بقلم : سعد ابو غنام ... 24.03.2013
"اختلطت علي الامكنة والازمنة, لم اعد قادرا على التمييز بين المكان والزمان, ابدو في حلي وترحالي واحاديثي مع خلاني كأخرق يتمطى ويسير على على غير هدى وذلك كما اكد لي احد اصدقائي المخلصين صبيحة هذا النهار. سأسر لكم بشيء وهو انني لا اعرف هذا الشخص الجديد الذي هو انا في الايام الاخيرة. اتعثر في التعبير عن ابسط الاشياء استعمل اكثر من لغة وكأنني فقدت اللغة. اعاني الامرين قبل ان ارسو على بر لغة ما, فحينا تجدني اتشدق بإنجليزية هوجاء كأنها الريح العاتية وتارة تراني سكرانا وما انا بسكران اهذي بعبرية توراتية عجفاء وطورا اهمس بعربية مكسرة ابسبس بها بسبسة وهي لا تصلح حتى لسوق الخضار في سوق بئر السبع عندما تهبط الاسعار عصر يوم الجمعة ويهم الباعة بالمغادرة ويستغل ذلك اكثر الزبائن مكرا ويشترون محتويات السوق بأبخس الاثمان .
وللدلالة على ما الت اليه والاحوال اسوق هذه الحادثة لعلها تعبر افضل تعبير عما تضج به والنفس وتنوء به الروح من اثقال:
يوم امس كنت في محاضرة في موضوع الفلسفة واثناء تشدق الاستاذة وتمايلها وولهها بما ثقل وزنه وخف ثمنه من المصطلحات الفضفاضة كنت الوذ الى عالم اخر اكثر حنانا وشفقة وانسانية من عالم اوباما (الذي يصول ويجول هذه الايام في زيارة للأراضي المقدسة) ونتنياهو وسيدي ابو العباس والمكنى (بابي مازن) .. وتحديدا اثناء وقوف استاذة الفلسفة وتمايلها امامي وقبالة طاولتي عندها في تلك الحظة اللزجة حطت على كتفي ربة الايمن ربة الشعر وكتبت قصيدة عصماء اعبر فيها عما الت اليه احوال مناخ الروح مؤخرا , وبين الفينة والاخرى تناهى الى مسامعي صوت المحاضرة الطروب وهي تتحدث عن الذوق والجمال حسب الفيلسوف الاسكتلندي الشهير ديفيد هيوم.
المهم انني كتبت قصيدة احكي - اهذي- فيها لنفسي عن نظرات الزملاء اليهود في الصف الي كانت نظرة تتسم بالتنكر والاستغراب لهذا الشرقي الاسمر القادم من مجاهل الشرق (والذي يخوض احيانا مع الخائضين في احوال الفلسفة وشعوبها) طبعا مقابل اولئك "الاوربيين" الحضاريين مع ان اغلب طلاب الصف من ابناء عمي المزرحييم (اليهود الشرقيين) والتي تعود اصولهم حقيقة الى مجاهل اليمن والاحياء الشعبية البغدادية والمراكشية والشامية. الا انني طبعا في عرف هؤلاء وغيرهم هو الجاهل القادم من المجاهل كوني عربي فلسطيني والأنكى من هذا كله انني مصنف في خانات الدولة العبرية كبدوي اصلي علاقتي متينة مع الخيمة والجمل ودلال القهوة ورغيف الخبز على الصاج ولن ينقذني من هذا التصنيف اي عذر او قول او عمل او حتى تلك الحادثة الشهيرة عندما كنت في جولة مع ابنتي الصغرى ابنة الثلاث سنوات اذ رات حمارا يتمشى قبيل الغروب فصرخت بأعلى صوتها "بابا شوف الحصان" فصعقت وتلعثمت ثم سكت. اما ابناء عمي فيستغربون ما علاقتي وانا الشرقي الارعن بالفلسفة التي هي من نصيبهم هم الاوربيون الانقياء . في تلك اللحظات ورغم النظرات والتساؤلات وما يدمي القلب من عبرات حزنا على تنكر ابناء العمومة لي كنت اخط بعض الكلمات الخجولة حول تلك النظرات .. واعزي النفس واهمس لها واصل في نهاية الامر الى قناعة لا متزحزح عنها الا الى النار الكبرى وهي ان لتلك النظرات الاستشراقية العدائية من ابناء عمي فضل علي كبير .. فلقد كانت سببا في اقتحام شيطان الشعر المكان واستحضار روح وادي عبقر الزمان وولادة القصيدة العصماء "نظرات" والتي لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب اي مع نظرات وعبرات مصطفى لطفي المنفلوطي.
المهم في الامر ان القصيدة الجديدة ..وهي عبارة عن خرابيش لا اول لها ولا اخر (خطي غير مفهوم وغير مقروء والحمد على نعمة الحاسوب بفضله وبواسطة الطباعة اضحى خطي رائعا واباهي به اعتى الخطاطين!) على ورقة لا ادري ما فصلها ولا اصلها دسستها في حقيبتي البالية والتي تئن تحت ثقل الكتب والكراريس. عندما وصلت الى الدار عند المساء وقد ارخى الليل سدوله بحثت عن المخطوطة ولكن عبثا راحت كل محاولاتي ضاعت القصيدة وذهبت العبرات والنظرات ادراج الريح العاتية وفقد الشعر العربي احدى درره الثمينة.. اه عدنا الى الهذيان من جديد.. لما لا...