_ القيادة العامة، تستحق التقدير لتحملها عبء الدفاع عن المخيم، وهي تتعرض لحملة افتراء إعلامية مضللة، يمكن كشف خلفياتها بمجرد طرح الأسئلة التالية: هل خرج أعضاء القيادة العامة، وقاتلوا خارج المخيم؟! هل الدفاع عن المخيم مدان، وغير مسموح به، وانحياز للنظام؟ هل المطلوب من الفلسطيني أن يُسهّل عملية تحويل المخيم إلى أرض معركة، بحيث يكون هو وقودها؟!.
أنا أعرف أن بعض أبناء المخيم يخوضون الآن مواجهات مع من استباحوا المخيم، واستهدفوه طيلة الأيام الماضية بالقصف المتواصل، والقنص اليومي، وعمليات ألإغارة المستمرة ليلاً ونهار، بهدف إحباط نفوس أهل المخيم، وترويعهم، ودفعهم لإخلاء المخيم..وهذا واجبهم، وحقهم في الدفاع عن النفس.
أود أن أنبه القراء إلى أنني لا أنتمي لأي فصيل فلسطيني، منذ خرجت من بيروت عام 1982، ولذا فشهادتي غير منحازة للقيادة العامة، أو غيرها، ولكنها شهادة تحت القسم، كما يقال في قاعات المحاكم، فأنا ككاتب لن أعير ضميري، ولن أغمط أحدا حقه، ولن أتلاعب بالحقيقة، لأن الهدف الأسمى للكتابة، كما آمنت به دائما، هو: قول الحقيقة، والانحياز لفلسطين، والإيمان بوحدة الأمة، والدعوة باستمرار لمقاومة الاحتلال الصهيوني، والدفاع عن كرامة الإنسان العربي، ومحاربة الهيمنة الأمريكية على بلاد العرب، وانحيازها للكيان الصهيوني، وفضح (ثقافة) النفط التخريبية التي تشق صفوف الأمة بإثارة صراع ديني طائفي خدمة لمآرب حكام الجهل والتبعية، وأسيادهم الأمريكان...
حتى يعرف القراء هدف الهجوم على مخيم اليرموك، أحيلهم على تصريح لأحد قادة الإئتلاف الوطني، وهو جورج صبرا، لقناة العربية: المخيم أرض سورية، ولن يمنعنا أحد من دخول مخيم اليرموك، لأن هذا يهيئ لحسم معركة دمشق!
الجنرال جورج صبرا، الرفيق الشيوعي سابقا، (الأخ) حاليا، لا يأبه بمصير قرابة مئتي ألف فلسطيني!..وهو يتناسى أن النظام لن يسمح بالاستيلاء على المخيم لأهمية موقعه، وهكذا سيتحول المخيم إلى أرض محروقة مدمرة، وربما، أقول: وربما يا سيد جورج، وأنت تستعين وتقاتل بقوات جبهة النصرة، لا تكون معركة دمشق سوى صبّا للمزيد من الوقود على النار التي ستحرق أهل دمشق، وليس مخيم اليرموك وحده، وبهدف تأسيس دولة (الخلافة) الموعودة..يا رفيق!
مخيم اليرموك بنته أجيال من الفلسطينيين بالكد، والكفاح، والعمل الدؤوب، حتى صار سوقا جاذبا لفلاحي الغوطة الذين يسوقون خضارهم، وفاكهتم، ويتسوقون فيه، وهو رد الجميل لأهل الشام باستقبال مئات العائلات التي هربت من الحريق الذي دمر قراهم..فهل هكذا يكافأ؟!
الجيش الحر، والنصرة، والاخوان المسلمون، كلهم يتحملون وزر جريمة (اغتيال) مخيم اليرموك..هذه الجريمة التي لن ينساها شعبنا، وشرفاء أمتنا.