أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
التحليل الادبي لقصائد الشاعرة سناء الحافي!!

بقلم : ايمان مصاروة  ... 09.04.2013

هل لي بعشق أرى فيه بداياتي
يا من قطعت وريد الوصل في ذاتي
يا كم رجوتك بالعهد الذي نطقتْ
فيه ثغور الجوى غيثا لمأساتي
في غفلة من جذور الطين بعثرني
حتى سقيت كؤوس الود دمعاتي
كيف الدواء ؟ وأصل الداء من دنفي
يا من يفيض أسىً قد زدت عبراتي
الملك النائم (بحر الوافر)
إذا حاكى نسيم هواك دربي
فويل للّذي مني تبقَّى
سوى خوفي يُسائِلني خجولا
أحبك منتهَى لا بدءَ حلم
فلن يصحو جنون الغرب شرقـــــا
أحبك في قُرى جَسَدي و رسمي
أيا مــــلكًا على عرشِي سيرقى
أُعاند حبَّك المنســــــيَّ غصبا
وأحيا فيك عمرًا بعد فرقى
ظنونٌ من غدي حلت بأمسي
و ماءُ طهارتي لليل يُسقى
فكم حَضَنتْ نَجومُ هَواي فُلكا
أيا شفقا لفجري – بل - وأفقا
أيا رجلاٍ وهبني الحب نورا
إليك غَدي فإن ولى سيشقى
سأزرع حزن ماضينا حروفا
كما زرعت سطور البعد عذقا
وإن هان الهوى يوما بنعشي
فكن لي آيةً ولقا وفرقــــــــــى
ثانيا: التحليل الأدبي
جو النص:
الواقع الصعب الذي تعيشه الكاتبة، وما فيه من ظلم اجتماعي، وتسلط سياسي، يضغط على الشاعرة بأحاسيسها المرهفة وبمنظار شعورها الرقيق، فتتولّد الأفكار وتغتلي العواطف فتهيج عاطفة الشاعرة تحاول الابتعاد أكثر عن اللفحات الحارة لتلك الهموم إلى غزل رقيق لتتلهى به وتنسى الوقع المر،ّ ولتخفف عن النفس عذاباتها، فتنطلق بهذه السطور الشعرية لتعبر عن أحاسيسها الرقراقة أعذب تعبير.
الأفكار الرئيسة:
يبيِّن النص أن شاعرتنا قد عصفت بها نيران شوق الحبيب وألمّت بها وأعادها الحنين للماضي، الذي كان فيه الوصل مستمرا بينها وبين الحبيب.
تدعو الشاعرة محبها للالتزام بحبه وتعهداته لها.
تصف الشاعرة مأساتها بعد انقطاع الوصل بينها وبين من أحبت.
4.تصف الشاعرة ثورة هذه الأشواق ولهفتها للحبيب ومدى عشقها له.
5. القلب يحب ويتأثر وينفعل للمعاني الخلاقة، وينجذب نحو العازفين على أوتار القلوب ولا تجد من وسيلة أمام نوبات الشوق واللهفة إلا ملاقاة الحبيب.
6. القلوب المتلهفة والأجساد التي كلّت من جحيم الحياة لا يطفئ نيران أشواقها سوى الحبيب، وبصماته على خلايا محبه وهمسات كلماته، يعزفها على أوتار تلك العواطف المتدفقة الندية.
7. تنتظر الشاعرة عودة ملاكها وتواصله بعد طول انتظار.
العاطفة :
عاطفة اللهفة والشوق للحبيب وملاقاته لطهره ولعذب كلماته وحركات بصماته.
عاطفة التحسر على الواقع وبُعد الحبيب، فالجسم أصبح جسدا أصابه الإعياء بلا روح ولا حياة.
عاطفة الإعجاب بالحبيب، فهو ملاك نقي، لكنه متغافل عن عواطف المحبوبة.
