أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
ليس ككل الأجراس !

بقلم : ريم عبيدات  ... 31.1.09

لطالما كانت عودة الأطفال إلى المدرسة، وصوت جرس المدرسة الذي نسمعه آلاف المرات في حياتنا حدثاً متفرداً بامتياز، رغم اعتياديته الشديدة. لطالما كان نوستاليجياً ومضمخاً بتراكم الحنين إلى طفولة تقاوم أن تشيخ رغم ترامي وتراتب السنين.
لكن ذلك اليوم، لم يكن فقط اليوم الأول، بل جمع كافة الأيام الأوائل من عمر تاريخ لطفولة، وكثفها في لحظة واحدة خارقة.. كان طفلا أكبر من كل أطفال التاريخ المجتمعين من أجل لعبة شقية في أرجوحة واحدة.
عودة أطفال غزة الذين كانوا خلفية لوحة الإبادة الأقسى، ولازمة لمشهد أكثر الحروب همجية ووحشية لثلاثة وعشرين يوما، لا يمكن أن يكون عادياً بالحد الأدنى من الحس الإنساني. وأظن وقوف الملايين في العالم عند تفاصيله المختلفة، تلخص المقولة التاريخية “إنه مهما طال الموت فلا بد من ولادة الحياة. فالمسألة أكثر من صعبة ومثيرة ومعجزة لكافة سلالة المشاعر والتعابير”.
تساءلت وأنا أرى المشهد الفادح في صعوبته وإشراقه ومرارته، وهم يقطعون الشوارع مع شروق النهار يمينا ويسارا، هذه المرة ليس خوفا من السيارات القادمة من الجانبين لكن من قصف جديد تخبئه الأيام وراء حقائبهم وكتبهم وألوانهم المتخيلة في الغالب الأعم ... ما الذي دار بذهن ال 250 ألف طالب من أصل 450 ألفاً وهم يتجهون الى 380 مدرسة، أغلبها مدمر، لاستئناف نهار جديد بعد نهارات كان للدم، ودم الأطفال، تحديدا دور البطولة.أتساءل وكثيرون، كيف يمر درس الجغرافيا على أطفال غزة وأية خريطة للوطن، لمدينتهم، لوطنهم العربي الكبير، سيدرسون.
ترى وماذا سيفعلون في حصة الرياضيات، أيدرسون الهندسة والتكامل والتفاضل، أم أن حساب زملائهم الذين غابوا ليس الغياب الشقي في “لعبة الاستغماية” أو “عسكري وحرامي” هذه المرة غياب تام والى الأبد، ستتعدى صعوباته أي احتمال.
ثم أية سماء سيرسم أطفال غزة منذ صباح أغبر في دفاتر الرسم، هل سيلعبون ألعاب الكبار، ويقولون لأستاذ الرسم إن الألعاب النارية التي عاشت في سماء غزة لأكبر مسافة زمنية ممكنة كانت غريبة كثيرا عن تلك التي يشاهدونها عبر التلفاز.
ترى كم من الأفكار التي دهمتهم كأفلام المساءات الطويلة وهم يتجهون إلى مدارس اختفى معظمها من الجغرافيا إلا من منظر هو الأبشع بصريا، والأكثر تحديا للمعرفة السيكولوجيا، وترك الباقي تاريخاً في الذاكرة الحية ليس إلا... أية مشاعر حين يصبح البقاء على قيد الحياة بحد ذاته أسطورة في حديث أجراس مدارس غزة، وفي حديث الدفاتر الملونة الصغيرة قصص يجهلها الكثير من الكبار، وفي جلبة الألوان وأقلام الرصاص ودفاتر الرسم ما يثير الكثير من البكاء.