بقلم : رشاد أبوشاور ... 17.4.08
التلويح بالانفجار، موجّه إلي من، وإلي أين، وهل في حال وقوعه يكون تسونامي عربيّا شاملاً، كاسحا، تغييريا، أم سيكون مجرّد حدث معزول يمكن محاصرته قبل أن تتحرّك الجماهير العربيّة، وتهّب لنجدة المحاصرين الغاضبين المنفجرين، مع التذكير ببطء حركة الجماهير ـ ولن نيأس من انتظار غضبها العاتي، والبشائر بدأت في مصر ـ لأسباب كثيرة؟!
لا بدّ من طرح الأسئلة لا من منطلق التشكيك، ولكن من موقع الحرص، والرهان علي فعل يضع الأعداء والخصوم في الزاوية، ويفشل مخططاتهم، ورهاناتهم، ويكسر الحصار بعمل دؤوب، لا بضربة عصا سحريّة !
نحن الفلسطينيين، وثمّة أخوة عرب كثيرون يشاركوننا الغليان، نغلي بصمت، وننتظر من قيادة فلسطينيّة (ما) أن تحدد معالم الطريق، ووسائل بلوغ الهدف، بخيار ثوري لا بفعل انتحاري،هو خيار المأزوم العاجز عن الإبداع.
القيادة (ما) هذه ليست قيادة فصيل بعينه ـ والفصائل باتت أفصال، وتيّارات، وشراذم ضائعة ـ فهي قد تكون حاصل جمع قيادات مجرّبة شجاعة، في إطار واحد، يعلن للشعب الفلسطيني، والأمّة، برنامجه المقاوم، متجاوزا حالة الانقسام والشرذمة، والضياع، بالممارسة ميدانيّا مهما تواضعت القوّة والإمكانات، لأن الرهان سيكون علي شعبنا صاحب المعجزات.
الضغط يولّد الانفجار، والذي يضغط علينا بشكل مباشر، هو من يحتّل وطننا، ويجثم علي صدورنا، يخنقنا، ويحبس الهواء عنّا، بقصد حرماننا من أدني حدود الأمل.
هل هناك أعداء غير مباشرين؟ نعم، ولكن في سلّم الأولويّات، يكون العدو المباشر هو المستهدف بغضبنا، وثورتنا، ومقاومتنا.
لا يجب أن يكون الانفجار بغير حساب دقيق، مع إن أدمغتنا تغلي، وهذا الغليان ليس حالة فلسطينيّة فريدة ونادرة في بلاد العرب، فالغليّان يبدأ من رغيف الخبز، وحتي ضياع السيادة الوطنيّة، وتغلغل الفساد في بنية الدولة الإقليميّة التي لا يردعها قانون، ولا نصح، ولا نقاش بالتي هي أحسن.
أمّا فلسطين فهي المفجّر،هكذا كانت دائما، لأنها كاشف الفساد، وخراب الضمائر، والانحياز للأعداء.
أعداء الداخل، تمنّوا دائما أن تنتهي قضيّة فلسطين، ويتوزّع شعبها بين الأقاليم، والإقليميّات، والأفضل أن يتناثر حتي يستقّر بعضه في (كندا) و(البرازيل)، و(التشيلي)،لا في السودان العربي الذي استضاف العائلات المرميّة علي الحدود العراقيّة ـ السوريّة.
الانفجار غير المحسوب، قد يضيع دون أن ينتج شيئا ذا بال، فمن هم سبب ما نحن فيه، لن يقلقهم فعل عصبي محدود التأثير، يمكن امتصاصه، ومحاصرته، واستغلاله في تعبئة إقليميّة، والترويج لأكاذيب حول أمنهم الوطني، وكأن الخطر الداهم (غزّاوي)، لا خطر العدو المتربّص بمصر أمس واليوم وغدا!
من يلوحون بالانفجار، يفترض أن يعرفوا أن قيادة (مصر) لا تأبه بالكلام العاطفي عن دور الأخ الأكبر، والجار الذي عني دائما بفلسطين منذ أيام الفراعنة، إلي أيّام جمال عبد الناصر.
لقد رأينا وسمعنا الدكتور مصطفي الفقي، وهو بكلام ناعم ملغوم، يردّ علي الدكتور أحمد يوسف مستشار (هنيّة)، علي فضائية الجزيرة في برنامج (ما وراء الخبر):
ـ مصر أمام أمرين أحلاهما مر، فهي إن ضربت بالنار ستتألم كثيرا، وهي لا ترضي بالعبث واللعب بأمنها القومي!
