أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
نحن هنا.. لنبقي

بقلم : رشاد أبوشاور ... 24.4.08

حيفا التي سقطت عام 48 بسرعة عجيبة، وبعد مقاومة شرسة، في معركة غير متكافئة، تنهض هذا العام، بمناسبة الذكري الستين للنكبة الفلسطينيّة، لا لتبكي، أو تندب رافعة الرايات السوداء، ولكن بزحوف، وأمسيات، وتجمعات شعبيّة، تعّد لها، وتشرف عليها: اللجنة الشعبيّة لإحياء ذكري النكبة، والتي تتكوّن من كافة القوي، والفعاليات السياسيّة الوطنيّة، في المدينة.
الشعار الذي اختارته اللجنة الشعبيّة للاحتفالية التي تتواصل لأسبوع، بسيط، قوي، متحّد، ومواجه: نحن هنا.. لنبقي.
اللجنة الشعبيّة أصدرت بيانا حاء فيه: إننا وإذ نعتبر عملنا كلجنة شعبيّة مساهمةً مباشرةً في التثقيف الجماهيري، والتوعيّة الوطنيّة حول التاريخ العربي الفلسطيني لمدينتنا العريقة، وحول الحقائق التاريخيّة الموضوعيّة لما حدث عام 1948 من احتلال، وتطهير عرقي، ومقاومة، نسعي لأن يكون الأسبوع المكثّف لإحياء ذكري النكبة في حيفا، محطّة هامة، في تثبيت الوجود العربي في المدينة، وتجذيره.
في بيان اللجنة الشعبيّة المشرفة علي الأسبوع، إعادة للسؤال الذي ظلّ يلّح علي عقول الفلسطينيين، عن سّر سقوط مدينة حيفا في المعركة التي استمرّت ليومين فقط، والتي انتهت بعشرات الشهداء، وتهجير أكثر من سبعين ألفا، دفعت القوّات الصهيونيّة بكثيرين منهم عبر البحر للهرب إلي لبنان، أو غزّة، فمات منهم كثيرون غرقا.
تكشف اللجنة الشعبيّة، ومنها مؤرخون فلسطينيّون أكاديميّون، منهم المؤرّخ الدكتور جوني منصور، سّر السقوط السريع للمدينة التي كانت تعتبر بوّابة فلسطين آنذاك.
لا زال الغموض يكتنف قصّة سقوط مدينة حيفا بسرعة في عام 22 نيسان (ابريل) 1948.. لكن الحقائق التاريخيّة تشير أنه ومنذ إعلان قرار التقسيم الصادر في 1947/11/29، استعدّت قوّات الـ(هاغاناه) والـ (إيتسل) لاحتلال الأحياء العربيّة في المدينة، وبدأت بقصف الأحياء العربيّة بالقذائف، ودحرجة براميل تحتوي علي متفجرات ـ لمن لا يعرف، مدينة حيفا تقع علي سفح جبل الكرمل، وهذا ما استغلته العصابات الصهيونيّة ـ وتنفيذ عمليات إرهابيّة تخريبيّة. كما وأن قوّات الانتداب البريطاني أبلغت قيادة (هاغاناه) بموعد خروجها من حيفا، قبل شهر تقريبا من الموعد الأخير لانسحابها.
أطلقت العصابات الصهيونيّة علي عمليّة احتلال حيفا، وتطهيرها من أهلها العرب، اسم: (المقّص)!
الأسبوع الحيفاوي بدأ من يوم الجمعة 18 نيسان (ابريل)، بجولة تثقيفيّة يقودها جوني منصور من موقع برج العرب، ويختتم الأسبوع بيوم عمل تطوعي في مقبرة الشيخ عّز الدين القسّام في بلد الشيخ.. يا لهذا الاختيار الوفي!
المحاور التثقيفيّة غنيّة، يشارك فيها عدد من أبرز مثقفي حيفا: فالشاعر والكاتب الكبير حنّا أبوحنا يحاضر عن الحركة الثقافيّة في حيفا، وثمّة عرض ضوئي عن المدينة، والمقاومة في حيفا محاضرة الدكتور إبراهيم جابر، وعن العمارة في حيفا، ومستقبل العرب في حيفا، يحاضر الدكتور يوسف جبارين، وعن نساء حيفا ونشاطهن السياسي حتي النكبة تحاضر الباحثة جنان عبده.. هذه فعاليات يوم الأربعاء ـ اليوم ـ 23 نيسان (ابريل)...
يختتم النشاط الثقافي الوطني بندوة يوم الخميس 24 نيسان (ابريل)، في مركز (مدي)، تحت عنوان: موقع الفلسطينيين في (إسرائيل) في المستقبل الفلسطيني العّام، يشارك فيها الدكتور رائف زريق، والبروفسور ليلي فرسخ.
