بقلم : سليم البيك ... 02.07.2013
بثّت قناة ‘فرانس 24′ تقريراً عن دير مسيحي للروم الأرثوذكس في أريحا في الضفة الغربية يعود بناؤه للقرن الخامس الميلادي، ويتوافد إليه المئات من السيّاح والزوار.
ليست قصّتي هنا، الكثير من التقارير تحكي عن الأماكن السياحية في فلسطين كمزارات دينية يؤمها الناس من شتى أرجاء العالم، لكن جميعها تحمل لي الشعور ذاته، كما تحمله لقاءات كهذه (هنا قصّتي): قبل يومين التقينا أنا وصديقتي بامرأة فرنسية من أسرة متديّنة نسبياً، فرحتْ حين عرفت بأننا من فلسطين وبدأت تحكي لنا عن زياراتها لبيت لحم والناصرة وما فيهما من مقامات مسيحية. كانت تحكي لنا عن الأمكنة جميعها كأنها تخبرنا أن البلاد فعلاً – معكم حق – جميلة، كأننا نعرفها، كأنها تفترض مسبقاً أننا كبرنا هناك ونحفظ تلك الأماكن عن ظهر قلب، ونحن بدورنا لم نشرح لها غير ذلك، لم يكن يشغلنا حينئذن غير تلك الفكرة العبثية عن اللقاء العفوي مع سائحة سابقة لبلدنا نلتقيها صدفة في بلدها لتحكي لنا ما لا نعرفه.
أنا أحمل وثيقة سفر سورية للاجئين الفلسطينيين وحالي كحال الملايين منذ عام النكبة، وهذه بالمناسبة مسألة أخرى يصعب إدراكها لدى الكثير من الفرنسيين هنا. من أنتم وكيف حصل ذلك وكيف أساساً لا تستطيع زيارة بلدك؟ فأضطر لإعادة قصّة التهجير ذاتها في كلّ مرة. أما صديقتي فهي من بئر السبع بالأساس ولاحقاً لاجئة في غزة وما بعد بعد اللاحقاً مواطنة فرنسية كاملة الحقوق، ذهبتْ مرة لزيارة فلسطين فأوقفها الجيش الاسرائيلي على ‘الجسر’ – حدود فلسطين مع الأردن – وأخبرها مجنّد أثيوبي بأن لا حق لك بالدخول وإن حملتِ جوازاً فرنسياً (كان هذا حقاً منتقصاً لها كفرنسية).
لم نخبر تلك السائحة بذلك. بكل الأحوال لن نرجع كسيّاح، سيكون ذلك ولكن كأصحاب البلد، وحينها لا بأس لديّ بمشاهدة ممتعة لتقارير كالتي بثّتها ‘فرانس 24′، ومن سطح داري في ترشيحا شمال فلسطين، لأن الطقس سيكون جميلاً في حينها.
*قناة دينية معتدلة
قرأت خبراً عن إطلاق شركة ‘دريم’ المصريّة قناة دينية جديدة بفكر معتدل لمواجهة القنوات الدينية المتطرفة والمتكاثرة، واسمها ‘دريم 3′. الخبر بحد ذاته جيد. في التفاصيل نقرأ أن الإعلامي إبراهيم عيسى هو من سيترأس هذه القناة، وهذا تفصيل جيّد في الخبر الجيّد.
المجتمعات العربية بحاجة مريعة لقناة تتناول المسائل الدينية باعتدال، لتخاطب تلك الشريحة التي لا ترى في الخطاب العلماني بديلاً عن الخطاب الديني المتطرّف، فتنحاز لما يناسب المحافظة المجتمعية والغريزة الدينية لديها (والأكثر أماناً ضميرياً!) متمثّلة في قنوات دينية تبث الطائفية والتطرّف على شكل سموم كهروميغناطيسية. لكن ما نحن بحاجة حرجة إليه هو قنوات تتناول المسائل الاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية والسياسية من منطلق علمي وعلماني تأسيساً على التراث اللاديني الواسع عربياً وإنسانياً، لا أتكلم عن قنوات ترفيهية قد تتخذ موقفاً سياسياً مناقضاً للإسلام السياسي، بل قناة تتخذ موقفاً جوهرياً من الفهم العام للدين، وما يعكسه هذا الفهم على تفاصيل حياتنا بما فيها السياسية.
صحيح، لن يجد مشروع قناة كهذه نجاحاً متوقّعاً بسبب الرفض المسبق من قبل مجتمعاتنا المحافظة والمتردّدة حتى في النقاش في مسائل كهذه، وستهاجمها قوى سياسية واجتماعية عديدة. لكن قنوات كهذه إن لم تأت الآن لتضع خطاباً علمياً عقلانياً في معمعة الخطابات الطائفية والعاطفية المنفلتة، متى تأتي؟ إلى حينه ونسبياً أقول من الجيد أن تُطلق قناة قد يجدها البعض البديل المعتدل لتلفزيونات الخطاب المتطرف والمسيئة للإسلام قبل أي شيء آخر.