وتستمد الشاعرة أفكارها ومعانيها من تجربة صادقة، وعاطفة قوية، فلا ريب في ذلك، فهي مرهفة الأحاسيس، تحب النبل ويعشق قلبها الرقة والدماثة، متلهفة للحبيب ولقائه بعيدا عن واقع حياة لا ترحم، وقد تكررت معاني الحب الشوق ومترادفات كل كثيرا في المقطوعتين لتأكيد اللوعة والاشتياق، فهي تهرب بقلبها عن واقع وحياة سلبتها الحقوق وأثقلت عليها بالواجبات، وتعجز عن التغيير فها هي تعايش الأحداث بنفسها، فانعكست تلك على أحاسيسها ووجدانها، وقد غلبت على المقطوعة نزعة الرفض للواقع المر والمزري، فارتفع صوتها رافضا هذا النسيج المبني على عدم تقدير الإنسان لإنسانيته، فتهرب أمام العجز وعدم التمكن من التغيير إلى خير جليس بحبها العفيف تسطر بقلمها ما يحلو لها شعرا، طلبا للذاته العقلية والوجدانية، فهي الملقي، والشعر هو الوسيلة، علها تجد المتلقي الذي يسمو بفكره نحو الإبداع، في الشعر تعبر عن ذاتها وحبها وآمالها وأمانيها.
الخصائص الأسلوبية :
أولا: التصوير الفني
التشبيهات:
(إذا حاكى نسيم هواك دربي): شبهت الشاعرة نسيم هوى العاشق بدرب تسير عليه الشاعرة، تشبيه مرسل مجمل.
(أيا رجلاٍ وهبني الحب نورا): شبهت الشاعرة الحب بالنور، تشبيه بليغ.
(يا كم رجوتك بالعهد الذي نطقتْ
فيه ثغور الجوى غيثا لمأساتي): شبهت تنفيذ العهد بالغيث.
2. الاستعارات
أ. ومن الاستعارات المكنية ما يلي:
" يا من قطعت وريد الوصل في ذاتي " شبهت الشاعرة الوصل بإنسان له وريد، استعارة مكنية.
(يا كم رجوتك بالعهد الذي نطقتْ
فيه ثغور الجوى غيثا لمأساتي): شبهت الشاعرة الجوى بإنسان له ثغر يحكي وينطق.
"حتى سقيت كؤوس الود دمعاتي ": شبهت الود بسائل يُشرب، وشبهت دمعاتها بماء يسقي.
"سوى خوفي يُسائِلني خجولا": شبهت الخوف بإنسان يسأل ويخجل.
"أحبك في قُرى جَسَدي و رسمي" شبهت الشاعر مكونات جسدها بالقرى.
"أيا مــــلكًا على عرشِي سيرقى": شبهت الشاعرة حبيبها بالملك، ونفسها بالمملكة.
"أُعاند حبَّك المنســــــيَّ غصبا": شبهت الشاعرة الحب برجل يُعانَد
كما زرعت سطور البعد عذقا: شبهت البعد بشيء يّسطَّر، وبأرض تُسقى.
"وإن هان الهوى يوما بنعشي": شبهت الهوى بإنسان يُهان ويُذلّ.
ب. الاستعارة التصريحية:
" في غفلة من جذور الطين بعثرني": شبهت الشاعرة تشتت فكرها بالبعثرة.
3. الكنايات:
" أرى فيه بداياتي": كناية عن جمال العشق الذي كان بين الشاعرة ومحبوبها
يا من قطعت وريد الوصل في ذاتي": كناية عما حصل للشاعرة من أسى وحزن نتيجة ابتعاد المحب الحبيب عن الشاعرة.
" يا كم رجوتك بالعهد الذي نطقتْ": كناية عن كثرة تذكير الشاعرة بالحبيب الذي قطع على نفسه وعدا بالوفاء والاستمرار في حبهما.
"فيه ثغور الجوى غيثا لمأساتي": كناية عن استمرارية الوصل التي تحل مشاكل كثيرة للمحبوبة وينقذها من مأساتها وأما انقطاع الحبيب فهو تعبير عن مأساة الشاعرة.
