بقلم : رشاد أبوشاور ... 2.4.08
حرب الأرض مستمرّة !
بقلم : رشاد أبوشاور..2.4.08
يوم الأرض 30 آذار (مارس) 76، هو عنوان لعهد متجدّد، بين الفلسطيني ووطنه...
قال لي أحد أهلنا في فلسطين عام 48: بستة شهداء أنقذنا أرضنا من المصادرة، وكنّا متهيئين لتقديم مئات الشهداء...
في ذلك اليوم، قبل 32 سنةً، انتصر الدّم الفلسطيني علي السيف الصهيوني، علي الخوف، والتردد، واللامبالاة، التي حسبها قادة الكيان الصهيوني دليلاً علي نجاحهم في تدمير روح الانتماء، والمقاومة، والتشبّث بالهويّة، والأرض، وبدء القبول بالعيش في معازل.. أي نجاح الحّل علي الطريقة الأمريكيّة مع من بقوا أحياء من (الهنود) الحمر!
أوّل من استيقظ علي يوم الأرض، ونداء والدم والجسارة، هو الشعب الفلسطيني في الضفّة الغربيّة والقطاع، وفي مخيمات اللجوء، وبلدان الشتات، والمنافي البعيدة.
يوم 30 آذار (مارس) 76، هو يوم لتجدد حيويّة الروح، واستعادة المبادرة لأهلنا الذين تبيّن أن عزيمتهم لم تهن، رغم مرور قرابة ثلاثة عقود علي نكبة 48، آنذاك.
جيل فلسطيني ولد، وكبر، تحت الاحتلال، هو الجيل الذي انفجر نافضا الخوف، واهبا الدّم، مشعلأ نهارا جديدا لفلسطين كلّها، من نهرها لبحرها،ومن شمالها لجنوبها.
كانت المقاومة هي بشارة ما بعد هزيمة حزيران (يونيو) 67، ويوم (هبّة) الأرض تمّ اكتمال حضور شعب فلسطين، داخلاً وخارجا، في فعل كفاحي، يعلن للعالم: شعب فلسطين حّي، فلا المنافي، ولا سياسات الاحتلال، تمكنت من أن تكسر إرادته، وتلغي شخصيته، وتغيّب حقّه في وطنه، فصاحب الحّق حّي، معافي، متجدّد الطاقة.
الحرب علي الأرض في فلسطين، بدأت مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما اشتبك الفلاّحون الفلسطينيّون مع المستوطنين الغزاة الصهاينة، وحتي يومنا هذا، ما زالت هذه الحرب مستمرّة.
هي حرب علي الأرض، وهي حرب لا مفاوضات ولا اتفاقات سلام تنهيها، لأن الصهاينة لم يتركوا سياسة عدوانيّة، اجتثاثيّة، تهجيرية، إلاّ واقترفوها، غير آبهين بقرارات الأمم المتحدة، لأن فكرتهم الأساسيّة قامت علي ممارسة القوّة، والعنصريّة، والعدوان.
في هذا العام 2008، تشتّد وتتصاعد حرب المحتلين الصهاينة لنهب الأرض الفلسطينيّة، رغم احتفالهم بعيد ( الاستقلال) وتأسيس ( الدولة) قبل ستيّن عاما، مّما يدلل علي أن شعب فلسطين ما زال في الميدان، ولن يرفع الراية البيضاء...
داخل فلسطين عام 48، تهدم الجرّافات البيوت، وتحاول اقتلاع الفلسطينيين في المدن (المختلطة) ـ التي فيها عرب أصلاء، يعيشون في بيوتهم، وأحيائهم، التي بناها أسلافهم ـ ويهود جلبوا من أربعة جهات الدنيا شرقا وغربا، من أمريكا، وروسيا، وحتي أثيوبيا، في خلطة عرقيّة عجيبة يمتزج فيها الأبيض، والأسمر، والأسود و..بادعاء نقاء العرق، والدّم، والعقيدة!
في هذه الحرب المحتدمة، يعود اسم يافا في العام 2008، فنسمع لأوّل مرّة عن مسيرة ضخمة لفلسطينييها، الذين يتصدّون لسياسة الاقتلاع، والتدمير، والتهجير.
ونتابع ما يجري لقري البدو الفلسطينيين، هناك في النقب، الذين يتشبثون بأرضهم ...
وفي الرملة، واللد، ويافا،تتّم المواجهات مع سياسات لم تتراجع يوما عن ممارسة اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، بالتيئيس، والتجويع، وممارسة أبشع السياسات العنصريّة، في التعليم، والعمل، و..الأخطر : انتزاع الأرض، مصدر رزق الفلسطيني، والمكان الذي يبني عليه بيتا، وينشئ أسرةً، ويمارس حياته الإنسانيّة.
أثبت أهلنا في عرّابة، دير حنّا، سخنين، في الجليل، والمثلّث، بالدم، والصدور العارية الممتلئة إيمانا، أن الحرب علي الأرض لم تنته عام 48، وأن انتصار هذا العدو الصهيوني الشرس، لم يتحقق بعد، وأن الحرب مفتوحة ...