*الحاج فضل شاكر
في جميع التقارير التي يظهر فيها المغنّي السابق والتائب (وبالتالي) المنشد والمجاهد فضل شاكر يظهر لنا بنبرة واحدة باردة باهتة لا تتغير، ليست هي نبرته ولا أسلوبه في الكلام قبل أن ‘يتمشيَخ’. لا أدري إن كانت واضحة للجميع تلك النبرة الوحيدة المتكرّرة في جميع الفيديوهات التي تظهر بها لحية شاكر قبل أن يظهر هو نفسه. هي النبرة التي يتكلّم بها أي غائب عن الوعي، هي التي يتحدّث بها أي متناول لأي مخدّر فتسقط منه مخارج بعض الحروف ونهايات بعض الكلمات مع نصف إغماضة للعينين مع النبرة – أو التون – الرتيبة التي تعلو وتنخفض في غير توقيتاتها الصحيحة. هكذا يتكلّم من ‘انمسح مخّه’ كما نقول بالعامية. قد أكون مخطئاً لكنه على الأغلب غسيل الدماغ هو ما قلبَ هذا الفنان السابق صاحب الصوت الجميل إلى حالته البائسة الحالية، غسيل الدماغ (مسح المخ) من ذاك الذي لا يقدر عليه غير التطرّف الديني والطائفي (بمفعول التّنميل في الرأس) الذي يتغذىّ على تطرّف الطرف الآخر طائفياً، هو الحاصل في لبنان وسوريا وهو ما نراه في مثال بيّاع القلوب، الحاج فضل. (لحظة.. هنالك فنانون- شبّيحة حليقي الذقون ملمَّعي الخدود، يا محلا لحية شاكر أمامهم).
*أشاوس الجيش اللبناني
بثّت قناة ‘العربية الحدث’ الفيديو الذي انتشر سريعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي والذي يظهر فيه جنودٌ أشاوس من الجيش اللبناني برفقة ضابطهم يهينون أحد أتباع أحمد الأسير في صيدا على الملأ وقد صار معتقلاً لديهم، يهينونه قبل أن ينهالوا عليه لكماً ورفساً كما أظهر الفيديو. انتشرت الكثير من الفيديوهات التي تُظهر استفراد جماعة بشخص يعذبونه بساديّة قد تصل به حدّ الموت، وقد تعود هذه الفيديوهات إما لجنود النظام السوري وشبّيحته – معظم الفيديوهات فعلياً – أو لجماعات إسلامية متطرّفة تقاتل ذاك النظام بأسلوبه، وجميعها تخرج لنا من سوريا، (ويا فرحة ‘العربية’ لهذا ‘الحدث’!).
في الفيديو المذكور نتحدّث عن ممارسات أتتنا من صيدا في لبنان، إثر الاشتباكات بين الجيش وجماعة أحمد الأسير (هو الذي مسح مخّ فضل شاكر كما يبدو)، ما يميّز الفيديو هنا أنه آت من لبنان حيث لا ثورة ولا حروب ولا مجازر تُخرج لنا بين فترة وأخرى مشاهد كهذه. نحكي هنا عن بلد فيه من الاستقرار النسبي ما لا نجده في سوريا حالياً، رغم حالة البغض المتبادلة والدفينة والأزلية (والطائفية أولاً وأخيراً) التي يكنّها اللبنانيون لبعضهم بعض. الميزة الثانية للفيديو، وهنا المأساة، أننا نشاهد تعذيباً تحقيرياً يمارسه جيش دولة رسميّ، لا هو عصابة منفلتة ولا جيش ‘أسدي’ امتهن جميع أساليب التعذيب بل واستحدث أخرى، عن جيشِ ‘أنا رايح بكرا ع الجيش اتجنّد بين رْفائي’. أما عن الطائفية الكريهة التي فاحت رائحتها من الجنود وضابطهم، فهي مأساة أخرى. بالنسبة لما يخبّئه اللبنانيون لبعضهم، أغلبية الناس – والطوائف! – لا تحب المفاجآت بالمناسبة.
*الآن فقط انتبهت
ما هذا الكم الهائل من الطائفية والتطرّف الديني في حياتنا، في كل تفاصيل حياتنا. خلال كتابة هذه الزاوية انتبهت أولاً بأني أكاد لا أجد موضوعاً في القنوات التي أتابعها أكتب عنه إلا وفيه رائحة تشي بطائفية ما، حاولت التنويع هنا لكنه كان تنويعاً حول محور واحد هو الطائفة/الدين. ألغيت فكرة الكتابة عن مواضيع عدّة من تلفزيوناتنا العربية وذلك كي لا تطفح الزاوية بهذه الكلمة المقيتة، وإن من باب نقدها.
قد يكون الأمر طبيعياً طالما أن الإعلام بالأساس مرآة حالنا الاجتماعي والسياسي، ومن خلاله نعرف كم هو بشع هذا الحال. قد يكمن السبب أيضاً في القنوات التي تؤمّن لي برامجها وتقاريرها مادة دسمة للكتابة: كالجزيرة والعربية والميادينô قد يكون السبب في أني لا أريد بالمرّة أن أكتب عن أمور مررت بها أثناء تفحّصي لبعض القنوات مثل: الهواتف الذكية، برج خليفة في غوغل، أوباما وعائلته في جزيرة غوري، سلحفاة خضراء برأسين، أزياء المحجّبات، السيارة الهجينة الأسرع، احتفال خليجي مميز، أغلى فراش في العالم، البوتوكس كعلاجô لحظة، هذه العناوين جميعها لتقارير بثّتها ‘سكاي نيوز عربية’. أعتذر لكم على ذكر عناوين بهذا السخف، نرجع لحالنا البائس.