بقلم : علي الكاش ... 16.4.08
في الأيام القليلة الماضية مرت الكثير من الأخبار الموجعة والمفزعة على الصعيد العربي العام والعراقي والفلسطيني بشكل خاص, فقد شهدت الأراضي المحتلة سلسلة من الجرائم المستمرة قام بها الصهاينة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني إضافة إلى استمرار الحصار الاقتصادي المجحف ضد السكان المدنيين في جريمة كبرى سكت عنها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وهذا شأنها مع كل ما يعني العالم العربي والإسلامي.
في الوقت الذي ما تزال فيه ضجة أحداث سبتمبر مستمرة لحد اللحظة فقد أقامت الدنيا ولم تقعدها رغم مرور أكثر من ستة سنوات عليها, ودعم فيها العالم كله بما فيهم العرب والمسلمين الولايات المتحدة واستنكروا هذا العمل الإرهابي وأرسل البعض مساعدات علنية وسرية للمنكوبين وعوائل الضحايا, وبدأ الجميع بمسح دموع التمساح الأمريكي بالرغم من أن ضحايا العملية لم يزيدوا عن بضعة آلاف, لكن قتل مليون عراقي وأكثر من مائة ألف فلسطيني منذ الغزو الأمريكي للعراق وسرقة حقوق شعبين وتدمير بنى وحضارة البلدين لم تستأثر باهتمام العالم الأوربي والمنظمات الدولية, أنها دلالات ومؤشرات تقدم لنا دليلا واضحا بأن هناك معايير مزدوجة للتعامل مع العرب والدول الإسلامية بشكل خاص خلافا عن بقية شعوب العالم.
ظروف العراق لم تكن أقل صعوبة عما هي عليه في الأراضي الفلسطينية المحتلة, فقد شهدت الأيام الماضية العديد من أعمال العنف التي راح ضحيتها المئات من العراقيين ما بين قتيل وجريح, إضافة إلى الاجتياح التركي لشمل العراق لملاحقة العناصر الإرهابية من حزب العمال الكردي, وكذلك الاجتماع المشبوه للبرلمانين العرب في محافظة أربيل وما تمخض عنه من تحفظ عراقي يندي له الجبين عرقا, وهي رسالة واضحة للعالم العربي أزاحت القناع لتكشف حقيقة الدور الإيراني التخريبي في العراق وحجم هذا التدخل, ولتثبت الوصاية الإيرانية على أصحاب القرار العراقي, وتخاريف السيادة المزعومة في العراق, وبالرغم من تبجح الائتلاف الشيعي الموحد بأن تحفظ شيخهم اللاوقور خالد العطية على القرار المتعلق بالأمارات العربية المغتصبة من قبل محور الشر الإيراني قد جاء بالأتقاق مع القائمة الكردية وجبهة التوافق, لكن هذا الأمر لا يخرج الائتلاف من موقفه المتخاذل أو يمسح لطخة العار عنه جبينه, بقدر ما سحب صفة التخاذل والجبن على بقية الجهات التي ساندت الائتلاف في تحفظه, وبنفس الوقت لتعكس شرذمة الوفد العراقي وتناقضاته وتشتته في البرلمان بعدم اتخاذه موقف موحدا إزاء الاحتلال الإيراني للجزر العربية, ولا أعرف كيف سيكون موقف الوفد العراقي لو تمت مناقشة قضية احتلال إيران لعربستان والمطالبة بإرجاعها للسيادة العربية؟ نترك التصور لدى القارئ اللبيب!
كما كان لزيارة الرئيس العراقي لتركيا وهي زيارة مخجلة لم تراعى فيها سياقات ومراسم استقبال الرؤساء وكانت فاشلة بنفس مستوى فشل زيارة الرئيس الإيراني احمد نجادي إلى العراق, إضافة الي مقتل نيافة المطران بولص جورج فرحو على أيدي شلة من الإرهابيين ودفنه في منطقة محاطة من قبل القوات الأمريكية والحكومة العراقية مما يثير الشك حول الجهة المستفيدة من قتله, سيما أن المطران الشهيد معروف بمواقفه الوطنية ورفضه الاحتلال الأمريكي واستنكاره لطريقة إعدام الرئيس العراقي صدام حسين, كما تمر مرحلة أسطورة الهولوكوست الكردي وما يسمى بضرب مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية وهي أسطورة مفبركة كسب الأكراد منها المليارات والعطف الدولي متاجرا بأرواح شهداء حلبجة في الوقت الذي تظاهر سكان حلبجة رافضين المتاجرة بقضيتهم ومدينتهم التي تفتقر إلى أبسط الخدمات والاهتمام, فدمروا النصب الذي أقامه الأمريكان في وسط المدينة والمتحف الملحق به. إضافة إلى قرب الذكرى المشئومة الخامسة للعدوان على العراق حيث شهدت بعض دول العالم تظاهرات حاشدة ضد هذا العدوان وتحضر دول أخرى إلى مسيرات مناهضة الأيام القريبة المقبلة.
في خضم هذه الفوضى غير الخلاقة مرت أخبار مهمة بخفة أعمال السحرة وضاعت في متاهات المعاناة اليومية للمواطن العربي والعراقي. فقد كانت من مبررات الغزو الأمريكي للعراق كما أعلنتها الولايات المتحدة وقوى الشر المتحالفة معها أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل وعلاقة النظام العراقي السابق بالإرهاب وبشكل خاص بتنظيم القاعدة. وبالرغم من أن الحقيقة كانت واضحة للعيان لكن المهرج الأمريكي ما يزال متمسكا بألعابه البهلوانية رغم انصراف الجمهور.
