بقلم : صالح النعامي ... 7.12.08
حتى قبل إعلان الحرس الثوري الإيراني مؤخراً عن إلقاء القبض على عدد من الإيرانيين الذين اعترفوا بالعمل لصالح جهاز " الموساد " الإسرائيلي، وتقديم معلومات حول البرنامج النووي الإيراني، كان من الواضح أن لدى إسرائيل معلومات دقيقة حول البرنامج الإيراني. فبخلاف جميع المسؤولين الإسرائيليين، واظب مئير دجان رئيس جهاز " الموساد " خلال إفاداته أمام الحكومة الإسرائيلية ولجنة الخارجية والأمن التابعة على الكنيست على القول أن البرنامج النووي الإيراني متعثر وأنه يواجه مصاعب جدية، وذلك استناداً الى معلومات استخبارية دقيقة حصل عليها " الموساد ". فما لم لم يكشف عنه الحرس الثوري الإيراني هو مدى نجاح " الموساد " في تضليل المؤسستين الأمنية والسياسية في إيران، حيث أن العلماء الإيرانيين الذين عملوا لصالح الموساد قاموا بصفتهم رجال أعمال ببيع الحكومة الإيرانية تجهيزات معطوبة سلمها إياهم " الموساد " لتستخدم في البرنامج النووي، الأمر الذي جعل هذا البرنامج يزداد تعثراً، ومعه بدت تعهدات الرئيس الإيراني أحمد نجاد بأنه في غضون وقت قصير سيتم كشف النقاب عن تطورات ايجابية مفاجئة بشأن هذا البرنامج مثيرة للسخرية.
أن الإختراق الإستخباري الإسرائيلي لإيران سلط من جديد الضوء على أهمية الاستخبارات كمركب من مركبات العقيدة الأمنية الإسرائيلية، والتي كان لها الدور الهام والحاسم في جميع النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل في الماضي والحاضر. فواضح تماماً أن كشف إسرائيل وجود منشأة بحثية سورية تعنى بالشأن النووي وتدميرها عبر قصفها من الجو، وتصفية عماد مغنية قائد العمليات في حزب الله، فضلاً عن الدور الحاسم للإستخبارات في حسم حرب العام 1967 وغيرها من الحروب، يدلل بما لا يقبل الشك أن هناك ما يبرر توفير إسرائيل الإمكانيات والطاقات لإستثمارها في تطوير منظومتها الإستخبارية، حيث أن الاستخبارات وفق النظرية الأمنية الإسرائيلية تؤدي الأغراض الآتية:
1- توفير معلومات مسبقة لإحباط عمليات تخطط لها حركات المقاومة، والإستعداد لحروب تشنها دول في الجوار، أو برامج تعكف عليها ومن شأنها تهديد الأمن الإسرائيلي في المستقبل.
2- تساهم المعلومة الإستخبارية في تقليص الموارد المطلوب تخصيصها للجهد الحربي. فمثلاً عندما يتم استهداف المستوطنات الإسرائيلية بقذائف صاروخية من منطقة من مناطق قطاع غزة على سبيل المثال، فأنه – في حال لم تتوفر المعلومات الاستخبارية الدقيقة عن الجهة المسؤولة عن اطلاق الصورايخ – فأن هذا يتطلب تجريد حملة عسكرية كبيرة من أجل وقف اطلاق الصورايخ، لكن في حال توفرت المعلومات الاستخبارية فأن هذا يمكن الجيش الإسرائيلي من العمل بقوات محدودة وبجهد قليل ضد الجهة أو المجموعات المسؤولة عن إطلاق الصواريخ
3- زرع عدم الثقة في أوساط الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية التي تتجسس عليها إسرائيل. فعندما يكتشف أن هناك أشخاص يعملون لصالح إسرائيل وتحديداً في الدوائر المهمة، فأن هذا يزرع بذور الشك في كل هذه الدوائر، حيث تصبح أكثر حذراً في مواصلة مخططاتها ضد إسرائيل، على اعتبار أنها قد تكون مكشوفة لإسرائيل. فضلاً عن أنه يقلص ثقة الجمهور بالمؤسسة الحاكمة، فبكل تأكيد فأن الإيرانيين الذين كانوا يستمعون الى التعهدات التي أطلقها الرئيس نجاد بشأن البرنامج النووي الإيراني لم يعودوا يثقون بهذه التعهدات.
4- استطاعت إسرائيل من خلال الإنطباع الذي تكرس حول قوة اجهزتها الإستخبارية وقدرتها على اختراق دول في العالمين العربي والإسلامي أن تدخل في شراكة من منطلق قوة مع عدد من القوى العالمية، وأن تقايض المعلومات الإستخبارية التي تحصل عليها بمكاسب إستراتيجية. فالولايات المتحدة وحلف الناتو والدول الاوروبية بشكل منفرد تستند في كثير من الأحيان الى المعلومات الاستخبارية التي تجمعها الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية. وبذلك تصيد إسرائيل عصفورين بحجر واحد، فمن جهة تحصل على مقابل لقاء ما تقدمه من معلومات استخبارية، على شكل تجهيزات و تقنيات عسكرية وغيرها، ومن من ناحية ثانية فأنها تتمكن من تمرير معلومات مغلوطة لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية لها. فمثلاً قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بوقف التعامل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان بناءاً على معلومات استخبارية نقلتها له إسرائيل على شكل " أدلة " مفبركة تربط عرفات بعمليات المقاومة خلال انتفاضة الأقصى. مع أن دان مريدور الوزير الإسرائيلي الذي كان مكلفاً بالإشراف على الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية في ذلك الوقت يعترف بعد استقالته أنه لم يكن هناك أي دليل مادي قوي يمكن أن يربط عرفات بعمليات المقاومة.
وفي الوقت الذي تهتم فيه الدول العربية ببناء الأجهزة الإستخبارية التي تعنى بشكل خاص بمطاردة القوى السياسية فيها وتحديداً الإسلاميين، فأن إسرائيل حرصت على بناء أجهزة استخبارية بهدف جمع المعلومات عن الدول العربية والإسلامية وحركات المقاومة. وبسبب الأهمية القصوى التي توليها إسرائيل لعمل الأجهزة الإستخبارية فأن أهم جهازيين استخباريين في تل ابيب، وهما: جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك "، الذي يعنى بجمع المعلومات عن المقاومة الفلسطينية، وجهاز " الموساد " الذي يعنى بجمع المعلومات حول الاستخبارية عن الدول العربية والإسلامية يتبعان مباشرة رئيس الوزراء الإسرائيلي. في نفس الوقت فأن إسرائيل تخصص موارد ضخمة وكبيرة لهذه الأجهزة، وتحاول رفد هذه الأجهزة بطاقات بشرية مناسبة. فمثلاً قبل عام نشر جهاز " الموساد " إعلانات في الصحف الإسرائيلية لتجنيد شباب يهود يجيدون اللغة الفارسية للعمل في صفوفه وذلك من أجل مواصلة التجسس على إيران ومحاولة الإيقاع بمزيد من الإيرانيين.
قصارى القول الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية لا تقوم بعمل خارق عندما تحقق هذه الإختراقات، بل على العكس تماماً فنجاحاتها تأتي فقط لإنعدام جهد استخباري وعربي فلسطيني على أسس مهنية ومؤسساتية مناسبة.