بقلم : بشرى الهلالي ... 26.06.2013
*حكومة كربلاء الجديدة أمام أول امتحان
لم أره منذ أكثر من عشرين عاما... لم تكن تربطني به صداقة أو أي معرفة وثيقة.. واليوم تذكرته بقوة.. مرت أمامي كل اللحظات القليلة التي جمعتني به أيام الطفولة والصبا. شاب نحيف يطل بوجهه الأسمر من خلف فتحة الباب ليسأل عن أخي مطرقا دون أن يرفع بصره ليعرف الاجابة.. كان صديق أخي الأكبر وزميل دراسته. اليوم أيضا قفزت الى ذهني صورته وهو يحتضن قطع الطابوق المرصوصة ليصعد سلم البيت فقد كان يعمل في العطلة الصيفية ليجمع المال لمصاريف دراسته. أتذكر أيضا لقاءا جمعنا في كلية الآداب.. ألقى تحيته بارتباك وخجل وهو يعرض خدماته لأبنة محافظته وأخت صديقه. كل ماعرفته عنه بعد ذاك انه أكمل دراسته في كلية التربية الرياضية في جامعة بغداد بعد ان سحره عشق الكرة فطاردتها ساقيه منذ الطفولة حتى أصبح أشهر لاعب في نادي كربلاء ومن ثم من أهم لاعبي المنتخب الوطني.
محمد عباس.. انحدر من أسرة فقيرة في أحد المناطق الشعبية في كربلاء.. وكافح في كل يوم وساعة من حياته من أجل تحقيق أحلامه التي تسللت من بين يديه عندما وجد نفسه مطاردا كمعظم شباب كربلاء بعد احداث 1991، فحملته قدماه التي تركت خلفها معشوقته وحيدة في الملاعب ليطوي بلدانا غريبة ويضع رحاله في أحدها. تزوج وانجب وحصل على جنسية اوربية.. لكن سنوات الغربة كبرت ليكبر معها حلمه بالعودة. ومنذ سنتين عاد محمد عباس الى بلده وقد هجر العائلة والاولاد وكل مابناه على أرض وطنه البعيد ليطارد سحر محبوبته على ملاعب كربلاء. تطوع ان يكون مدربا للفريق.. لم يتسلم اجرا بل عانى الكثير.. رجل وحيد في مستهل خمسيناته دون عائلة او أهل او بيت او حتى وظيفة. رجل عاشق لايملك الا حلما بأن يعيد مجد فريق محافظته كربلاء ويمد يده للجيل الجديد بما يمتلكه من ماض وخبرة.
قبل يومين، حضر محمد عباس مرافقا فريقه الذي يخوض مباراة مع فريقا آخر، لم يكن يتوقع أن يدفع حياته ثمنا لفوز فريقه، فقد رافقت نهاية المباراة اشتباكات بين مشجعي الفريقين. ترك محمد مقعد المدرب ونزل الى الساحة سعيا للتهدئة، فسقط صريعا بعد ان طالته هراوة أحد رجال (سوات) فتهشمت جمجمته. لم يترك له القاتل فرصة حتى أن يرى وجهه أو وجه أي من أصدقاؤه ولاعبيه الذين حلوا محل عائلته في غربته الثانية. عاش شبابه غريبا في بلد اوربي.. ومات محمد عباس غريبا في بلده الأم.. وقاتله يحمل سلاح الدولة وسلطة القانون.
ذكرت الاخبار اليوم بأن حكومة كربلاء الجديدة ستعقد أول اجتماع لها يوم غد، فهل ستكون قضية مقتل محمد عباس على يد رجل (سوات) أحد اولوياتها؟
أخشى ان ذلك لن يحدث أبدا.. فهو الآن يرقد في حالة موت سريري وقد توقف قلبه بينما تجري مفاوضات خلف الستار للتعتيم على الأمر.
لمااااااذا؟؟ يقال انه يكرهونه .. من هم؟؟ أحزاب وولااءات و و و ؟؟
لماذا يكرهونه؟ لأنه جاء مجردا من الكراهية والمنفعة الخاصة، لأنه لم يسع الى منصب او يرشح في أية انتخابات، لأنه لم يسرق، لم يقتل، ولم ولم ولم.. لأنه عراقي شريف ببشرة سمراء وقلب أبيض.. جاء فاتحا صدره لبلد ملغم بالموت.. لم يكن يعلم ان ملاعب السلام صارت مرتعا للذئاب التي لاتريد حتى للكرة ان تفلت من بين أنيابها.
هل سيمر موته هكذا بكل بساطة؟ هل سيصمت أبناء كربلاء على اغتيال محمد عباس؟
هو امتحان عسير لحكومة كربلاء الجديدة.. فهل ستنتصر لدم الغريب الذي جاء ليموت على أرضها.. وكم غريب سيدفن في أرض كربلاء بعد.. وأرض هذا البلد الذي يبادل الحب بالدم؟؟