جاءت التقارير هذه المرة من كواليس الإدارة الأمريكية نفسها لتكشف عدم وجود أية روابط بين نظام الرئيس صدام حسين وتنظيم القاعدة, موضحة فشل المخابرات الأمريكية في المعلومات التي قدمتها للرئيس بوش التي حشد بها قوى الشر لغزو العراق, أصدرت هذا التقرير وزارة الدفاع الأمريكية مستندة في ذلك إلى(600) ألف وثيقة عراقية صادرتها القوات الأمريكية عبر وكلائها العراقيين من العميل احمد الجلبي وبعض العناصر الضالة في الائتلاف الشيعي الموحد وهما الجهتان المسئولتان عن نهب أرشيف الجهات الأمنية في العراق وتصدير الأطنان من الوثائق إلى سادتهم في واشنطن وقم. كما يستند التقرير إلى مقابلات مع كبار المسئولين العراقيين أبان النظام السابق ممن اعتقلتهم قوات الغزو وأنكروا هذه العلاقة, ويخلص التقرير إلى حقيقة دامغة بعدم وجود أدلة بين تنظيم القاعدة والنظام العراقي السابق, وهذا يعود بنا إلى التذكير بتصريح وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد في شهر أيلول من عام 2002 بأن وكالة المخابرات المركزية عثرت على أدلة دامغة حول وجود تنظيم القاعدة في العراق وعلاقته بالرئيس صدام حسين, وبذلك فقد العدوان أهم مسوغاته وتبريراته على العراق.
أما المبرر الثاني حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل فقد دحضه البنتاغون نفسه عندما فتش العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه دون أن يعثر على هذه الأسلحة الموهومة التي استندت إلى (232) إفادة خاطئة من أهمها تلك المعلومات التي قدمها احمد الجلبي وعبد العزيز الحكيم.
الأمر الآخر الذي مر دون أن يأخذ نصيبه من الأهمية كان التصريح الخطير الذي أدلى به مهندس البرنامج النووي العراقي جعفر ضياء جعفر وهو أول تصريح يتحدث به منذ الغزو الأمريكي للعراق فقد ردً على سؤال حول امتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل بقوله" قدم العراق وثائق كاملة عن جميع برامج أسلحته إلى وكالات الأمم المتحدة المعنية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة اونسكوم في البداية ثم لجنة انموفيك لاحقا. وقدمت وثائق إلى مجلس الأمن في حدود نحو 12 ألف صفحة في 7 كانون الأول .2002 وكذلك قابل مفتشو الأمم المتحدة جميع العلماء والأشخاص المعنيين عام 2002 وبين عامي 1991 و1998 وتحققوا من أن جميع هذه الأمور قد دمرت". وحول حقيقة موقف الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية يميط جعفر ضياء جعفر اللثام عن حقيقة المؤامرة وابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية لهاتين الهيئتين الدوليتين وتسخيرهما لخدمة وتبرير عدوانها الأثيم على العراق بقوله" أقول إن الأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تكن نزيهة في تقويمها لما أعلنه العراق من حقائق، ولم تكن نزيهة في تقاريرها إلى مجلس الأمن، لأنه كان في إمكانها أن تقول بشكل موثوق به للغاية: ليس لدى العراق أي برنامج نووي. هذه كانت مسألة مهمة جدا في مجلس الأمن. لو أعلنت الوكالة الدولية ذلك، كانت ستسقط الأوراق من أيدي الأميركيين وغيرهم. هؤلاء اتهموا العراق بإعادة برامجه النووية وزوروا وثائق عن شراء اليورانيوم من النيجر وقضية أنابيب الالومينيوم. كل هذه اتهامات باطلة. كانت الوكالة تعلم جيدا إن هذه الاتهامات باطلة... لكنهم لم يقولوا ذلك صراحة في الوقت المناسب. كانوا متواطئين. وهذا واضح جدا". بذلك تسقط الحجة الثانية للغزو.
هذه الاعترافات الخطيرة تمهد الطريق أمام العراق للمطالبة بتعويضات الحرب وفق قواعد القانون الدولي فمن حق العراق أن يطالب بتعويضات عن جميع الخسائر التي ألحقت به جراء العدوان الذي أستند إلى أكاذيب باعتراف مسئولين دولة الاحتلال أنفسهم؟
ولكن هل يمكن أن يتم ذلك؟ في الوقت الحاضر الجواب كلا بالتأكيد!
فالأمم المتحدة ما تزال تتحرك في مواقفها الدولية بالرموت كونترول الأمريكي؟ والدول الأوربية لا تخرج عن نطاق شبكة التغطية الأمريكية؟ والدول العربية كل مشغول بليلاه وهم ما بين مؤيد لأمريكا يدور في فلكها, أو معادي لها يخشى أن يقدم لها المبررات لتزيد ضغوطها عليه والعراق أمسى نموذجا" كبش فداء" لمن يخالف الإرادة الأمريكية أو يتمرد عليها.
والطغمة الحاكمة في العراق هي ربيبة الاحتلال وعينت لخدمة أهدافه المشبوهة ومخططاته الرامية لتدميره وقتل ابنائه ونهب ثرواته, ومن المحال أن تفكر جديا بخدمة شعبه أو تبدي الحرص على حقوقه, وكانت مطالبة عبد العزيز الحكيم بتعويض إيران جراء اعتدائها على العراق ب(100) مليار دولار, قد اسقط ورقة التوت الأخيرة عن عروة حكومة الذل, لكن الشعب العراق يبقى صاحب الحق في طلب التعويضات ولا يضيع حقا وراءه مطالب!