" في غفلة من جذور الطين بعثرني": كناية عن انقطاع حبل الوصل الذي أضاع بالمحبوبة وشتت تفكيرها.
"حتى سقيت كؤوس الود دمعاتي": كناية عن تغير وتقلب الحبيب في حبه لمحبوبته.
"وأصل الداء من دنفي": كناية عن أن سبب مأساة الشاعرة يتمثل في حبها للحبيب الذي أدار ظهره وانقلب.
"الملك النائم": كناية عن حب الشاعرة لمحبوبها وهو لا يحرك ساكنا.
"فويل للّذي مني تبقَّى": كناية عن الحب الذي مزق حال الشاعرة.
"أحبك منتهَى لا بدءَ حلم": كناية عن حب المحبوبة لحبيبها الذي لا حدود له.
"أحبك في قُرى جَسَدي و رسمي": كناية عن تعلق الشاعرة تعلقا كبيرا بمن أحبّت.
"أُعاند حبَّك المنســــــيَّ غصبا" و"وأحيا فيك عمرًا بعد فرقى": كناية في كل عن عجز الشاعرة نسيانها لمحبوبها.
"ظنونٌ من غدي حلت بأمسي" و "وماءُ طهارتي لليل يُسقى" و "فكم حَضَنتْ نَجومُ هَواي فُلكا": كناية في كل عن تعلق المحبوبة بمن أحبت وتمسكها ووجدها الكبير به.
"أيا شفقا لفجري – بل – وأفقا" و "يا رجلاٍ وهبني الحب نورا" و "إليك غَدي فإن ولى سيشقى" و"سأزرع حزن ماضينا حروفا" و"كما زرعت سطور البعد عذقا و "وإن هان الهوى يوما بنعشي" و " فكن لي آيةً ولقا وفرقــــــــــى": كناية في كل عن الحاجة الماسة للحبيب ووصله.
4. المجاز المرسل
" فويل للّذي مني تبقَّى": ذكرت الشاعرة ما تبقى منها(الجزء) وأرادت به حالها (الكل)، مجاز مرسل علاقته الجزئية. و"تبقى" تعبير موح، حيث أن ابتعاد المحبوب عنها قد عصف بحالها، ولم تعد لحياتها معنى.
"فلن يصحو جنون الغرب شرقـــــا": ذكرت الشاعرة كلا من الغرب والشرق(المكان) وأرادت ما فيهما (الحال)، مجاز مرسل علاقته المكانية.
"ظنونٌ من غدي حلت بأمسي": ذكرت الشاعرة كلا من الغد والأمس(الزمان) وأرادت ما يقع فيهما، مجاز مرسل علاقته الزمانية.
ثانيا: التعبير (اللغة والأساليب)
1.الألفاظ والتراكيب
أ. العنوان:
القصيدة الأولى بعنوان (قدسية الطين):
قدْسيَّة :
مصدر صناعيّ من قُدْس : حُرْمة وطهارة " مكان له قدسيّته ، - لكلّ بيت قدسيّته ".
المعجم: اللغة العربية المعاصر -
قُدْسِيَّة : جاء معنى كلمة (قدسية) في معجم قاموس المعاني:
اسم علم مؤنث عربي، وهي السيدة الطاهرة الورعة، أو المنسوبة إلى القدس الشريف. وهو كذلك اسم المدينة المنورة .
والطين: هو أصل الإنسان، فكأني بالشاعرة تعتز بمعاني القداسة وتلتزم بها وتتصف بها، فهناك حذف في العنوان، قدسية: خبر مرفوع لمبتدأ محذوف تقديره أنا وهو مضاف والطين: مضاف إليه مجرور.
القصيدة الثانية بعنوان (الملك النائم)
معنى المَلْكُ: المَلِكُ. والجمع: مُلُوكٌ .
والمَلْكُ ما ملكت اليدُ من مال وخَوَل .
والمَلْكُ الإرادة الحرَّة .
