بقلم : د. عدنان بكريه ... 19.1.09
كتب (عاموس هرئيل) المحلل السياسي الاسرائيلي "هذه لحظات انتصار تاريخية لحماس" وإن حماس أدارت المعركة بعبقرية ونجاح ساحق في الأسبوع الماضي.. يقر في نهاية مقاله بأن سياسة العقاب الجماعي التي انتهجتها إسرائيل ضد أهل غزة هي التي دفعت إلى انفجار الأوضاع على الحدود.
ويتساءل أيضا في نهاية مقاله عن مدى إمكانية إعادة ضبط الحدود الآن بين مصر وغزة ويقول إنها أصبحت أصعب من السابق بفضل تلك السياسة.
عاجلا أم آجلا سيتوقف العدوان البربري على قطاع غزة نهائيا ليس لان إسرائيل أكملت مهمتها في القضاء على المقاومة الفلسطينية كما يدعي (اولمرت ) أو انتصرت في عدوانها البربري على العزل وليس لان العرب اجبروها على ايقاف العدوان فهم باتوا كسيحين اقزاما إمام ما حصل في غزة ! سينتهي العدوان لان المؤامرة تحطمت على صخرة صمود ومقاومة أهل غزة .
علينا أن نكون حذرين من إعلان نية إسرائيل وقف العدوان من طرف واحد فقد تكون مصيدة تنصب للمقاومة الفلسطينية أو تكون دعاية نفسية إعلامية للتأثير على قرارات قمة الكويت والرأي العام العالمي والاهم الداخلي !
تحدث وزير الأمن الإسرائيلي (ايهود براك الذي قال) : " لقد حققت العملية كل أهدافها التي خططت لها . سنجدد ونصعّد العملية العسكرية في قطاع غزة ، فالانفصال وضبط النفس لم يجديا نفعا ".
هذا التصريح إن دل على شيء إنما يدل على خبث النوايا الإسرائيلية وعدم جديتها في ايقاف اطلاق النار بل انها تستنزف الوقت لترتيب اوراقها الداخلية والخارجية
العدوان الدائر على ارض غزة هو بين قوي وضعيف وإذا صمد الضعيف فهذا يعني انتصار واذا لم يحقق القوي مكاسبا فهذا يعني هزيمة له فالمؤسسة السياسية الإسرائيلية ورغم تبجها بنجاح الحملة إلا أن الأحداث على الأرض تثبت العكس .
نعم سيتوقف العدوان ولو لفترة بسيطة ! لان الوضع الداخلي الإسرائيلي لا يحتمل أكثر وهناك خلافا حادا داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية واتهامات متبادلة بين أطراف القيادة الإسرائيلية وبالتحديد بين (ليفني وباراك) من جهة وبين (اولمرت) من جهة أخرى وهذا الخلاف لا يتمحور حول ضرورة القضاء على المقاومة فهناك إجماع صهيوني كامل على ضرورة التخلص من حماس الا ان الصمود الفلسطيني وفشل اسرائيل في تحقيق ولو مكسب بسيط ابعد وجهات النظر وعمق الخلاف والكل يحاول استثمار العدوان على غزة لحصد مكاسب في الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد اقل من شهر ، من هنا فان إسرائيل تنظر إلى مصلحتها الداخلية والسياسية والحزبية أولا ! فالعدوان قابل للتجدد وبوتيرة اكبر بعد الانتخابات خاصة وان الدلائل ترجح وصول (نتنياهو) إلى الحكم والذي يعارض بشدة وقف العدوان !
وزير الدفاع (باراك) يدرك تماما ان الاستمرار في العدوان لن يغير من الواقع شيئا بل سيكبد اسرائيل الكثير من الخسائر البشرية ناهيك عن الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدتها حتى الان دون ان تحقق أي هدف اللهم الا قتل الاطفال والنساء والمدنيين وتدمير البيوت والبنى التحتية .
سيناريو حرب لبنان يكرر نفسه من جديد فحينها وعندما شعرت اسرائيل بضائقتها وخسائرها سارعت الى مجلس الامن لاستصدار قرار ينقذها من ورطتها مع حزب الله .. نفس السيناريو يتكرر اليوم ... فهي الان تستنجد بأمريكا كي تخرجها من ورطتها بمكاسب سياسية ولو بسيطة بعد أن أهملت مصر والدور المصري .