ليس استذكار النكبة حدثا بكائيّا، ولكنه سيكون في حيفا عملاً تثقيفيّا، ووطنيّا، وسياسيّا، واجتماعيّا. ومثل هذا النشاط لا ينتهي بانتهاء الأسبوع، ولكنه ينفتح علي تفاعلات تعمّق الوعي بالانتماء، وروح المبادرة، والخروج من حالة الشعور بالعجز، وتجاوز أسباب القنوط، فالمدينة الخالدة حيفا، لم تسقط في يومين، ولم ترفع الراية البيضاء علي مدي 60 عاما هي عمر النكبة، فها هم أهلها ينهضون رافعين شعارهم الواثق، العنيد: نحن هنا.. لنبقي.
هذا الشعار يرفع مع اشتداد الحملة العنصريّة الداعية للترانسفير، والتطهير العرقي من جديد، استكمالاً لما اقترفه مؤسسو الكيان الصهيوني المجرمون عام 48.
أهم وحدهم في حيفا من يرفعون هذا الشعار الشجاع؟ لا فكّل أهلنا في فلسطين التي احتلت عام 48 يرفعون هذا الشعار في الذكري الستين. لقد جاءتنا أخبار يافا التي تحرّكت بعد طول صمت، حتي خيّل للمحتلين أن المدينة استسلمت وخمدت و..ماتت!
ومن عمق النقب تتواتر أخبار أهلنا هناك، فتضيء الأمل بأنهم لن يرضوا بالاجتثاث، واستبدال أرضهم بأرض غيرها، حتي لو كانت أرضا في فلسطين الغاليّة.
نحن نحيا لنعود
يا أهلنا في حيفا، في كّل مدينة، وقريّة، من وطننا المحتّل.
أنتم ترفعون شعار: نحن هنا.. لنبقي.
نحن نصفكم في الشتات، والمنافي البعيدة، نرفع شعارا يكمل شعاركم: نحن نحيا لنعود..
نحن نحيا لنعود، لأن لحياتنا معني جوهريا هو: سنعود إلي وطننا فلسطين، التي لا وطن لنا غيرها، وستعود فلسطين لنا.
دائما يا أهلنا خرج الغزاة من أرضنا: الفرنجة، المغول، الإنكليز.. وآخر الاحتلالات، الاحتلال الصهيوني سيلحق بهم.
سيبقي الكرمل شامخا، فلا قوّة قادرة علي اجتثاثه...
الكرمل والبحر، ولدت حيفا في حضنهما، فكان الثلاثة روحا واحدة: الكرمل، البحر، حيفا...
لا، لم تســــقط حيفا في يومين، أو ثلاثة، أو ستيّن عاما من الاحتلال.. .
فها أنتم تعيدون تصحيح مسار التاريخ، ووقائعه، بخطاكم التي تمشونها في شوارع حيفا..
في الذكري الستين للنكبة، للاجتثاث، والاقتلاع والتهجير القسري الإجرامي العنصري، نقول بملء أفواهنا: الحرب لم تنته بعد، والتاريخ مفتوح الصفحات علي وقائع هي الحقيقة الآتية الناصعة، والتي يكتبها عرب فلسطين..
الدولة التي قامت بالمدافع، والطائرات، والدبابات، ما زالت ترتدي الكمامات، وتتسلّح بأحدث الأسلحة، وتحيك المؤامرات مع طغاة أمريكا وأتباعهم وذيولهم، وكّل هذا لن يرسّخها في أرضنا، وعلي حساب أمتنا..
(دولة) قامت بالسيف، بالعنف، هي زائلة، لأنها لن تستقّر علي أرض فلسطين العربيّة الخالدة..
شعبنا يواصل هذا العام، في كل مكان، داخل الوطن، وفي الشتات، رفع راية فلسطين، وينشد (موطني)، وتتجاوب نداءاته، وصيحاته، مبشّرة بأن الغد، غد فلسطين: آت آت آت..
أهلنا أبناء الجبل والبحر وأشجار البرتقال والزيتون والسنديان.. لا شيء يهزم روحهم الواحدة، لا أحد يقدر أن يقتلع الكرمل من جذوره، ولا أحد يستطيع تجفيف بحر حيفا ويافا وعكّاء وغزّة وخان يونس..
نحن هنا لنبقي
نحن نحيا لنعود
نحن هنا لنبقي في حيفا
نحن نحيا لنعود إلي حيفا
بهذا الأمل، والإيمان، ووحدة الخطا، والنشيد، بالوعي، والمعرفة، وقراءة التاريخ جيّدا، بكتابة فصول التاريخ كما ينبغي أن تكتب، لا بالأساطير والأوهام والخرافات وقوّة صواريخ البطش، يمضي شعبنا إلي مستقبله، ليكتمل واحدا، النصف الذي بقي والنصف الذي سيعود..
وحتي ذلك الحين ننشد مع شاعر حيفا الكبير، الراحل حسن البحيري: حيفا في سواد العيون...