بقلم : رشاد أبوشاور ... 17.1.08
المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي دعيت مع كثيرين لحضوره، والمشاركة في أعماله، لم يعقد في الفترة بين 2007/11/9 ـ 7 في دمشق، وتمّ تأجيله بطريقة محزنة ومخجلة أحبطت المدعوين، وبخّاصةً من تهيّأوا للقدوم من مغترباتهم البعيدة علي نفقتهم ليعلنوا رأيهم في مسيرة سلام (أوسلو) الفاشلة، وتمسّكهم بكّل طاقتهم بحّق العودة، وإيمانهم الذي لا يتزعزع بأن خيار المقاومة لا خيار السلام هو الذي تحررت بممارسته كّل شعوب الأرض المستعبدة.
لم تكن ضغوطات (رام الله) ووفد السلطة الذي توجّه إلي دمشق هي السبب في التأجيل، ولكنها المشاركة (الجماعيّة) الرسميّة العربيّة في مؤتمر (أنابوليس)، هي التي أدّت إلي تأجيل مؤتمر كان سيشكّل حدثا كبيرا لو عقد في حينه.
من جديد تلقيت مع غيري دعوة لحضور المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي سينعقد في دمشق في الفترة بين23و 2008/1/25 تحت شعار: المؤتمر الوطني الفلسطيني للتمسّك بالحقوق الوطنيّة الثابتة للشعب العربي الفلسطيني ـ الوحدة الوطنيّة طريق للتحرير والعودة.
شعار المؤتمر الذي سنعقد بعد التعليق ، أو التأجيل، والذي رأي كثيرون أنه سيكون رسالة فلسطينيّة قويّة قبل أنابوليس، لا خلاف عليه، فالحقوق الثابتة يفترض أن يلتف الجميع حولها، ولكن الشعار شيء وواقع الحال شيء آخر.
في الدعوة للمؤتمر المؤجّل ثبّتت أربعة بنود، أوّلها: دعوة لمواجهة الأخطار التي تتهدد القضيّة الوطنيّة، والبند الثاني: وضع آليات لمعالجة حالة الانقسام الفلسطينيّة من خلال الحوار الوطني، والبند الثالث: التأكيد علي حّق شعبنا في استمرار المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني باعتبار ذلك الشكل الرئيس لأشكال النضال الوطني من أجل تحقيق الأهداف الوطنيّة لشعبنا، والبند الرابع: التأكيد علي التمسّك بحّق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم وممتلكاتهم، واعتبار حّق العودة حقّا فرديا وجماعيّا لا يحّق لأي جهة التنازل أو المساومة عليه.
في الدعوة الجديدة بندان، أوّلهما بدأ يفجّر خلافا حّادا.
يقول البند الأول في الدعوة: التمسّك بالحقوق الوطنيّة الثابتة للشعب العربي الفلسطيني، وفي المقدمة منها حّق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم...
هذا نصف البند الأوّل، ولا خلاف عليه، ولكن النصف الثاني هو المشكلة، وهو: و..إقامة دولة وطنيّة فلسطينيّة مستقلّة وذات سيادة علي كامل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967.
لقد أسقطوا (كامل)، وكامل هذا سألت عنه بصوت عال غاضب ساخر أحد الخطباء في قاعة جمال عبد الناصر في بيروت في العام 74، عندما بدأت طروحات (الدولة الفلسطينيّة)، وعملية التمهيد للتنازل عن الأهداف الاستراتيجيّة للثورة الفلسطينيّة. ذلك الخطيب بالصراخ والدمغجة أراد تمرير شعار دولة فلسطينيّة علي الأرض التي ينسحب منها الاحتلال، فرفعت صوتي في القاعة: أين كامل يا أخ .. أين كامل؟!. ويومها انفجرت القاعة بالضحك، وتردد هذا السؤال: أين كامل يا أخ؟!
كامل التراب الفلسطيني بدأوا التنازل عنه مبكّرا يمينا ويسارا ووسطا، وهذا ما حدث في المجلس الوطني عام 74، عند موافقة أطراف التحقت بالمنظمة وانضمت للجنة التنفيذيّة بعد الموافقة علي برنامج النقاط العشر الذي نسف الميثاق الوطني، وهدف التحرير!
كيف يدعي إلي مؤتمر وطني فلسطيني للتمسّك بالثوابت، ثمّ في النصف الثاني من البنّد الأوّل تنسف الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين، ويلتحق (المعارضون) بأصحاب طروحات (السلام) التي بدأت في منتصف السبعينات وتكللت بمسيرة (أوسلو) التدميريّة؟! من يقفون وراء الدعوة للمؤتمر يريدون حضور مئات الشخصيات الوطنيّة، والثقافيّة، والفكريّة، والكفاءات، إلي مؤتمر جوهر شعاره: دولة فلسطينيّة علي أراضي الـ67، وهذا يعني أنهم يريدون استغفال مناضلين يتميّزون بثبات المواقف، والخبرات، ازدادت قناعاتهم صلابة بعد سلام أوسلو، وانحياز الإدارة الأمريكيّة السافر للمشروع الصهيوني، والذي بات عدوانيّا ومستهترا بحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وهو ما تجلّي في تصريحات بوش قبل أيّام في زيارته الشرق أوسطيّة، التي وصفها رموز السلطة بالتاريخيّة ؟!
