أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !

بقلم : علي الكاش ... 17.3.08

من البديهيات إن لرؤساء الدول والملوك حصانة دبلوماسية وسياسية متعارف عليها تستوجب الحذر والتعامل معها بمرونة ولياقة, انطلاقا من أنهم يمثلون شعوبهم ويعتبرون رموزا لبلادهم, وان التعرض لهذه الرموز يعني التعرض لكرامة وسيادة وهوية هذه الشعوب, وبغض النظر ن طبيعة هؤلاء الزعماء واتجاهاتهم السياسية ونزعاتهم الشخصية ودارتهم لدفة الحكم في بلدانهم, وبالرغم من أنهم قد يعاملون بطريقة قد تكون أحيانا بعيدة عن اللياقة والاحترام في مناسبات عدة من قبل شعوبهم نفسها لكن هذه بحد ذاتها تعتبر من التقاليد الديمقراطية التي تعودتها الشعوب, فعندما تخرج تظاهرات حاشدة ضد سياسة الدولة وترفع لافتات مناهضة للرئيس أو يتعرض إلى انتقاد حاد أو يصور بكاريكاتير مضحك أو يمر بموقف محرج كأن يقذف بالبيض و الطماطم من قبل فئة مناهضة أو غاضبة من شعبه فإن الأمر يفسر بحرية الشعب وديمقراطية الحكم, لكن أن يقذف بذلك في دولة أخرى من قبل غير شعبه فأن الأمر يتحول إلى كارثة سياسية ومشكلة ثنائية وربما تتحول إلى دولية. ويحدثنا التأريخ عن الكثير من الحروب التي جرت بسبب مثل هذه الانتهاكات.
أذن هناك من المحظورات في السياسة الدولية التي لا بد من التعامل معها بحذر وتوجس, لذلك اضطلعت وزارات الخارجية في دول العالم بتنفيذ البروتوكول وتنظيم العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف بما يؤمن الاحترام المتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية والتعامل مع المشاكل الدولية عبر القنوات الدبلوماسية, وقد يبدو من المألوف أن ينتقد رؤساء الدول بعضهم البعض بسبب حالات الاحتقان السياسي أو الحروب والنزاعات وغيرها من الأسباب, وأحيانا قد توجه الانتقادات من رؤساء الحكومات أو كبار المسئولين ولكن بعد مشاورة وزارة خارجية بلدانهم فالمرونة هي واحدة من أهم متطلبات التعامل الدبلوماسي, خصوصا أنه في السياسة لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون, فالمصالح هي البوصلة التي تتحرك بموجبها سياسات الدول الخارجية ونظرا لعدم وجود ثوابت فان المرونة والشفافية تصبح واجبة الضرورة.
الفوضى الخلاقة في العراق خلق فوضى عارمة في كل مفاصل حكومات الاحتلال ووزرائها ومؤسساتها وأحزابها السياسية, وتخرج من أروقتها المظلمة عددا من الكوادر على درجة عالية من الفوضى والانتهازية والعمالة تقمصوا أشكالا مختلفة منهم وزراء ومعممون وأساتذة جامعات وضباط كبار ورؤساء أحزاب سياسية وإعلاميون وصحفيون قاموا بترويج بضاعتهم الكاسدة في سوق الفوضى العارم ينافس كل منهم الآخر في الرذالة والخسة واللامسئولية, وفي كل الأحوال كان المواطن العراقي هو الضحية الذي يدفع فاتورة هذه الفوضى كما هو شانه عبر مراحل التأريخ.
لم تكتف هذه الحفنة الضالة من العملاء بترويج بضاعتهم العفنة على العراقيين فحسب بل قاموا بتصديرها إلى الدول الأخرى متجاهلين حقائق التأريخ وحقيقتهم المرة, فعندما يقود الدول شر من خلق, تتعوذ الشعوب برب الفلق, وعندما يتصرف كل مسئول كأمير تتحول الدولة إلى حظيرة للحمير, وتسقط هيبتها وتتعفر بالتراب, وعندما تطلق ألسنة المسئولين على عنانها مثلما تطلق خيول السباق, تسقط كل الرهانات على تحقيق الفوز, وعندما لا يحاسب المسئول على هفواته وسقطاته أقرأ سورة الفاتحة على العملية السياسية, وعندما لا تتوقف حريته أمام علامة المرور الحمراء, فأنه سيصطدم بحريات الآخرين ويمنعهم من حقهم بالمرور.