ومصر يا سادة يا كرام تبني سورا عازلاً، فاصلا، بينها وبين قطاع غزّة، وتحشد الدبابات، والكلاب البوليسيّة، ومئات رجال الأمن.. يعني جاهزة للضرب بالنار، وفي المليان، إذا ما حدث الانفجار باتجاهها. وحكامها، وإعلاميوها، وناطقوها الرسميون، سيتباكون علي الشعب الفلسطيني الشقيق، و.. سيحمّلون (حماس) مسؤولية سفك الدم، وسيتهمونها بأنها تلعب بوضع مصر الداخلي!
الانفجار باتجاه الاحتلال..! الاحتلال سيضرب بالمليان، وبدون رحمة، خاصة والعرب يتفرّجون، وكبار حكّامهم، مبارك وخادم الحرمين الشريفين، أعلنا في قمتهم الثنائيّة في شرم الشيخ، دعم رئيس السلطة (أبو مازن) في مسيرة السلام، وهذا كلام معناه الانحياز لطرف فلسطيني، وهو تنصّل من دور راعي اتفاق (مكّة)، ودور الوسيط بين حماس والسلطة، وحماس والاحتلال.
وأخطر من ذلك، فهذا التصريح يؤكّد علي سياسة المحاور، ويضع حماس في (حلف) إيران، سوريّة، حزب الله.
ترددت كثيرا قبل الكتابة في هذا الموضوع، فالأجواء ساخنة، والأهل جوعي، مدمّون، والنفوس محتقنة، والتصريحات حامية جدّا، وهذا مفهوم، ولكن واجبي أن أكتب بصراحة، وأن أجتهد بصدق، فإن أخطأت فلي ثواب واحد، وهو يكفيني.
منذ البداية نبهنا إلي أن ما فعلته حماس في القطاع يحشرها في زاوية، وينعش تيّار (أوسلو) الذي حدّت انتخابات المجلس التشريعي من حركته السياسيّة، وفاقم وجود وزارة بقيادة حماس من تثبيته في حشرته، ولكن من ردّوا علينا، اتهمونا بأننا نريد منهم أن يستسلموا ويسلّموا قطاع غزّة لقيادة رام الله!
إن من يطالب، ونحن لا نقوّله، بهدنة، وبوقف إطلاق النار، وبالتهدئة، لا يوضّح للشعب الفلسطيني الخطوة التاليّة بعد التهدئة، ولا يحدد إلي متي ستمتّد التهدئة، ومن أين ستستأنف المقاومة.
ولأننا نري بأن أي جزء من فلسطين لا يتحرر بغير المقاومة، فإننا نري في هذا الطرح السياسي المعلن، استعدادا للتفاوض مع الاحتلال، مع معرفتنا باختلال ميزان القوّة لمصلحة الاحتلال، إذ ليس سرّا أن الفلسطينيين منقسمون، وأن غزّة محاصرة، وقيادة رام الله تحاور ـ أهذا حوار الذي يجري مع أولمرت و.. ليفني؟! ـ من موقع الضعف، وخيارها المعلن التفاوض، والمزيد من التفاوض!
الحصار، والمزيد من الحصار، والتفاوض والمزيد من التفاوض، أنجزا الخسارة والمزيد من الخسارة، ونترك لغيرنا أن يحدد حجم كل طرف في هذه الخسارة، أما نحن فنري أن شعبنا يدفع كلفة هذا العبث، وهو وحده، فهو الذي يجوع، ولا يجد الدواء، والذي تصفّي قضيته بعبث التفاوض ومجّانيته، وهو الذي يبكي شهداءه، مقاتلين في مواقعهم المكشوفة التي يستبيحها طيران العدو، وأطفالاً في أزقّة مخيماتهم، حيث لا ملاجئ، ولا دواء، ولا طعام.
الانفجار لا يكون غير واع، انفعاليا، ورّد فعل غريزي علي الحشر في الزاوية.
الانفجار لا يكون انطلاقا من حالة يأس: عليّ وعلي أعدائي يا رّب! الانفجار في مثل وضع قطاع غزّة لن يكون علي أعدائي، بل سيكون وقوعا في مصيدة نصبها (أعدائي)، ويراد لا لحماس وحدها، ولكن لشعبنا الفلسطيني أن يقع فيها، ليقع من بعد في هوّة الياس!
الانفجار حدث انفعالي، مؤقّت، نتائجه غير مضمونة، رهان علي ما لا يأتي، وهو نقيض للانتفاضة كفعل جماهيري شعبي، يستنفر كل طاقات الشعب، ويزجّ بكل قواه في ميدان المعركة.
ما يخشاه الكيان الصهيوني هي الانتفاضة، وتفجّر المقاومة، التي ستوحّد الفلسطينيين، في الضفّة، والقطاع، وخارج فلسطين، مع داخلها، وتعيد الهيبة، والحضور، والاعتبار.. للقضيّة والشعب الفلسطيني الكبير بتاريخه الثوري، الضئيل المكاسب بفضل قيادات صغيرة قاصرة.