عام 88 دعيت كعضو مجلس وطني فلسطيني للمشاركة في الدورة التي عقدت في (قصر الصنوبر) في الجزائر، فرفضت المشاركة بعد أن تأكدت أن السائرين وراء وهم (السلام) سيعلنون الدولة الفلسطينيّة، لأنني ما كنت أرضي لنفسي أن أشارك في الترويج للوهم، والتخلّي عن عدالة القضيّة الفلسطينيّة، وأهداف الثورة الفلسطينيّة التي انطلقت لتحرير ما اغتصب من وطننا عام 48 ...
بعض الذين يقفون وراء هذا المؤتمر، أعلنوا دائما أن فلسطين هي أرض (وقف)، وأنها لا تقبل القسمة بيننا وبين الصهاينة، وأن تحرير بيت المقدس من دنس الاحتلال الصهيوني هو الغاية من المقاومة...
هؤلاء يريدون تمرير رسالة عبر المؤتمر، بأنهم يجنحون للسلم ، وأنهم يمكن أن يكونوا العنوان للتفاوض معهم، وأنهم أقوياء بالتفاف هذه القوي التي ستشارك في المؤتمر، حولهم .
هذا الخطاب السياسي لا يختلف أبدا عن خطاب التسوويين الذين ما زالوا يتشبثون بخيار(السلام)، ويتباهون بخيارهم هذا في حضرة جورج بوش الأكثر صهيونيّة من شارون وباراك ونتنياهو وبيغن وبيريس وبقيّة عتاة الصهاينة القتلة، والذي لم ترمش جفونه وهو يعلن (يهودية) الكيان الصهيوني، والتعويض علي الفلسطينيين ماليّا.. و.. مطالبة جماعة السلطة بالقضاء علي مطلقي (الصواريخ) و..وتوجيه الأوامر لحكّام العرب بمّد اليد للكيان الصهيوني و.. تسديد البنادق والمدافع صوب طهران!
ثمّة من لن يشاركوا في المؤتمر ما دام هذا البند مثبّتا ـ وهو ليس زلّة لسان، ولكنه انحراف تفكير ـ ! وثمّة من سيشاركون ليخوضوا معركة داخل المؤتمر، وسيكونون معززين بمبدئية عرفوا بها، وبعدالة قضيّة لحق بها أذي كثير من قيادات متتالية برهنت علي قصر نظر، كما هو الأمر في وضعنا الراهن. هناك من يريد الهيمنة علي المؤتمر، والتحكّم به، وجعله (ورقة) يناور بها، وهذا الطرف لا يستطيع الادعاء بأن نصف البند المشار إليه قد مرّر في رسالة الدعوة دون علمه!
عندي توقّع أن لا توافق (الجهاد) علي هذا الطرح، أمّا الجبهة الشعبية فموقفها بعدم المشاركة بات محسوما، فهي لن تشارك ولها أسبابها التي ستعلنها. ولأن جماعة (أوسلو) في رام الله سيجدون في انعقاد المؤتمر فرصة للتصريحات ، والتذكير بالشرعيّة، واتهام كل من يلتقي وتحت أي شعار خارجا عن الشرعيّة، وقد يتمادي بعضهم فيتهم (عاصمةً) عربيّةً بأنها وراء المؤتمر.. دون أن يتفضلوا ويحددوا أين يمكن للفلسطينيين أن يلتقوا ليتحاورا، وهذا غير متوفر في رام الله التي رأينا فيها هراوات جلاوزة السلطة وهي تنهال علي رؤوس متظاهرين رفعوا أصواتهم ولافتاتهم في وجه بوش الصهيوني الذي جاء في آخر أيام ولايته ليشطب القضيّة الفلسطينيّة، ويلغي كل قرارات الشرعيّة الدوليّة التي صدرت وفي مقدمتها القرار 194 الذي ينّص علي حّق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلي ديارهم.
نصف البند الذي توقفت عنده، والذي سيكون محور الجدل، والنقاش، والصراع في المؤتمر، يدّل علي أن الصراع لم يعد علي رؤية طبيعة الصراع وكيفيّة حلّه، فالسقف المنخفض بات واحدا، وتحته يدور صراع بين طرفين فلسطينيين لم يعد ثمّة تمايز بينهما في الطرح والخيار!
يبرر جماعة أوسلو انخراطهم في عملية السلام بأنهم قاتلوا وقدّموا الشهداء، فبماذا يبرر من وضعوا نصف البند(اللغم) في الدعوة التحاقهم ومنافستهم لجماعة خيار السلام؟
أرفع صوتي كمؤمن بعروبة فلسطين كاملة غير منقوصة، أنا الذي آمنت أنه صراع وجود لا صراع حدود، وبأن فلسطين عربيّة من نهرها لبحرها.. بعد ثلاثين سنة من صرختي في قاعة جمال عبد الناصر ببيروت: أين كامل، أين كامل.. هي .. أنتم.. أين كامل؟!
كامل ليس لكم إنه لشعب فلسطين، ولكّل عربي يؤمن بعروبة فلسطين ..كامل لا يقبل القسمة...