وفي التنزيل العزيز: (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ) طه آية 87
المَلِكُ - مَلِكُ:
المَلِكُ : الله تعالى، وهو المَالِكُ المُطْلَق، ومالكُ المُلوك، ومالكُ يومِ الدين.
و المَلِكُ ذو المُلْك .
و المَلِكُ صَاحبُ الأَمر والسلطة على أُمَّة أَو قبيلة أَو بلاد . والجمع: أَمْلاكٌ، ومُلوك.(1)
وهذا العنوان يحمل معنى أن المحبة ملك لحبيبها، وهو الآمر الناهي، و"الملك": خبر لمبتدأ محذوف تقديره(حبيبي).
النائم: تعني في معناها المجازي الغائب عن التفكير في أمر المحبوبة وهو صفة مرفوعة، فكأن الحبيب غافل ونائم عن عذوبة مشاعر وأحاسيس المحبوبة.
ب‌. استخدمت الشاعرة في نصها لغة سهلة موحية تخاطب عقول الناس ، وقد جاءت ألفاظ معجمها الشعري مناسبة ومعانيها مطابقة للأفكار، ولقد اختارت ألفاظها وكلماتها من معجم يوحي باللوعة وحرقة الشوق وتمني اللقاء.
ب. ولقد‌ جاءت تراكيبها متناغمة بعضها مع بعض، رقيقة متينة، موحية فيها من الرمز الجزئي تعبرا عن رفضها للواقع، فاستخدمت أسلوب "الاتساع" وهو واحد من الأساليب, التحويلية التي تطرأ على العبارات والتراكيب النحوية، ويعرفه المحدثون من المشتغلين بالدراسات اللغوية بأنه عملية نحوية تأتي عن طريق إضافة بعض العناصر الجديدة إلى المكونات الأساسية دون أن تتأثر تلك المكونات" كالاستعارات الكثيرة والتشبيهات والكنايات، ووضّح بعض البلاغيين هذه الظاهرة وأطلقوا عليها مصطلح "الاتساع": وهو أن يأتي المتكلم أثناء كلامه بما يحتمل أن يفسر بكثير من المعاني لصلاحه لكل منها، وقد عبر عن هذا المفهوم، مفهوم الاتساع أو الانزياح "جان كوهن" وقال: بأنه الأسلوب في كل ما ليس شائعاً ولا عادياً ولا مطابقاً للمعيار العام المألوف، وهو يشخص اللغة الشعرية باعتبارها انحرافاً عن قواعد قانون الكلام، ورأى جاكوب كورك أن أكثر الوظائف حيوية للصورة الاستعارة والصورة الشعرية، أي خلق معان جديدة من خلال صلات جديدة، ومنها في النص أيضا:
( أيا مــــلكًا على عرشِي سيرقى)ويرى بعض النقاد الأسلوبيين أن الانحراف من أهم الظواهر التي يمتاز بها الأسلوب الشعري عن غيره، لأنه عنصر يميز اللغة الشعرية، ويمنحها خصوصيتها وتوهجها وألقها، ويجعلها لغة خاصة تختلف عن اللغة العادية، وذلك بما للانحراف من تأثير جمالي، وبعد إيحائي .
ج. وقد استخدمت الشاعرة مفردات الفعل المضارع لما فيها من استمرارية، استمرارية المأساة والحزن والأسى ويوحي باستمرارية الحدث، و برغبة الشاعرة الملحة في تجاوز المأساة، وفيه تأكيد على موقفها من الحب ورفضها للظلم والواقع المرّ غير القادرة على تغييره فتهرب منه بقلبها، كما في مثل: أرى، يفيض، أعاند، أحيا، وقد أدخلت السين على الفعل المضارع؛ ليفيد الاستقبال، في نحو: سيرقى، سيشقى، سأزرع، كما أنها بنت الفعل المضارع للمجهول في مثل: يُسقى، يُسائلني.
