بقلم : صالح النعامي ... 23.11.08
جاء التصعيد العسكري الإسرائيلي المفاجئ ضد غزة والذي شكل خرقاً واضحاً للتهدئة، في ظل جدل إسرائيلي داخلي حول عوائدها على إسرائيل، ومن خلال ما أشارت إليه دوائر التقييم الإستراتيجي في تل أبيب، فأن للتهدئة تداعيات سلبية على الكيان الصهيوني، حيث يزعمون في إسرائيل أن حماس استغلت التهدئة في تمكين جهازها العسكري من حفر الأنفاق بالقرب من الخط الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل لإستخدامها في اختطاف الجنود، ويرى صناع القرار في تل أبيب أنه في حال نجحت حماس في اختطاف مزيد من الجنود فأن هذا يشكل تحدي ذو طابع استراتيجي على الأمن الإسرائيلي. في ذات الوقت، فأن الإسرائيليين يرون أن التهدئة أزاحت عن كاهل حركة حماس الضغط العسكري وخففت الضغوط الإقتصادية، الأمر الذي يسمح لها بمواصلة التشبث بالشروط التي تضعها لإطلاق الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شليت. من هنا فأن هناك المزيد من الأوساط السياسية والعسكرية في إسرائيل باتت تعتقد أن التهدئة تساهم في تمكين حماس من فرض شروطها في أي صفقة ممكنة للإفراج عن شليت. اللافت أن بعض مكونات صنع القرار في إسرائيل تدعي أن حركة حماس معنية بتحقيق إنجازات هامة في صفقة شليت من أجل تثبيت حكمها في القطاع، كما يقول ذلك صراحة يوفال ديسكين رئيس جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك ".الى جانب ذلك، فأن إسرائيل ترى أن التهدئة تتيح لحماس مواصلة التعاظم عسكرياً من خلال تهريب السلاح والمتفجرات وتصنيع الصواريخ، والتدريبات العسكرية وبناء التحصينات، دون أن يكون هناك خطر لتدخل إسرائيلي عسكري لوقف مثل هذا الأمر.
الحفاظ على أبو مازن
وإلى جانب ذلك، فأن بعض دوائر صنع القرار باتت ترى أن التهدئة تؤثر سلباً على مستقبل حكم رئيس السلطة محمود عباس في الضفة الغربية، وهناك في إسرائيل من يرى أن حكومة أولمرت تعمدت خرق التهدئة من أجل قطع الطريق على حركة حماس من تحقيق انجاز تاريخي يتمثل في نقل التهدئة للضفة الغربية والزام اسرائيل بوقف عمليات الاعتقال والمداهمة التي يتعرض لها الفلسطينيون هناك، وهو ما سيمس بمصداقية عباس. فقد كان من المفترض أن تنتهي التهدئة بعد حوالي شهر، وكان من المتفق عليه أن يتم نقل التهدئة الى الضفة الغربية، وهذا ما اعتبرته اسرائيل خطوة يتوجب تجنبها بكل ثمن. وكما يقول الكاتب الإسرائيلي تسفي بارئيل فأن إسرائيل تعتبر أن السماح بنقل التهدئة للضفة الغربية لأ سيضعف مكانة أبو مازن أمام الرأي العام الفلسطيني، حيث سيتبين للفلسطينيين أن حماس هي التي تمكنت من وقف ما تقوم به اسرائيل من عدوان وأنها عملياً هي التي عملت على اعادة اللحمة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا ما يعني نزع الشرعية عن مطالبة عباس بالتمديد لولايته الرئاسية لأن هناك من سيقول عندها " ما مسوغات التمديد له في حال لم يؤد نهجه السياسي لتعزيز الشعور بالامن للفلسطينيين في حين أن نهج حماس هو الذي يضمن الأمن ".
إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية الأخيرة تهدف لتوفير الظروف التي تسمح لها بالضغط على حماس لإجبارها على تغيير شروطها بشأن شليت، إذ أن إسرائيل أخذت في الحسبان أن حماس وبقية الفصائل سترد على عمليات التوغل المحدود عبر اطلاق القذائف الصاروخية على التجمعات الإستيطانية الإسرائيلية، الأمر الذي يمكن إسرائيل من تبرير اغلاق المعابر التجارية ومنع دخول المواد، فتستعيد تل أبيب بذلك القدرة على ممارسة الضغوط الإقتصادية والنفسية، الى جانب الضغوط العسكرية المحدودة، على أمل أن يساهم هذا في دفع حماس للتخفيف من شروطها.
خرق التهدئة دون انهيارها
ومن الأهمية التأكيد أن إسرائيل معنية بتحقيق الأهداف السابقة عبر التصعيد العسكري، لكن دون أن يؤدي هذا التصعيد الى إنهيار التهدئة بشكل كامل، لأن التهدئة سمحت بحياة طبيعية في المستوطنات المحيطة بالقطاع، وأتاحت للجيش الصهيوني القيام بعمليات تحصين لبعض المستوطنات في المحيط، إلى جانب أنها اتاحت الفرصة للألوية المختارة في الجيش اجراء التدريبات، فضلاً عن أن الهدوء في غزة يتيح لإسرائيل هامش مناورة لمواجهة تحديات وتهديدات أكثر خطورة مثل البرنامج النووي الإيراني. وفي المقابل فأن اسرائيل عندما قررت القيام بخطواتها العسكرية المحدودة الأخيرة انطلقت من افتراض مفاده أن حركة حماس معنية باستمرار التهدئة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن أن تتحول العمليات العسكرية المحدودة حالياً الى عمل واسع ضد حماس في القطاع ؟
هذا السيناريو مستبعد حالياً، وذلك للأسباب الآتية:
1- في إسرائيل حكومة انتقالية ليست معنية باتخاذ قرارات كبيرة في حجم شن عمل عسكري كبير مثل اعادة احتلال القطاع، على اعتبار أنه ينطوي على مخاطر كبيرة، ففي تل أبيب يشددون أن اتخاذ قرار استراتيجي بشأن المواجهة مع حركة حماس هو محتم، لكن يجب أن تتخذه الحكومة الإسرائيلية التي ستتشكل بعد الإنتخابات.
2- لا يوجد هناك تحصين لمعظم المستوطنات، سيما وأن القذائف الصاروخية التي تطلقها حركات المقاومة تصل مدن كبيرة مثل عسقلان ولا يوجد امكانية لتحصين البيوت في هذه المدينة التي يصل عدد المستوطنين فيها 120 الف.
3- بخلاف الإنطباع القائم، فليس من مصلحة حزبي كاديما والعمل الذين يسيطران على الحكومة الحالية أن تنهار التهدئة تماماً وتستأنف عمليات اطلاق الصواريخ على نطاق اكبر عشية الإنتخابات، لأن هذا الواقع يخدم اليمين الإسرائيلي، ويعزز فرصه في الفوز.
لكن ما تقدم ليس أمراً مسلم به في كل الأحوال. ففي حال اسفرت عمليات اطلاق الصواريخ والقذائف على المستوطنات عن وقوع خسائر في الأرواح فأنه يمكن الإفتراض أن إسرائيل سترد رداً قوياً على ذلك ويمكن أن أن يتدحرج الأمر الى العودة الى تنفيذ عمليات التصفية والاغتيال واستهداف مؤسسات حكومة هنية وحركة حماس، وما يتبعه من ردود فعل من قبل حركات المقاومة.