بقلم : رشاد أبوشاور ... 27.3.08
مع مطلع العام السادس للاحتلال الأمريكي للعراق، نبدأ من المشهد في المنطقة الخضراء، فقد اشتعلت تلك المنطقة بصواريخ الكاتيوشا التي انهمرت عليها، ودكّتها دكّا متواصلاً، بحيث عجزت قوّات المارينز من الرّد علي غضب الرّب، وعراق المقاومة، النازل من سماء العراق، علي رؤوس المحتلين، وأتباعهم.
المنطقة الخضراء تغطّت بسحب الدخان المتصاعدة، والتي نقلتها الفضائيّات للمشاهدين في العالم، من قلب تلك المنطقة التي لم تمنح المتحصنين فيها أمنا.
المنطقة المحصنّة الخضراء تلك، يعيش فيها المحتلّون والتابعون لهم، تحت الأرض، لسبب غير خاف، وهو أنهم لا يأمنون علي أنفسهم فوق الأرض، لا في قلب بغداد، ولا علي امتداد أرض العراق، فالمقاومة ضيّقت عليهم العراق، وحشرتهم في منطقة هي هدف لصواريخ الكاتيوشا منذ خمسة أعوام.
المنطقة الخضراء تلقّت رشقات من صواريخ المقاومة، في الذكري الخامسة للحرب العدوانيّة، وفيها رسالة للأرعن بوش، الذي هبط علي ظهر حاملة أمريكيّة في مشهد سينمائي هوليوودي، ليزّف لأمريكا والعالم نبأ انتهاء الحرب، والانتصار الأمريكي المؤزّر، وتقديم نفسه كقائد ورئيس منتصر، كسب حربا بكلفة تكاد لا تذكر!
في مطلع العام السادس للاحتلال و..انطلاقة المقاومة، بعد مشهد ساحة الفردوس الذي أدمي قلب بغداد، وجرح قلوب ملايين العرب، ارتفعت خسائر أمريكا بوش إلي أربعة آلاف قتيل ـ هذا الرقم المعترف به ـ ناهيك عن ألوف الجرحي الذين خرجوا من المعركة نهائيّا، وألوف المرضي نفسيّا، وبدنيّا، بسبب الغازات التي استخدمها جيش الاحتلال، والذين اكتشفوا خدعة حرب بوش والمحافظين الجدد، وتوني بلير ـ يجب أن لا يغيب اسمه عن رأس قائمة مجرمي الحرب ـ الذين ساقوهم لخوض حرب ظالمة، قامت علي الكذب، فلا (قاعدة)، ولا أسلحة دمار، ولكنه النفط، والنفط، والنفط...
من بشّروا بنشر الديمقراطيّة في العراق بجنازير الدبابات، وحرائق الكروز والتوماهوك، أنجزوا في الخمسة أعوام المنصرمة : الدمار، والخراب، والتخلّف، والكراهيّة، وموت مليون عراقي، وتحويل العراق إلي مقبرة جماعيّة، ووطن للأمراض، والولادات المشوّهة، والجوع، وهجرة أربعة ملايين عراقي فرّوا بأسرهم من الموت المجّاني.
قبل خمسة أعوام كتبنا في هذه الصحيفة أن حرب بوش، وأمريكا، علي العراق، هدفها نهب نفطه، ووضع اليّد علي احتياطيّه من النفط، وتدمير وتفكيك العراق الوطن والدولة، خدمةً للكيان الصهيوني، بحيث لا يكون للعرب عمق، وظهر، وقوّة احتيّاطيّة جاهزة في كّل وقت أن تهّب لنجدتهم، ومدّهم بالعون.
تهديد العراق للكيان الصهيوني الذي ذاق الرعب من صواريخ الحسين والحجارة وأبابيل، ومن قبل من بطولات جيش العراق حتّي في أيّام الملكيّة في العام 48، ومن بعد في العام 67، وفي حرب تشرين 73، عندما تقدّمت جحافل ذلك الجيش العريق، وواجهت جيش العدو علي تخوم الجولان السوري...
عندما كتبنا بأن الاحتلال سيدفع الثمن، وأن أمريكا ستخسر، وستكون نهاية جبروتها في العراق، اعتبر كلامنا هذيانا، أو مجرّد رغبات، وأمنيات، ومكابرةً.
نحن راهنّا علي شعب العراق العريق، شعب الحضارات، والأنفة، وعشق الحريّة، ولم ننطلق من ولاء لنظام حكم، أو حزب، أو طائفة...
نحن انطلقنا في رؤيتنا من معرفتنا بتاريخ العراق البعيد، ومن تاريخه القريب، من انتفاضاته، وهبّاته، وثوراته، علي الانتداب البريطاني الاحتلالي، ومن وقائع نصرته لأمتّه.
نحن انطلقنا في تحليلاتنا من إيماننا بحّق أمتنا في الحياة، ومن إيماننا بحتميّة زوال المشروع الصهيوني الحليف الإستراتيجي لأمريكا الإمبرياليّة المتوحشّة.
نحن انطلقنا من أننا أمة واحدة، معركتنا واحدة، وأن الانتصار في العراق سيكون انتصارا للأمّة جميعها، بل للإنسانيّة جمعاء...