واستخدمت الفعل الماضي؛ ليفيد السرد في نحو: قطعت، رجوتك، نطقت، بعثرني، سقيت، زدت، حاكى، تبقّى، حلّت، حضنت، وهبني، ولّى، زرعت، هان.
د. استندت الشاعرة على ألفاظ مستمدة من معجم شعراء الغزل العذري، كما في نحو:عشق، الوصل، العهد، الود، الداء، دوائي، أصل الداء، دنفي، أسى، عبراتي، هواك، أحبك، حبّك، فرقي، هواي، الحب، حزن، البعد، الهوى، لقيا، فرقي..
ه. استخدمت الشاعرة أسلوب الشرط؛ للإتيان بالحجة والدليل والبرهان، كما في قولها:
وإن هان الهوى يوما بنعشي
فكن لي آيةً ولقا وفرقــــــــــى
و. استخدمت الشاعرة في كثير من الألفاظ في معانيها الحقيقية لتوضيح أفكاها ونقل المعاني لمستمعيها؛ وهي ألفاظ سهلة جميلة تناسب الغرض الأدبي ويظهر ذلك في وصفها لمشاعرها وحبها والتنفيس بذلك بالشعر واليراع.
ز. نلحظ في النص عنصر الجنوح إلي التركيز والتكثيف والتجافي عن الشرح والتحليل، وهي سمة تنشأ عن تطور وظيفة الصورة من التقرير إلى الإيحاء، وهذا هو سر الإبهام والغموض أحيانا.
واتسمت القصيدة بمجموعة من الخصائص الفنية متمثلة في الوحدة العضوية والموضوعية.
ح. المصـاحبـات اللغـويــة، ومعناها: ميل الألفاظ إلى اصطحاب ألفاظ أخرى، لارتباط بعضها ببعض، أو لأنها من محيط لغوي واحد، مثـل: أيا شفقا لفجري – بل - وأفقا
" شفق" والتي غالبا ما تصاحبها كلمة "فجر" ولينشأ منه إيقاع موسيقي داخلي.
ط. استخدمت الشاعرة (الملك) بدل (حبيبي)فهو أدق؛ لأن (الملك) هو هو الحبيب الذي يفي ولا يغدر، وفيه الوسامة والنورانية، وتعني الشاعرة أنها وهبت روحا وما تملك له وهو نائم وهذه مفارقة؛ بينما (الحبيب) يوحي أحيانا بالتحوّل وعدم الوفاء، وقد يخلو من الطهر، ومع (الملك) شمولية في الصفات، ومع (الحبيب) سلبية في التمام والكمال
ل. نلحظ ظاهرة التكرار في كلا المقطوعتين، ففي المقطوعة الأولى تكرر حرف النداء(يا) ليفيد أن المنادى وهو الحبيب بعيد عن المحبوبة:
يا من قطعت وريد الوصل في ذاتي
يا كم رجوتك بالعهد الذي نطقتْ
يا من يفيض أسىً قد زدت عبراتي
أما في المقطوعة الثانية فقد تكرر حرفا: الهمزة وحرف النداء يا (أيا) ليفيدا أن المنادى وهو الملك الحبيب بعيد عن المحبوبة وهذا الحرف يستخدم لنداء البعيد، أو هو قريب لكنه بعيد، فهم ملك نائم، وقد كررت الشاعرة كلمة(أحبك) للتأكيد على تعلقها بالحبيب:
أحبك منتهَى لا بدءَ حلم
أحبك في قُرى جَسَدي و رسمي
أيا مــــلكًا على عرشِي سيرقى
أيا شفقا لفجري – بل - وأفقا
أيا رجلاٍ وهبني الحب نورا
وتكرار الحرف لا يتأتى عبثا (إن وعي الشاعر كان وراء هذا التكرار وكأنه يتعمد من أجل أن يصل إلى غرضه، فهو من خلال تكراره للحرف يبتدع إلى جانب البحر إيقاعا موسيقيا داخليا، وهذا الإيقاع الموسيقي الداخلي يدلل –على الأقل- على النغمة الإنفعالية التي يقصدها الشاعر. ...وعلى الرغم من ذلك فإن تكرار الصوت يسهم في تهيئة السامع للدخول في أعماق الكلمة الشعرية.(2)
إن هذا التكرار للكلمة نفسها (أحبك) المتفقة في شكلها وعدد حروفها يكون توافقا صوتيا ، وهذا التوافق الصوتي من شأنه أن يحدث موسيقى داخلية بالإضافة إلى موسيقى البيت، وإن نغمة هذه الكلمات المتكررة تبرز إيقاع النفس المنفعلة والمندهشة. فالكلمات المكررة ربما لا تكون عاملا مساهما في إضفاء جو الرتابة على العمل الأدبي، ولا يمكن أن تكون دليلا على ضعف الشاعرية عند الشاعرة، بل إنها أداة من الأدوات التي يستخدمها الشاعر لتعين في إضاءة التجربة وإثرائها وتقديمها للقارئ الذي يحاول الشاعر بكل الوسائل أن يحرك فيه هاجس التفاعل مع تجربته.
