بقلم : راسم عبيدات ... 19.07.2013
الخامس عشر من تموز، لربما هو نقطة تحول في تاريخ الشعب الفلسطيني،الشعب الفلسطيني على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية،خرج للتصدي لمشروع "برافر" لتهويد النقب،وإقتلاع وتهجير سكانه العرب،حيث الطرد يتهدد اكثر من أربعين الف فلسطيني،وهدم 38 قرية فلسطينية،البعض منها موجود قبل إقامة دولة الإحتلال،والإستيلاء على ما مساحته 800000 ألف دونم من اراضي شعبنا هناك،وحصر شعبنا فيما مساحته لا تزيد عن 2% من أراضيهم،فالمشروع الصهيوني منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين واقامة اول مستوطنة على أرضها"زخرون يعقوبي" جنوب حيفا على أراضي قرية زمارين،والصراع معه محتدم على الأرض باعتبارها جوهر الصراع،ولذلك سعى الإحتلال الى إحتلال شعبنا وإقتلاعه وإحلال المستوطنين مكانه،فكانت نكبة عام 1948،حيث شرد اكثر من 800000 ألف فلسطيني طردوا هجروا قسراً عن أرضهم،بفعل ما ارتكبته المنظمات الصهيونية بحقهم من جرائم ومذابح،ودمرت اكثر من 531 قرية فلسطينية،ومنذ تلك النكبة وهي متواصلة وبأشكال مختلفة،حيث جرى ويجري طرد وترحيل وتهجير شعبنا الفلسطيني،عبر سنّ الكثير من القوانين والتشريعات الصهيونية العنصرية،التي تستهدف وجوده وأرضه وكل مكونات هذا الوجود من هوية وتاريخ وتراث وثقافة...الخ،وقد سعى الإحتلال لكي يهود منطقة الجليل للقضاء على الأغلبية الفلسطينية فيها،عبر مصادرة 21 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية،ضمن ما عرف بسياسة "تطويرالجليل" اي تهويد الجليل،فكانت انتفاضة يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار /1976،والتي سقط فيها ستة شهداء من ابناء شعبنا ومئات الجرحى،بمثابة رسالة للعدو الصهيوني،بان شعبنا لن يخضع للترهيب والقمع والتنكيل،وسيدفع الدم من اجل حماية ارضه والدفاع عن وجوده وبقاءه عليها.
ومنذ ذلك التاريخ،وشعبنا يجترح المعجزات والتضحيات في الدفاع عن أرضه عبر معركة وصراع وجودي مع الإحتلال،الذي سعى بكل السبل والوسائل من اجل إقتلاعه بالطرق المشروعة وغير المشروعة،فهو نظر لشعبنا بأنه بمثابة السرطان الذي يجب إقتلاعه،والتطهير العرقي والطرد والإقتلاع،لم يكن مقتصراً على شعبنا في الجذر الفلسطيني،بل كان يطال القدس بشكل خاص،ولم تكن الضفة الغربية بمعزل عن التهويد.... والإحتلال نظر للنقب كمنطقة استراتيجية،وتشكل أكثر من 50% من مساحة فلسطين،وبالتالي سيطرة العرب عليها،سيشكل خطراً ديمغرافيا على دولة الإحتلال،فسعى الى حصر سكان النقب وبئر السبع في تجمعات محددة،للحد من سيطرتهم على الأرض،ارضهم التي اعتبرها العدو أراضي دولة.
واليوم رداً على هذا المشروع التهجيري،إنتفضت جماهير شعبنا في كل فلسطين التاريخية،وقالت بأن مشروع "برافر" لن يمر ولن تكون هناك نكبة ثانية لهذا الشعب،عشرات المعتقلين ومئات المصابين في هذا اليوم،والقدس كانت حاضرة في هذا اليوم،وكانت تتصدر قلب المواجهة والحدث،كما كانت في ذكرى ضم القدس ويوم النكبة وغيرها.