بناء الدول ليس بالأمر الهين, وتخريب البلاد والسعي مجددا لبنائها على أسس مختلفة هو الأكثر صعوبة, أنه يحتاج إلى الكثير من التجارب الخبرات والكفاءات, وكذلك إلى تراكم معرفي وتخصصي وفائض من المبادئ الوطنية, والتخصص سيد المواقف لذلك جاءت المقولة الشهيرة" الشخص المناسب في المكان المناسب" كخطوة أولى لبناء الأمم والنهوض بها وتحقيق أكبر قدر من الرفاه لشعوبها وهذه من أهم الفوارق بين الدول المتقدمة والدول النامية, فالدول المتقدمة تراعي هذه المسألة على المستوى العام والخاص, والدول النامية تشذ عنها بنسب متفاوتة, وان تفاقمت الأمور سوءا كما عليه في العراق ظهر نوع ثالث من الدول وهي الدول النائمة؟
من إفرازات الاحتلال السامة كان نظام المحاصصة الطائفية الذي بسط ظلاله على كل الخارطة العراقية, وما زلنا نجني حصاده المر في كل ساعة بل في كل دقيقة, وبالرغم من أن المندوب غير السامي بريمر قد فرض هذا النظام البغيض على حكوماته العقيمة, فأن النخبة التي جاءت بها قوى الاحتلال مازالت متمسكة به كمبدأ ثابت وحق مكتسب بالانتخابات, باعتباره العروة الوثقى للمحافظة على الامتيازات التي كانوا يحلمون بها في يوم ما وحققها الاحتلال لهم في غفلة من الزمن والعقل؟
حتى التكنوقراط الذين وعد بهم الاحتلال لقيادة العملية السياسية فقد تبين إنهم لا يحملون قيراطا من العلوم والمعارف التي تشدقوا بها, فقد تبين من خلال ممارساتهم المسئولية بأنهم ليس إلا نتاج هش من فوضى وتسيب عارمين, ولا حاجة إلى الاستشهاد بعدد من هؤلاء الشراذم البشرية فهم متساوون كأسنان المشط في عمالتهم وتفاهتهم ونذالتهم, ويكفيك إن تعرف بأن مجاري الفساد الإداري والمالي فاضت على جميع الوزارات والمؤسسات العراقية بلا استثناء ففاحت جيفتها لتزكم الجميع.
هؤلاء الغرباء الوافدون على ظهور الدبابات الأمريكية والبغال الإيرانية لا تتجاوز معرفتهم السياسية أكثر من مفاهيم الطابور الخامس والعمالة و الفوضى والمحسوبية والمنسوبية والفساد بكل صنوفه, ودستورهم "كتاب الأمير" لميكافللي بكل ما حوي من توصيات وإرشادات لقتل الشعوب وإذلالهم, ومذهبهم " الوصولية" للوصول إلى أعلى المناصب و" النفعية" على حساب كل القيم والمبادئ السماوية والوضعية, وقبلتهم محراب الاحتلال الذي يتعبدون به ويسبحون بحمد الإله بوش الذي خلقهم من جيف ونتانة.
إنهم لم يكتفوا بما حققوه من دمار وتخريب وقتل وسلب ونهب للوطن الجريح, بل تجاوزوا ذلك إلى سلخ العراق من قوميته وعروبته وثبتوا ذلك في دستورهم المسخ مراعاة لأقلية تحولت لأكثرية في غفلة من العقل والحكمة والحقيقة, وعلى حساب أكثرية تحولت إلى أقلية حسب موازين الاحتلال وخططه الرامية إلى خلق أمارات عراقية هشة تحت يافطة الفدرالية. تجاوزاتهم لا يفصلها حدود, وحماقتهم تقهر الحديد, وعنجهيتهم أعلى من السحاب, وصلافتهم حادة كبراثن الذئاب, وصوتهم أشد من فحيح الأفاعي, ورعونتهم تجاوزت الآفاق.