إن تكرار كلمة(أحبك) يمكن أن يكون عنوانا للمتلقي على الكشف عن البنية الداخلية لعالم النص، وبالإضافة إلى ذلك فإنها شكلت إيقاعا موسيقيا قادرا على نقل التجربة ، وهكذا يقوم التكرار الصوتي والتوتر الإيقاعي بمهمة الكشف عن القوة الخفية في الكلمة.(3)
2. الأساليب الخبرية والإنشائية
ا. راوحت الشاعرة بين استعمال الأساليب الخبرية والإنشائية؛ فاستهلت قصيدتها الأولى بأسلوب إنشائي:
هل لي بعشق أرى فيه بداياتي
وهو الاستفهام الذي يفيد التمني وتبعته بنداء يفيد التحبب والتقرب، وقد تكرر ثلاث مرات في نفس المقطوعة والمقطوعة الأخرى أيضا ؛ ومن الأساليب الإنشائية التي وظفتها الشاعرة أسلوب الأمر:
فكن لي آيةً ولقا وفرقــــــــــى
والأمر هنا يفيد الالتماس.
كما استخدمت أسلوب الاستفهام في نحو:
كيف الدواء ؟ وأصل الداء من دنفي
والاستفهام يفيد التعجب.
كل ذلك من أجل خلق جو يوحي بالحياة والحركة.
ب. واستخدمت الأسلوب الخبري ؛ليناسب الغرض، فاستخدمته؛ لتجسد مدى تقديرها لمشاعرها وأحاسيسها، حماية لها من عبث العابثين، ولتأكيد ذاتها بارتباطها بحبها في عالم طغت عليه الماديات واستشرت أمراضها وما ينتج عنها.
ج. استخدمت الشاعرة أسلوب المتكلم(لي)؛ لتأكيد الذات، والذات المخاطبة تحاول الفرار من واقعها الأليم لتشكيل عالمها الخاص، وضمير الأنا يستشعر هول المأساة ومرارة الواقع المهين والمزري وتدرك أنها تنتمي إلى زمن رديء مرّ مهين. كما استخدمت ضمير الآخر(أنت) كما في قولها:(كن+أنت)، وقد توحدت مع ملاكها بقولها:
سأزرع حزن ماضينا حروفا
(ماضينا) فاستخدمت ضمير جماعة المتكلمين .
د. استخدمت أسلوب الإيجاز بالحذف، فقالت:"إليك غَدي فإن ولى سيشقى" وكما في عنواني القصيدتين.
3.المحسِّنات البديعيَّة
أ. الإطناب:، كما في مثل:
أحبك في قُرى جَسَدي و رسمي
ب. الطباق، كما في نحو: فلن يصحو جنون الغرب شرقـــــا
فطابقت بين كل من:"الغرب" و"الشرق".
