بقلم : صفوت بلاصي ... 1.8.08
المرأة الفلسطينية .. أول ما يتبادر إلى ذهني ذكرى تلك الشهيدة دلال المغربي , والمناضلة العملاقة ليلى خالد ومشهد هذه المرأة التي تودع ابنها المناضل ليعود إليها شهيدا ً , وهذه الزوجة التي أنهكتها متطلبات الحياة لتحافظ على أسرتها في غياب زوجها الأسير , كما لا يغيب عني تلك الطالبة المناضلة ذات النشاط السياسي الوطني الثوري.إنني بكل بساطة أتحدث هنا عن المرأة الفلسطينية كما أراها , هذه المرأة التي تحمل في طيات أنوثتها كل معاني الرجولة , إنها امرأة كجبل من الهموم و التضحية والالتزام.
فالمجتمع الفلسطيني رغم تجاذباته السياسية والفكرية , وبالرغم من كل تناقضاته أعطى المرأة الحق في ان تكون حاضرة , فهذا المجتمع الذي صقلته الثورة وأعطته بعض من هويته الثقافية , تخلى عن تلك النظرة الرجعية تجاه المرأة باعتبارها جزء من ليالي هارون الرشيد , أو إنها اقل شأن من الرجل حسب العقلية العربية, فالمجتمع الفلسطيني يعتبر حالة شاذة عن باقي المجتمعات العربية في موضوع المرأة . أنا هنا لا أتحدث عن تحرر المرأة أو عن كونها تعيش في حالة مثالية من الحقوق والحريات , بل أتحدث عنها كامرأة عربية عانت ويلات الظلامية والاستبداد والعبودية لكنها وفي ظل القضية الفلسطينية أخذت جزء من حقوقها في عدة مسائل أهمها دورها في النضال والتحرر الفلسطيني من الهجمة الصهيونية.ولم تكن المرأة غائبة عن المشهد الثقافي والعلمي , فلقد تبوأت الكثير من المناصب العلمية وتربعت على عرش الثقافة والنسيج الثقافي الفلسطيني , ونالت حصة مهمة في التعليم.
المرأة الفلسطينية أيضا ً في خضم المعركة السياسية , فقد فرض النظام السياسي ومن خلال ضغوطات اليسار التقدمي الفلسطيني قانونا ً يلزم القوائم المتنافسة في الانتخابات التشريعية بضرورة تمثيل المرأة بنسبة 20% كحد أدنى من نسبة مرشحيهم , كذلك احتلت المرأة مناصب ومراكز قيادية مهمة في الأحزاب والقوى السياسية , وقد انفردت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالامتياز من هذه الناحية حيث اظهر هذا الحزب سلوكا ُ تقدميا رائعا ً من خلال تبنيه لقضايا المرأة وتحررها , وأعطى المرأة الدور النضالي والسياسي . لكنني لا أعمم هذا المشهد على كافة شرائح وأقطاب النظام السياسي الفلسطيني, فالقوى اليمينية والرجعية ما زالت تعتبر المرأة في مراحل متأخرة من كونها قادرة على القيادة والابتكار, وان كنا نرى دور أو طله أنثوية هنا أو هناك, مع وجود الكثير من التحفظ.
مرة أخرى أقول بأن المجتمع الفلسطيني بنظامه السياسي وتركيبته الاجتماعية هو حالة شاذة وشديدة الخصوصية عن باقي المجتمعات العربية , حيث أتت هذه الخصوصية من التجربة الثورية الفلسطينية على مدى ستون عاما ً , لكن هذه السنوات وهذه التجربة لا تستطيع خلق تغيير جذري في العقلية العربية , ان تراكمات مئات أو ربما آلاف السنين من التخلف والظلامية الرجعية لن تغيرها بالمطلق تجربة ثورية عمرها ستون عام, فالعقلية الذكرية العربية التي لا تستطيع رؤية المرأة إما كحريم وإما كراقصة في فلم مصري , لن تتخلى بسهولة عن الدور الطليعي في المجتمع باعتبار الذكر الأفضل والأكثر قدرة على تحمل المسؤولية , واعتبار هذا الدور حق مكتسب بفعل عامل المجتمع و الثقافة و الدين.