لا يعرفون الأبجدية من واجباتهم ولا حدود مسئولياتهم فيزيدون حملنا الثقيل أحمالا, ويعتبرون كل من يكشف حقيقتهم وحقيقة الاحتلال من أعداء الديمقراطية والحرية ويغلفونه بمغلفاتهم الغريبة, تكفيري, إرهابي, من أزلام النظام,سلاطة لسانهم تنزلق في أفواههم كرذاذ التفال, لم تقف عند حدود وجوههم الصفراء بل تتجاوزها إلى الآخرين من العراقيين والعرب, من ضمنهم ملوك و زعماء وقادة, فمنذ بداية الغزو الغاشم على عراقنا الحبيب جرت عملية أنقضاض غريبة على الدول العربية والجامعة العربية بدون مسوغات, يعيبون سكوتهم على انتهاكات النظام السابق كما يزعمون, وفي نفس الوقت يطالبونهم بالسكوت عن الجرائم والانتهاكات التي تجري حالياً, ينفخون أنفسهم كالطاووس عندما يتحدثون عن الديمقراطية, ويخفون رؤوسهم كالنعامة عندما يناقشهم البعض عن انجازاتهم التي حققوها في ظل الاحتلال, انتخابات شفافة ونزيهة, حكومة منتخبة بشفافية, دستور صوت عليه بالأكثرية, ثم يسكت شهريار عن الكلام المباح, حيث تتوقف الانجازات عند هذا الحد, لتبدأ سلسلة لا تنتهي من الجرائم بحق الشعب العراقي والأمة العربية.
ومع كل هذا لا يلجمون فحيحهم اللاذع عن الإساءة للأنظمة العربية التي تتأمل المشهد العراقي وتتعوذ من الله بأن لا تشع ديمقراطية العراق عليها, فمازال وقع كلام الوزير الصولاغي على المملكة العربية السعودية يؤلم المسامع, عندما شبه أشقائنا براكبي الجمال متناسيا أن الرسول الكريم(ص) ركب الناقة, وبني مسكنه حيث بركت ناقته, ومازال هجوم نائب رئيس المجلس الوطني وجلال الدين الصغير على الرئيس القذافي يحز في النفوس, بعد أن استنكر طريقة إعدام الرئيس صدام حسين, لكنهم صمتوا كالقبور عندما استنكر الرئيس بوش وبلير أنفسهم طريقة الإعدام! وما زال وقع كلام الرئيس الطلباني مؤلما على الشقيقة سوريا عندما طالبها بضبط حدودها ومنع تصدير الإرهابيين للعراق, دون أن يدرك أن بلده أمسى مصنعا للإرهاب يغطي العالم كله بفعل قوات الاحتلال التي جعلته ميدانا لمحاربة الإرهاب, بعد أن كانت مصنعا للثقافات وقبلة للحضارات, ودون أن ينضح عرقا وهو يرى هذا البلد الشقيق رغم ضآلة موارده فأنه كرمه تجاوز كل الحدود باحتضانه أكثر من مليون عراقي, بل وأحتضن سابقا الطلباني نفسه ومنحه جواز السفر السوري, كما احتضن بقية زمرة المعارضة التي تحكم العراق في ظل خيمة الاحتلال.
يطالعنا هذه المرة رئيس ما يسمى بالمجلس الوطني محمود المشهداني وهو المعروف بطيشه وفلتاته وشطحاته عدم اتزانه, بالتهجم على الشقيقة ليبيا بطريقة بعيدة عن الذوق واللياقة ولا نقول الدبلوماسية لأننا لا نتصور إن المشهداني قد تعرف بها أو أطلع عليها, هجومه هذه المرة أخذ طابعا أمريكيا فقد لبس الكابوي والقبعة ودخل حانة مؤتمر البرلمانيين العرب, متوعدا ليبيا ومتهما نظامها الوطني بدفع أموال مقابل أعمال إرهابية بسبب امتناعها عن المشاركة في مؤتمر الاتحاد البرلمانيين العرب الذي عقد في أربيل, ويكمل جملته غير المفيدة " نحن ربما بنظر الليبيين دولة محتلة, ولكننا لم ندفع أموالا مقابل عمل إرهابي" ؟
وهنا لابد من توضيح بعض النقاط المهمة ومنها, كيف حصل المشهداني على معلومات بأن ليبيا تدفع أموالا للقيام بأعمال إرهابية؟ وهل شملت هذه الأعمال العراق ومتى؟ وما الذي جعله يصمت عن هذا الموضوع ويتحدث به الآن؟ وهل توجد وثائق تدعم كلامه أم مجرد تكهنات في غير موضعها أو ترديد الببغاء لما يقوله مدربها الأمريكي؟ أليس من الأجدر أن يطرح الأمر على الحكومة الليبية قبل أن يطرح على وسائل الأعلام بهذه الطريقة السمجة؟ وان ثبت عدم صحة الإدعاء هل يعلم بأن في وسع الحكومة الليبية أن تقاضيه بسبب تشويه سمعتها؟