وطابقت بين كل من(غدي) و(أمسي) في قولها:
ظنونٌ من غدي حلت بأمسي
كما طابقت بين كل من(اللقاء) و(الفراق) في قولها:
فكن لي آيةً ولقا وفرقــــــــــى
ومن أبرز خصائص النص، الوحدة العضوية، والوحدة الموضوعية، والصدق الفني.
ثالثا– الوزن والموسيقى
نظَمت الشاعر مقطوعتيها على نمط قصيدة الشعر العمودي، فالأولى جاءت على بحر البسيط، والثانية جاءت على بحر الوافر، فحفلتا بالموسيقى الخارجية وبالإيقاع الداخلي الذي يسري في عروق المقطوعتين ومن استخدامها للمساواة بين الجمل والمقاربة بين الأصوات؛ وفي المقطوعة الأولى نرى التصريع في البيت الأول، والتصريع : اتفاق قافية الشطر الأول من البيت الأول مع قافية القصيدة.
أي"جعل العروض مقفاة تقفية الضرب"[4] إذا يُختم الشطر الأول بما خُتم به الشطر الثاني في المطلع، وبيّن الدكتور علي الجندي وظيفته في إحداث الإيقاع الموسيقى، فقال: "والتصريع- في حقيقته- ليس إلا ضرباً من الموازنة، والتعادل بين العروض والضرب، يتولد منها جرس موسيقى رخيم، وهو لذلك من أمس الحلى البديعية للشعر وأقربها إليه نسباً وأوثقها به صلة، ونحن حينما نرهف آذاننا للإرشاد من شاعر معروف، فأول ما نتشوف إليه ونترقبه منه هذا التصريع الذي يشبه مقدمة موسيقية خفيفة قصيرة، تلهب إحساسنا، ويهيئنا لاستماع قصيدته، وتدلنا على القافية التي اختارها فإن أغفلها أو أتى به رديئاً ركيكاً خيل أن شيئاً من الجمال ترك مكانه شاغراً"[5].
وﻟﻘﺩ ﺃﻀﻔﻰ انتهاء كل بيت من أبيات المقطوعتين بصوت مد طويل واحد في كل بﻤﻭﺴﻴﻘﻰ ﺩﺍﺨﻠﻴﺔ، ﻭﻗﺩ ﺩﻋﻤﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺭ ﺒﻤﻭﺴﻴﻘﻰ ﺨﺎﺭﺠﻴﺔ ﺘﻤﺜﻠﺕ ﺒصوت الياء الصائت الممدود في المقطوعة الأولى، والألف الصائتة الطويلة ﺍﻟﻤﻤﺩﻭﺩ في المقطوعة الثانية ﻁﻠﺒﺎ ﻻﺴﺘﺜﺎﺭﺓ ﻤﺸﺎﻋﺭ الحبيب وجذبه مما ساهم في المحافظة على الوحدة العضوية والموضوعية في النص.
رابعا- شخصية الشاعرة:
اتّسمت المعاني والأفكار والصور الفنية التي اتكأت عليها الشاعرة بالبساطة والرقة والعذوبة ،لكنها عميقة في معانيها، واسعة في مدلولاتها، وشاعرتنا مبدعة بحق امتطت صهوة الشعر العمودي بجدارة، ومركبه صعب إلا على من ملك موهبة شعرية خاصة؛ مستعينة بالألفاظ والتراكيب الموحية؛ لأن وقعها على النفس أبلغ، إذ تبدو الشاعرة من خلالها جيّاشة المشاعر رقيقة العاطفة، مرهفة الإحساس محبة لعهودها وفية لمن أحبت، رافضة للذل والمذلة.
**الهوامش:
المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ص 924
انظر: قراءة أسلوبية في الشعر الجاهلي، د. موسى ربابعة ص 20 -23، دار جرير، عمان، 2010
المرجع نفسه، ص 24 -26وانظر: الأفكار والأسلوب: دراسة في الفن الروائي ولغته ترجمة د. حياة شرارة 50 ، دار الشؤون الثقافية العامة، آفاق عربية، بغداد، د.ت.
بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، عبد المتعال الصعيدي (4/86) .