بقلم : رشاد أبو شاور ... 5.2.09
كبير المفاوضين، الدكتور صائب عريقات ألّف كتابا من خلال تجربته، وخبرته، عنوانه (الحياة مفاوضات)، نشرته جامعة النجاح الوطنيّة ـ نابلس، وصدر عن قسم العلوم السياسيّة، كليّة الاقتصاد والعلوم الإداريّة، عام 2008 ...
قيل في الأمثال: المكتوب يقرأ من عنوانه، وهذا يصدق على كتاب الدكتور صائب، خاصة ان دور الرجل، وفكره، وخطابه السياسي ..معلنة في الصحافة، واللقاءات مع مراسلي الفضائيّات، ومع ذلك فقد دفعني الفضول للاطلاع على الكتاب، ولذا سعيت للحصول على نسخة، فتبيّن لي أنه لم يصل إلى المكتبات في عمّان، فلجأت لاستعارته من صديق. وهنا أنوّه بأنني ممن يعيدون الكتب التي يستعيرونها، وقلّما أستعير، لأنني عندما يعجبني كتاب أسعى لاقتنائه، وفي السنوات الأخيرة قلّ اهتمامي باقتناء الكتب، إذ عندي فائض منها، وأنا أحتاج لسنوات لأفرغ من قراءة الكتب التي حملتها معي من تونس، وسوريّة، ولبنان، و..وبلاد عربيّة كثيرة.
سمعنا في طفولتنا المبكرة، ونحن نعيش تحت الخيام، من أفواه آبائنا الطيبين الفقراء المفجوعين العنيدين أن الحياة جهاد، ومن مفكرين محترمين سمعنا مقولات عن عظمة الحياة، منها قول مؤسس الحزب القومي السوري القائد الكبير أنطون سعادة: الحياة وقفة عز...
ولأحمد شوقي أمير شعراء عصره قرأنا:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا
إنّ الحياة عقيدة وجهاد
ومن قائد فلسطيني استشهد في جزيرة مالطة غيلةً وغدرا برصاص عميل صهيوني هو الدكتور فتحي الشقاقي أن الحياة جهاد...
ومن رئيس الجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة سمعنا: خذ وطالب ...
ومن المعلّم جمال عبد الناصر سمعنا مرارا وتكرارا وبعد هزيمة حزيران (يونيو) التي وصفت بالنكسة وهي هزيمة مرّة، أن ما أخذ بالقوّة لا يستردّ بغير القوّة ...
الدكتور صائب عريقات يرى أن الحياة مفاوضات، وهو لا يجيب عن السؤال الفلسطيني: وماذا إذا كان من تفاوضه لا يؤمن بالتفاوض، وهو يأخذ باستمرار بينما أنت تفاوض ولا تأخذ؟
فلا أنت مع شعر شوقي، ولا مع قولة سعادة، ولا مع حرب الاستنزاف التي خاضها جمال عبد الناصر بعد النكسة، ولا أنت مع فتحي الشقاقي الذي سمّى التنظيم الذي أسسه (الجهاد) ..فماذا أنت؟ قل لي بربك ..سوى أنك مبسوط على التفاوض، وينطبق عليك، وعلى جماعتك كاريكاتور زميلنا حجّاج في عدد 'القدس' يوم 11 الجاري، حيث تظهرون أمام الفضائيات، وأنتم تتزنرون بالميكروفونات بدلاً من الأحزمة الناسفة!
أقترح بوحي من كاريكاتور زميلنا الموهوب الكبير أن تغيّر عنوان كتابك إلى (الحياة ميكروفونات)!
الحياة ليست مفاوضات، الحياة صراع، وقتال، وبقاء للأقوى، ليست للمستقوي بأمريكا، ولكن للأقوى بالحق وبما ملكت يداه ...
كيف نخرج بنتيجة مع من نفاوضهم فيستولون على مزيد من الأرض، ويطردون مزيدا من الأسر من بيوتها، ويهدمون البيوت على رؤوس أصحابها!!.
لا، مع هؤلاء من غير المعقول أن تسلك سبيل المفاوضات، والمزيد من المفاوضات، بينما هم يطوون الأرض من تحتنا كما يطوى البساط، لنجد أن المفاوضات أخرجتنا من الجغرافيا، وألقت بنا على هامش التاريخ!
لست أعرف كيف يمكن أن يفاوض فلسطيني، أي فلسطيني، تسيبي ليفني مثلاً وهي تعلن بأن فلسطينيي الـ48 مكانهم الدولة الفلسطينيّة التي ستنشأ وفقا لحل الدولتين!