وعلى أي أساس يعتبر ليبيا محتلة من قبل الولايات المتحدة؟ فهل تعرضت إلى غزو دون معرفة دول العالم واقتصرت الرؤيا على المشهداني الذي يعاني من قصر نظر طبيعي وسياسي؟ وإذا كانت ليبيا محتلة فكيف سيكون موقف العراق باستخدام نفس المقياس؟ وهل يوجد في ليبيا (150) ألف جندي أمريكي؟ وهل يسكن الرئيس القذافي وحكومته في المنطقة الخضراء تحت رعاية وحماية الأمريكان؟ وهل تجول وتصول الدبابات الأمريكية في العاصمة الليبية وبقية المحافظات؟ وهل يحضر رؤساء دول وحكومات إلى ليبيا دون معرفة الرئيس القذافي ويفاجئونه في مكتبه؟
من ثم كيف يرفض المشهداني تسمية العراق" محتلا" من ثم يناقض نفسه ويعترف بهذا الاحتلال بقوله " إذا كانت الدول تحتل العراق فيبدو أن الدول نفسها تحتل النظام في ليبيا"! من ثم يطلب من النظام الليبي" أن يساعد العراق بالتخلص من الاحتلال" ويطالبه كأنه وصي على الشعب الليبي بمقاطعة الدول التي تحتل العراق؟
إن كنت تعرف بأن بلدك محتلا وتسكت فتلك مصيبة, وإن كنت لا تعرف فتلك كارثة! رئيس مجلس النواب يعيش في المنطقة الخضراء وتحت حماية الأمريكان ويجتمع مع نوابه تحت ظلال حمايتهم أيضا وهو غير قادر على أن يحاجج - ولا نقول يحاسب كي لا نحرجه- جندي أمريكي يحرس مجلس نوابه المنفلت, ولا يستطيع أن يحفظ كرامة نوابه الذين داستها أقدام الأمريكان عند تفتيشهم أو حجزهم كما حصل مع ممثلي التيار الصدري, لأنه يعرف بأن مصيره سيكون عندئذ كمصير رئيس مجلس الحكم السابق عبد الحميد محسن. ومع هذا فأنه يتبجح بأن العراق ذو سيادة وغير محتلا!
أما مطلبه بمساعدة ليبيا في إنهاء احتلال العراق, فهو طلب غريب في بابه وتوقيته سيما بعد توجيه مثل هذه الإساءة الجارحة! ونتساءل:- أليس من الأجدر بالمشهداني كعراقي أولا وكرئيس مجلس النواب ثانيا, أن يجد ويجتهد لإنهاء احتلال بلده ومن ثم يطلب المعونة من الآخرين؟ ألا يعلم المشهداني بأن إنهاء الاحتلال يعني إنهائه وزمرته الضالة ممن جاء على ظهر الدبابات الأمريكية والبغال الإيرانية؟
وحتى تكتل الصورة فأن نائب رئيس المجلس الذي لا يقل هفوات عن رئيسه أعترض على ممثل الجامعة العربية عندما ألقى كلمة في المؤتمر البرلماني أشار فيها بأن العراق دولة تحت الاحتلال
وكانت مداخلة خالد العطية أطرف من هفوة ولي أمره المشهداني عندما ذكر" لو كان العراق بلدا محتلا لما بقي عراقي واحد لم يخرج لمقاومة الاحتلال" وقد أيده المخ رافي رئيس مجلس الأمة الكويتي في طرحه لأسباب غير خافية على الجميع.
ونحن نستمع إلى هذه المهاترات ليس بوسعنا إلا أن نقول للزعماء العرب والأشقاء العرب, بأن هذه الطفيليات التي تعيش في مستنقعات الاحتلال والتي تتغذى من دماء شعوبها لا تمثل الشعب العراقي الذي ابتلى بها, فالعراق منكم واليكم وهو جزء لا يتجزأ من هذه الأمة العربية العظيمة, ومهما حاول عبيد الدولار والشيطان الأكبر أن يسلخوه من هذه الأمة فان محاولاتهم ستفشل, فالأمة العربية من المحيط إلى الخليج كجسم الإنسان لا تكتمل صورته إن بتر منه عضوا لا سامح الله. ونسألهم المعذرة من تفاهات من ابتلينا بهم كحكام فرضوا علينا من قبل قوات الاحتلال, ونتذرع إلى الله سبحانه تعالى بقولنا" اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء بنا".

*كاتب ومفكر عراقي