وفي هذا اليوم أيضاً قالت جماهير شعبنا كلمتها،لكل المهزومين والمتاجرين بتضحيات ونضالات شعبنا،والذين يريدون استدخال الهزيمة الى صفوفه والتنازل عن حقوقه المشروعة بشكل مجاني،واختراق جدار وعيه المقاوم،بأنه لن يعد من الممكن السكوت عليكم،فما تقومون به تخطى وتجاوز كل الخطوط الحمراء،تمعنون في التنازلات واللقاءات مع قادة الإحتلال،وهو يمعن في قتل شعبنا ومصادرة وتهويد ارضنا،تتمنون لحاخاماته السلامة والشفاء،وهم يتمنون لشعبنا الموت،ويحرضون على قتله،ولم يتركوا كلمة بذيئة في قاموس اللغة إلا وصفوا بها شعبنا الفلسطيني،من صراصير وأفاعي سامة،إلى عبارة العربي الجيد،هو العربي الميت،وكذلك تعتبرون أنفسكم نخب و"جهابذة" و"فلتات"زمانكم،وتجتهدون في تقديم التنازلات المجانية،عن جوهر المشروع الوطني(حق العودة) عبر مبادراتكم التي لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به،مبادرة جنيف سيئة الصيت والسمعة،وتتبجحون بلقاءاتكم مع قادة دولة الإحتلال في بيوتهم،وكأن ذلك شرف وإنجاز عظيم لشعبنا وقضيتنا!!!،وكأنكم لا تدركون بأن شعبنا قد طفح وفاض به الكيل!!،ولم يعد يطيق منطقكم "المجتر"،بان تلك اللقاءات والمفاوضات تجري من اجل مصلحة وحقوق شعبنا،وأصبح غير قادر على التسامح معكم،تقامرون بحقوقه وفق منطق تجريبي،وعبر مفاوضات عبثية مدمرة،لم تخرج عن مربعها الأول منذ عشرين عاماً،ولم تحرز اي تقدم جدي او جوهري على صعيد،التقدم نحو تحقيق اهداف شعبنا في الحرية والإستقلال،بل تستخدم من قبل الإحتلال كغطاء لفرض حقائق تهويدية على ارض الواقع.
واللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة اسرائيل في بيانها الصادر في 11/7/2013،قالت حول اللقاء التطبيعي الذي عقده امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه ومعه إثنان من اعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث ومحمد المدني في مقر منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله مع اربعين شخصاً من قيادات حزبي الليكود وحركة شاس،بان هذا اللقاء"هو إستمراراً لنهج إتفاقية أوسلو الذي فقد شرعيته الشعبية والوطنية،وإمعانا في التواطؤ في توفير أوراق توت فلسطينية لجرائم دولة الإحتلال ونظامها الإستعماري والعنصري ضد شعبنا الفلسطيني".
إن هذا "التغول" والهجمة التطبيعية الشرسة تأتي كوجه سياسي وترجمة للتطبيع الإقتصادي الذي اعلن عنه في المنتدى الإقتصادي العالمي "دافوس"مؤخرا في البحر الميت،والتي جاءت تحت عنوان"كسر الجمود" بمشاركة العشرات من رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب،ونحن قانعون بأن التطبيع الإقتصادي،يشكل مدخلاً خطراً لتصفية حقوق شعبنا الفلسطيني،فهو يهدف لمقايضة حقوق شعبنا الفلسطيني برشاوي ومشاريع إقتصادية إستهلاكية وخدماتية،أي المطلوب شرعنة وتأبيد الإحتلال فوق أرضنا الفلسطينية،مقابل تحسين شروط وظروف حياتنا الإقتصادية في ظل الإحتلال.
من العار علينا كفلسطينيين،أن تتجذر وتتصاعد المقاطعة الدولية والعالمية لدولة الإحتلال،وتبهت وتتراجع في فلسطين،نحن في مواقفنا هذه من قبل بعض المهزومين واصحاب المشاريع والمصالح والإستثمارات والمنافع الشخصية،والعديد من النخب الأكاديمية والإعلامية والسياسية والثقافية والإقتصادية والرياضية،نقدم خدمة مجانية لدولة الإحتلال،ونخرجها من عزلتها الدولية المتصاعدة،ونضعف موقف حلفاءنا وأصدقاءنا على الصعيد الدولي،فمن غير المعقول ان يكونوا"كاثوليكاً اكثر من البابا نفسه".
يوم الخامس عشر من تموز يوم فارق في تاريخ شعبنا الفلسطيني،يوم سيترك دلالاته وآثاره على تراكم نضالات وتضحيات شعبنا في إطار توحدها خلف الدفاع عن وجودها ومشروعها الوطني،وتجذر إنتماءها،وإرتفاع منسوب ووتيرة نضالها وكفاحها ضد مشاريع طردها وتهجيرها،وكذلك هذه الجماهير باتت قادرة على فرز القمح من الزوان،ولن تقبل بأن يستمر بعض المنهارين ومستدخلي الهزيمة بالتحدث باسمها،وتقديم التنازلات المجانية،ومحاولة تشويه وإختراق جدار وعيها خدمة لمشاريع مشبوهة وتنازلات مجانية غير مبررة.