والعرب الذين استشهدوا في شوارع بغداد، وهم من أقطار عربيّة مشرقيّة ومغربيّة، جسّدوا هذا الإيمان، وردّوا للعراق بعض فضله، هو الذي علي ثري الأمّة قدّم الدم والتضحيات...
دكّ المنطقة الخضراء بالكاتيوشا، في مطلع العام السادس للاحتلال و..المقاومة، هو عمل قتالي، وإعلامي.. بامتياز، فالذكري لا تحبط المؤمنين، والمقاومين، ومن فضحوا مبكّرا أهداف الاحتلال الأمريكي للعراق...
من انتظروا من بوش وبلير أن يجلبا الحريّة للعراق، أمّا كانوا جهلة قصيري نظر، أو..ماذا ؟ خونة لوطنهم، وشعبهم..والعراق، وشعبه..بريئان منهم، هم الذين أمعنوا نهبا، وسرقةً، وبيعا، ثمّ هربوا ثروات كنزوها من دماء العراقيين ومعاناتهم، بعد أن (عادوا) بأسرهم إلي لندن وغيرها، ليعلن بعضهم وكأنما يبرئ نفسه بأن ما يحدث هو فشل للوعود الأمريكيّة!
لصوصا بدأوا حياتهم، ولصوصا يواصلون حياتهم المخزيّة، من هرب، ومن ما يزال يواصل جرائمه، ويخدم الاحتلال، لائذا بالمنطقة الخضراء، التي جعلتها المقاومة سوداء علي رؤوسهم، ورؤوس أسيادهم.
وعود الاحتلال الأمريكي بالديمقراطيّة ها هي ماثلة في العراق، فما رأي من نظّروا له، وبرروا بحجة القضاء علي الديكتاتوريّة؟
خمسة أعوام أما كانت كافية لتنظيم الكهرباء، وتحسين خدمة المستشفيات، والارتقاء بالتعليم، وتوفير مياه الشرب في بلد النهرين ؟!
خمسة أعوام أغرقت شعب العراق في صراع طائفي، وإثني، مفتعل، لإلهاء شعب العراق عن حقوقه، وأولها السيادة، وامتلاك الثروات..من يعرف أين تذهب عوائد النفط؟
مليارات بددها بريمر وبطانته ! من حاسبه، أو قاضاه، نيابة عن شعب العراق؟!
من يشعلون الفتنة الطائفيّة، هل يرجي منهم الدفاع عن ثروات العراق، هم الذين يسهمون في سياسة النهب، والدعوة لتجزئة العراق إلي دول طائفيّة ؟!
في مطلع العام السادس لانطلاقة المقاومة، والعراق ينهض من تحت الخراب، يحّق لمن راهنوا علي فشل وهزيمة الاحتلال الأمريكي، علي أفول زمن هيمنة أمريكا، أن يواصلوا رهانهم وهم أكثر يقينا بأن المستقبل للعراق، ولفلسطين، ولقضايا العرب العادلة.
في مطلع العام السادس يستعيد ملايين العرب، وفي مقدمتهم عرب العراق، كل أسماء من تآمروا علي العراق، وسهّلوا اقتحام حدوده، وسمائه، من بلدانهم التي قدموها لأمريكا لتكون قواعد للعدوان والاحتلال...
وهؤلاء هم أنفسهم من يتآمرون علي فلسطين، ويحاصرون شعبها، وهم أنفسهم من يتآمرون علي لبنان، وسوريّة، ولا يرتدعون بعد كل ما اقترفته أمريكا في العراق.
هؤلاء كلّما تجذّرت المقاومة العراقيّة ـ وهي مقاومة تقاتل الاحتلال الأمريكي، وتصون دماء العراقيين، ولا تغرق في صراع طائفي مقيت مخسّر ـ فإن فرائصهم، وكراسيّهم.. ترتعد، لأنهم يدركون أنها مقاومة عربيّة في جوهرها، وأن نصيب فلسطين فيها كبير، وأنها تعد بحريق عقابي أبعد من المنطقة الخضراء!
هؤلاء يرتبط وجودهم، وحكمهم، ببقاء أمريكا مهيمنة، وهزيمتها تعني هزيمتهم، فهم السبب الرئيس للضعف العربي، والتخلّف العربي، والجوع والفقر في بلاد العرب التي ما عادت شعوبها تحصل حتّي علي رغيف الخبز الحاف!
في العام السادس تشتعل المقاومة، وتزداد عنفوانا، بينما يلملم بوش ـ أغلب من كانوا معه في الحرب استقالوا، وانهاروا، وافلت نجومهم ـ ( كلاكيشه) استعدادا للرحيل من البيت الأبيض، وهو مهزوم، خزيان، وجيشه ( المنتصر) ينزف، ويضيع في أوحال العراق، وأمريكا بقيادته المجنونة تنهار اقتصاديا، بعد انهيارها الأخلاقي و.. وبدء حقبة الانهيار العسكري، وأفول زمن الغطرسة والغرور والكذب والنهب...
في مطلع العام السادس: المجد للمقاومة والعار لبوش ومن تحالفوا معه في حربه الإجراميّة...