في كتاب الدكتور وصايا للمفاوضين، وتعليمات مستقاة من خبراته التفاوضيّة، منها:
1ـ تجنّب تصعيد المشكلة
2ـ ابحث عن المصالح المشتركة
هنا أتوقّف لأسأل الدكتور صائب: كيف نتجنّب تصعيد المشكلة ..والمشكلة أن من (تفاوضه) يضاعف التصعيد يوميّا، فيضرب في نابلس، ويحرق قلب الخليل، ويهدم بيوت أهلنا في القدس، و..تدعو قائدة حزب كاديما لطرد الفلسطينيين في عملية ترانسفير حلمت بتنفيذها القيادات الصهيونيّة المتعاقبة، منذ تأسيس دولتها على أشلاء شعبنا ووطننا؟!
ثمّ: ما هي المصالح المشتركة بيننا نحن الفلسطينيين و..الكيان الصهيوني، بينك وبين بيريس وشارون وأولمرت ونتنياهو وباراك؟!
الحمل لن يرعى مع الذئب يا دكتور يا كبير! ..والسيّد المسيح لا مكان له عند هؤلاء، وانظر إلى مدينة بيت لحم، مدينته ..ماذا يفعلون بها؟!
في البند:
13ـ لا تحاول خداع أو استغلال الطرف الآخر.
الطرف الآخر الذي توصي بعدم مخادعته يخادع العالم كلّه، يضلّل البشريّة كلّها، يسخّر كل شئ لتمرير مخططاته، وبلوغ أهدافه ..ومع ذلك فالدكتور يوصي تلاميذه المفاوضين الفلسطينيين، خريجي أكاديميّة (أوسلو) بأن يفاوضوا بنقاء سريرة، بثقة، بنوايا صادقة و..من؟!
انظروا للعيديّة الموعودة، وهي الإفراج عن 250 أسيرا، وتعلّموا في أكاديميّة قادة الكيان الصهيوني! ..نقّصوا العدد 20 أسيرا، ثمّ أخّروا موعد الإفراج وفوّتوا فرحة العيد على اسر الأسرى ..ما رأيك بهذا الاستغلال
(لطرفكم) من الطرف الآخر؟!
ينقص الدكتور أن يوصي بأن لا يقطع المفاوض الفلسطيني شجرةً، أو يكسر بخاطر المفاوض (الآخر)، وتمعنوا بما يكتب، فإن شئتم ابكوا، وإن شئتم اضحكوا، أو الطموا، أو اخرجوا عراة إلى الشوارع في نوبة جنون مبرّر!
18ـ تجنب الضغط على الآخرين، أو الإملاء عليهم، حتى وإن امتلكت القدرة على فعل ذلك .
يا للنبل، والكياسة، والعفو عند المقدرة!..وماذا إن كنت مضغوطا عليك طيلة الوقت، اقصد في كل الجلسات، و..على الحواجز ـ المحاسيم ـ و..الممرّات الإجباريّة في بوّابات الجدار؟!
وفقا لهذه الوصيّة الأنيقة المترفّعة: انحن، فوّت الفرصة على الطرف الآخر، مدّ معه حبال الود ..بوسه من باب عينيه إذا هدم مقبرةً في القدس، أو استحوذ مستوطنوه على بيت في الخليل .. وتسبّبوا بمذبحة!
وتدليلاً على عمق الإنسانيّة في الوصايا ها أنا أسوق لكم الوصيّة رقم:
20ـ احرص على أن تكون الاتصالات مستمرّة، مهما كانت حدّة الخلافات في المفاوضات.
يعني ببساطة: هم يستحوذون على الأرض، ويطردونكم من بيوتكم، ولا يبقون لكم شيئا، و..فاوضوهم، وفاوضوهم، ولا تقنطوا مما يجري خارج قاعات التفاوض!
بهذه العقليّة التفاوضيّة، في مواجهة الاستراتيجيّة الصهيونيّة الرامية إلى اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم ورميهم خارج فلسطين ...
الاستراتيجيّة التي تعمل علنا على طرد فلسطينيي الـ48، ومن بعد اقتلاع كل الفلسطينيين من كل فلسطين، والتي يمثّل المستوطنون بلدوزرها الميداني...
هذه الاستراتيجيّة لا يمكن أن تقابل بالتفاوض، ولكن باستراتيجيّة شاملة فلسطينيّة مدعومة عربيّا شعبيّا، صيحتها هي التي أطلقها شيخ المجاهدين 'القسّام': هذا جهاد نصر أو استشهاد ...
جهاد وليس هدنة..ولا مفاوضات، فالحياة مقاومة يا دكتور، ومنذ اللحظة التي يخرج فيها الإنسان من رحم أمّه، وأمنا فلسطين تضيع بالتفاوض و..الهدنة ..أم نسينا الهدنتين عام 48؟!
العاقل من يتّعظ، و..هل هناك عظات أكثر مما يحدث على ارض فلسطين يا كبير المفاوضين؟!