هي حرب شرسة لا تتوقّف، يستعيد شعبنا في غمارها روحه، ويواجهها بقواه الحيّة التي تقوده ميدانيّا.
بدأ شعبنا نضاله ضد سياسة الاقتلاع بقيادة الشيوعيين الفلسطينيين، ثمّ حملت الراية العربيّة حركة (الأرض) التي في مقدمّة رموزها : صالح برانسي، ومنصور كردوش...
ثمّ ظهرت حركات، وأحزاب، بعد أن نكّل الاحتلال بقادة حركة الأرض، سجنا، وتشريداً، ومطاردةً، منها: أبناء البلد، والتجمّع، والحزب العربي...
كلّما برزت قيادات فلسطينيّة في الداخل، فإن الملاحقة، والسجن، والإقامة الجبريّة، تكون بالمرصاد لها..وهو ما يحدث حاليّا مع: الشيخ رائد صلاح، محمد أسعد كناعنة، عزمي بشارة ...
شعبنا المبدع نضاليّا، في يوم الأرض، في الذكري الثانية والثلاثين، يشكّل لجانا في القري، للدفاع عن أرضه، ويرفع شعار الوحدة الوطنيّة ـ السلاح الأمضي في المعركة ـ ويتظاهر في عرّابة رافعا راية فلسطين الأكبر في مسيرته الحاشدة هذا العام، والتي تقدّم الصفوف فيها قادة التيارات الوطنيّة الفلسطينيّة: إسلاميّة، قوميّة، يساريّة ...
هذا العام هو ذروة معركة الأرض، فعدونا يصادر، يهدم البيوت، في فلسطين المحتلّة عام 48.
وهو يصادر، يوسّع الاستيطان، يخنق القدس، ويمزّق الضفّة بالحواجز، ويجعل الحياة فيها وفي قطاع غزة المحاصر جحيما، بالاغتيالات، والهجمات الصاروخيّة...
قادة الكيان الصهيوني يواصلون حربا خطط لها، وقادها من سبقوهم، أولئك الذين أورثوهم العنصريّة، وعدم سماع أي صوت لا يبارك احتلالهم، وحروبهم، وتوسعهم.
هم يخوضون حربهم منذ ستين عاما، بقوّاتهم المدججة بالسلاح، وهي امتداد لحرب من سبقهم، سياسيّا، وديبلوماسيّاً، و.. تسللاً إلي فلسطين بالرعاية البريطانيّة ...
شعبنا الفلسطيني يخوض معارك متلاحقة، في مواقع متفرّقة، وأحيانا متباعدة، خارج أرضه، تقوده قيادات جعلت من الاستراتيجيّة تكتيكا، بأفقها الضيّق، ونفسها القصير، قيادات تعلن ليل نهار تشبّثها بخيار السلام، في مواجهة عدو ليس عنده سوي خيار واحد: الحرب، وجوهرها نهب الأرض...
الكيان الصهيوني تقوده قيادات متصارعة علي الحكم، متباينة سياسيّا، ولكنها جميعها لها هدف واحد: الاستيلاء علي كّل أرض فلسطين، وجعلها (دولةً) لليهود، و..اجتثاث عرب فلسطين بالكامل، وطردهم بعيدا عن أرضهم!
الأمر عندنا مختلف تماما، فالقيادات الفلسطينيّة، منذ أوسلو تحديدا، أضعفت شعب فلسطين، عزلت القضية الفلسطينيّة، بددت التعاطف مع شعب فلسطين ..واكتملت المصيبة بصراع القيادات السابقة و..اللاحقة، علي السلطة، رغم أن العدو لم يبق أرضا (للتسلطن) عليها !
شعبنا في الـ48 بدأ بتشكيل اللجان للدفاع عن الأرض.. فلماذا لا نبدأ بتشكيل اللجان في الضفّة والقطاع للدفاع عن الأرض؟
لماذا لا نتجاوز قيادات مزّقت الصفوف، لا تستجيب لنداءات الوحدة الوطنيّة، تمضي بلا مكابح في الهاوية، بسبب وهم سلام لم يجلب سوي ضياع الأرض، وتبديد وحدة الشعب؟!
وصية فلسطيني:
أعرف أن الأعمار بيد الله، وأن النفس البشريّة لا تعرف بأي أرض تموت، ولذا أوصي بما يلي: عندما يأتي أجلي، أرجو من أسرتي، تكحيل عينيّ بحبّات من تراب فلسطيني، ووضع (الصرة) التي مزجت فيها ترابا أحضره لي الأصدقاء من جبل الكرمل وشاطئ حيفا، والخليل، وبيت لحم، ونابلس، وأريحا، ورمال شاطئ غزّة، في يدي اليمني، فإنني أريد أن ألقي وجه ربّي وترابي في يميني، لتكون صرّة التراب شفيعي، وشاهدي، فأنا لم أفرّط، ولم أتسامح، بحبّة من تراب أرض وطني، ولم يهن إيماني، ولم يتزعزع للحظة، بعروبة فلسطين!