تسيبي ليفني هرعت إلى أمريكا لتنقذها من ورطتها ولو بمكاسب وهمية تحفظ بها ماء وجهها داخليا وعالميا وتقول بأنها وقعت مع الأمريكيين مذكرة تفاهم لمنع تهريب الأسلحة عبر معبر فيلادلفيا .. كيف ستمنع إسرائيل منع التهريب اللهم إلا إذا كانت أمريكا سترعى آلية متطورة لمراقبة ورصد منافذ غزة حتى هذا الأمر لا يمكنه ضمان عدم تسلح المقاومة لأنها جاهزة لتصنيع سلاح داخلي !
الهدف التي دخلت اسرائيل من اجله والمتلخص في القضاء على المقاومة الفلسطينية وفرض واقع فلسطيني وإقليمي وعربي جديد مني بفشل ذريع فلا هي استطاعت القضاء على المقاومة ولا هي قادرة على فرض واقع جديد (غزة بلا مقاومة )لتأمين فرض شروطها السياسية على الشعب الفلسطيني وتطويعه !
فماذا حصّلت اسرائيل من عدوانها سوى الفضيحة الدولية ووصمات العار التي ستلاحقها الى يوم الدين اضافة لتعميق الخلافات الداخلية في المؤسسة السياسية والعسكرية وربما سيطالب البعض بلجنة (فينوغراد) جديدة تحقق في جدوى العدوان ومسؤولية بعض القادة عن الفشل ! وهذا وارد جدا في ظل الصراعات الحزبية القائمة هنا قبيل الانتخابات !
ارتدادات هذا العدوان كان سلبيا جدا على المستوى الداخلي الإسرائيلي وعلى المستوى الإقليمي والعربي وفي مقدمتها .:
*انكشاف أوراق بعض الأنظمة العربية وشراكتها المباشرة والغير مباشرة في العدوان إذ احدث فرزا واضحا في الواقع العربي .
*بدء مرحلة جديدة من تاريخ النضال الوطني الفلسطيني عنوانه المقاومة هي القادرة وليس رهانات أوسلو وبان المؤسسة السياسية الإسرائيلية لا تفهم إلا لغة البطش ، والصمود وحده القادر على التفاهم مع البطش الإسرائيلي !
في المقابل ورغم الالم والتضحيات فان الشعب الفلسطيني سيخرج منتصرا سياسيا اذا ما استطاعت المقاومة الصمود والتحمل فستتمكن من فرض شروطه المتمثلة بوقف اطلاق النار والانسحاب وفتح المعابر وفك الحصار .. فاسرائيل غير قادرة على البقاء في القطاع لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب لانها ستواجه حرب استنزاف قاسية تكبدها الكثير من الخسائرالبشرية والمادية اليومية .
تحقيق الشروط الفلسطينية منوط بقدرة المقاومة والشعب على الصمود لعدة ايام اخرى لأن الصمود هو الذي يفرض الشروط .. وبالتالي سيخرج الشعب الفلسطيني منتصرا بمقاومته وصموده . وستبدأ مرحلة جديدة من تاريخ النضال الفلسطيني وسيستعيد النضال الوطني الفلسطيني المقاوم دوره المركزي بعد أن دفن في أوحال (أوسلو وانابوليس) وغيرها من المؤتمرات واللقاءات الاستسلامية !
الخلافات القائمة داخل المؤسسة الصهيونية تشير الى اقتراب انتهاء هذا العدوان فالظروف السياسية والانتخابية الداخلية التي لم يتبق لموعدها إلا ثلاثة أسابيع وهي تحفز إسرائيل نحو الإنهاء السريع لان فشل العدوان والخسارة سيترجم في صناديق الاقتراع .
إسرائيل حاولت في الأيام القادمة تكثيف عدوانها واستنفاذ طاقاتها عل وعسى ان تخرج بمكسب عسكري سياسي بسيط يعوضها الخسارة الميدانية ينقذ هيبتها المقزمة وهذا ما لمسناه على ارض الواقع
العدوان الصهيوني لم يحقق شيئا يذكر على ارض الواقع بل ان ارتداداته ستكون سلبية على الوضع الاسرائيلي الداخلي وخاصة انهم على ابواب انتخابات جديدة في المقابل فانه عزز خيار المقاومة ورفع اسهمها في الشارع الفلسطيني وصار خيارا بديلا لكل الخيارات الاستسلامية المطروحة ! فالمقاومة وحدها القادرة على فرض اسس السلام العادل وليس اللهاث خلف فتات ترميه اسرائيل من حين لاخر!