بقلم : د. فيصل القاسم ... 14.4.08
لم نعد نريد من الأنظمة العربية الحاكمة أن تتعلم من أمريكا ولا أوروبا، فهذا حلم بعيد المنال، فحسبنا الآن أن نطالبها بالتعلم من أفريقيا التي تسبقنا يوماً بعد يوم بخطوات كبيرة في المجال الديمقراطي، والتململ الشعبي، والانتفاض على الطغاة والمستبدين، بينما نقف نحن متفرجين. بعبارة أخرى، فقد تخلفنا حتى عن ركب المتخلفين لنقبع في ذيل قائمة التخلف.
لقد شهدت كينيا في الآونة الأخيرة أحداثاً شغلت العالم عندما هبت المعارضة الكينية عن بكرة أبيها لتقول للديكتاتور الحاكم: كفى تلاعباً بنتائج الانتخابات وتفصيلها على مقاس الطواغيت والفاسدين. صحيح أن الصراع بين النظام الكيني الحاكم والمعارضة قد أدى إلى كثير من الفوضى وسفك الدماء والخراب والدمار، لكن، كما علمتنا التجارب التاريخية، لم يحصل شعب على حريته من دون ثمن، فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدقُ.
وكما كان متوقعاً فإن الانتفاضة الديموقراطية الكينية بدأت تؤتي أكلها في بقاع أخرى من أفريقيا، فقد حذرت المعارضة السودانية مثلاً النظام السوداني بأنه سيواجه أحداثاً كتلك التي وقعت في كينيا، فيما لو حاول التلاعب بنتائج صناديق الاقتراع. أما المعارضة في زيمبابوي فلم تكتف بالتهديد، بل راحت تسير على هدي نظيرتها الكينية، ولو بهدوء وتؤدة. فقد طالبت العالم بالتدخل الفوري لمساعدتها في فضح ممارسات الرئيس موغابي الذي لم يشبع بعد من السلطة بالرغم من أنه أمضى أكثر من ثمانية وعشرين عاماً حاكماً بأمره. فعندما شعر الطاغية في زيمباوي بأن نتائج الانتخابات الأخيرة لم تكن في صالحه، راح يماطل في إعلان النتائج، ويشكك فيها، بعد أن حصدت أحزاب المعارضة أكثر من ستين بالمائة من أصوات الناخبين. لا بل بدأ يدعو إلى إعادة إجراء الانتخابات بحجة أن هناك تلاعباً في عمليات العد والفرز. وهو بالطبع شيء مثير للضحك والسخرية، خاصة أن موغابي وأمثاله هم الذين عودوا العالم على تزوير الانتخابات، وتفصيل نتائجها التسعينية في أقبية وزارات الداخلية المظلمة حسب الطلب.
قد يقول البعض إن هناك حملة إعلامية عالمية ظالمة تورط فيها الإعلام العربي لتشويه صورة رئيس زيمبابوي، خاصة أن الرجل كان قد دخل في عداء مستحكم مع بريطانيا قبل سنوات بعد تأميم بعض أراضي وممتلكات السكان البيض في البلاد ومضايقتهم. ولنفترض أن وسائل الإعلام الغربية ترسم صورة قاتمة للنظام الحاكم في زيمبابوي لغاية في نفس يعقوب انتقاماً من الرئيس روبرت موغابي. لكن هذا لا ينفي بأي حال من الأحوال أن الأخير نموذج بائس لطغاة العالم الثالث الذين لا يترددون في تخريب بلادهم ونشر الفوضى والدمار في أرجائها كي يحتفظوا بكرسي الحكم، وذلك على مبدأ: أنا ومن بعدي الطوفان.
هل مطلوب منا أن نشد من أزر موغابي والتصفيق له لمجرد أنه دخل في معركة مع السكان البيض، واستفز بعض البلدان الغربية؟ بالطبع لا. فقد اعتاد بعض الطغاة في العالم الثالث والعالم العربي تحديداً على مقايضة مواقفهم العدائية المسرحية من الغرب بإحكام قبضتهم على شعوبهم وحكمها بالحديد والنار، بحجة أن أولئك الطواغيت معادون للاستعمار والمخططات الغربية. وقد شهدنا هذه الحالة في الكثير من البلدان، حيث تاجر الطغاة ومازالوا يتاجرون ببعض القضايا الوطنية، لا لشيء إلا لتمديد فترة حكمهم، ودوس البلاد والعباد تحت نعالهم الثقيلة.
لهذا يجب ألا تمر ألاعيب موغابي المكشوفة على شعبه، فتعرضه للضغوط والحملات الإعلامية الغربية، ينبغي ألا يحميه من الكنس خارج السلطة بفعل صناديق الاقتراع، وإن تعذر بالفعل الشعبي. ومن الواضح أن الحراك الديموقراطي العظيم الذي تشهده بعض الدول الأفريقية مثل كينيا وزيمبابوي لن تمر على مناضليه خزعبلات موغابي وغيره من المتاجرين بالعداء مع الغرب لأغراض سلطوية بحتة.
متى يحذو المعارضون العرب حذو المعارضات الأفريقية الصاعدة؟ قد يجادل البعض أن الدول الأفريقية تسمح لأحزاب المعارضة أن تخوض الانتخابات، حتى لو انقلب الحكام على نتائجها كما حدث في كينيا ويحدث في زيمبابوي، وبالتالي فهي في وضع يمكنها من مقارعة المستبدين المتشبثين بسدة الحكم وفضحهم أمام العالم. وهو أمر ليس متوافراً للمعارضات العربية المنفية في هذه العاصمة الغربية أو تلك. وهذا صحيح جزئياً. لكن متى حاولت المعارضات العربية أن تقيم الدنيا ولا تقعدها احتجاجاً على نتائج الانتخابات العربية التي يتم تزويرها جهاراً نهاراً؟
لماذا تكتفي حركات المعارضة العربية بالتشكيك في نتائج الانتخابات التي يفوز بها الحكام العرب، أو الامتناع عن المشاركة في الانتخابات على أبعد تقدير؟ صحيح أن قوانين الطوارئ في العالم العربي لا تسمح لأحزاب المعارضة حتى بدخول الجامعات والقطاعات الشعبية الحيوية. لكن بإمكان المعارضين لو توافرت لديهم شجاعة المعارضين في كينيا وزيمبابوي أن يفضحوا مسرحية الانتخابات والاستفتاءات الهزلية في المنطقة العربية بطرق شتى، وجعل العالم ووسائل إعلامه تسلط أضواءها على مهزلة الانتخابات في هذا الجزء البائس من العالم. فقد شاهدنا كيف أن أمريكا باركت نتائج الانتخابات الكينية المزورة، لكنها ما لبثت أن أعادت النظر في دعمها للديكتاتور الكيني بعد أن هبت المعارضة الكينية وقواها الحية احتجاجاً على تزوير الانتخابات. فلا يمكن أن نتوقع دعماً إعلامياً أو سياسياً عالمياً من دون الحراك الداخلي. متى يتعلم المعارضون العرب أنه ليس بإمكانهم أن يصنعوا العجة من دون كسر البيض؟ متى يتعلم معارضونا من مناضلي كينيا وزيمبابوي؟ لماذا تنتفض أفريقيا، بينما ينقبض العرب؟
ألم يكن أحد المسؤولين الأوروبيين الكبار على حق عندما قال: "كيف تريدون منا أن نناصر قضاياكم إذا كنتم أنتم أنفسكم لا تناصرونها، ولا تناضلون من أجلها"؟