أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
سياسات عبثيّة !

بقلم : رشاد أبوشاور ... 1.5.08

يمكن كتابة نّص مسرحي، ينتمي للمسرح السياسي، والعبثي، وهذا نوع جديد من المسرح، غير مسبوق من قبل في المسرح العالمي...
ما علي الكاتب سوي تقديم الشخصيات علي حقيقتها، وهي تتصايح علي الفضائيات، وتستعرض طروحاتها في المؤتمرات الصحافيّة، أو وهي توزّع نظرات الغضب، وابتسامات الرضي، وتطلق الوعيد والتهديد، وتلتّ وتعجن وتعيد ...
ولأن النّص والعرض جديدان، ويؤسسان لمدرسة مسرحية هي تطوير لمسرح العبث، والمسرح السياسي، والمسرح التسجيلي، بدمجهما معا، فيمكن توظيف لقطات تعرض علي شاشة في صدر المسرح، لوقائع الحياة اليوميّة الفلسطينيّة في الضفّة، والقطاع، حيث سلطتان لاتحميان شارعا، ولا تشبعان بطونا، ولا تصدّان زحف المستعمرات.
نحن نشهد حاليّا فصلاً جديدا من العرض الفلسطيني، الحركة فيه سريعة، والمشاهد تتوزّع بين واشنطن، غزّة، رام الله، القاهرة، شرم الشيخ...
المرجعيّة: جورج بوش ووعده بدولة قبل انتهاء العام 2008، و..مصر الرسميّة التي وهي تستقبل القيادات الفلسطينيّة فإنها حفاظا علي أمنها (القومي)، ترسل مزيدا من قوّاتها المسموح بها، لإحكام الحصار علي مليون ونصف المليون في قطاع غزّة!
تري ماذا سيفعل المخرج حتي ينقذ العرض من الإملال؟ ولكن العرض دموي جدّا، وهذا ما سيجعله مقبضا للنفس، موتّرا للأعصاب، محيّرا، فمن خلال الحركة، والحوار، والتعليقات، سيدهش المشاهد ـ ولا أقول المتفرّج ـ وهو يتابع قيادات كلّها محشورة، ومع ذلك فهي تتصرّف وكأنها في بلد مستقّل مرتاح، الصراع فيه بين تيّارات سياسيّة علي الوصول لسدّة الحكم!
خذ مثلاً، طرح حماس لدولة فلسطينيّة مستقلّة في حدود الـ67! أليس هذا هو مبرّر وهدف من اختاروا (أوسلو)، الذين قدّموا تنازلات غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني؟!
هنا يمكن أن يرتفع صوت من القاعة، بما أن العرض من المسرح المعاصر: ولكن حماس تشترط أن تكون العاصمة القدس، وأن يتّم الحفاظ علي حّق العودة، وبدون مفاوضات مباشرة!
صوت من القاعة، يبدو أنه صوت فتحاوي (عرفاتي): الرئيس عرفات مات شهيدا، ولم يتنازل في (كامب ديفد)!
صوت: إذا كان عرفات بعد كّل ما قدّم من تنازلات قد كوفيء بالسّم، فبماذا ستفوزون أنتم؟!
صوت من القاعة: ما دمتم تطرحون دولة في الـ67، فأين ذهبتم بفلسطين أرض الوقف الإسلامي؟! أنتم بهذا تعترفون بالكيان الصهيوني وبدون مفاوضات...
صوت فلسطيني غاضب: أنتم يا حماس، وقيادة السلطة، تتنافسون علي من يكون العنوان في المفاوضات، ليس إلاّ...
خالد مشعل: أنا مستعّد للحوار مع السيّد أبومازن في أي مكان وزمان ..ثمّ وهو يبتسم: ولكن أين الزعيم، والدولة، التي تستقبل هذا الحوار؟!
أبومازن في واشنطن: إذا لم نصل إلي حّل الدولة قبل نهاية العام 2008 ـ يعني رئاسة بوش ـ ف..مصيبة!
خالد مشعل: نحن لم نقدّم اقتراحا بالهدنة، فإذا رفضتها (إسرائيل) فهي في وجه مصر!
الزّهار: إذا رفضت (إسرائيل) الهدنة، فهذا يعني الحرب!
صوت من القاعة: وهل ما يجري في غزّة، والضفة، سلام ووئام؟! متي أوقفت (إسرائيل) الحرب؟!
صوت: يجب فتح معبر رفح!
صوت: لا تقل فتح ..لا نريد سماع اسم فتح، نريد، بالإنكليزيّة:
open rafah gate
صوت: نحن دعينا للقاء مع اللواء عمرو سليمان للحوار حول التهدئة!
صوت: ما علاقتكم بالتهدئة، وأنتم لم تطلقوا صاروخا واحدا!
صوت محتّج: لماذا لم ندع للقاهرة، هذا تميز بين (الفسائل الفلستينيّة)!
واحد ينّط علي الخشبة ويرفع أصابعه بشارة النصر: الحمد لله، نحن معترف بنا، فنحن سنلتقي باللواء عمرو دياب..
ـ لا، لا، عمرو سليمان يا بني آدم!
محمد العبد الله (كاتب فلسطيني يتابع العرض): كيف تنسون اسم مرجعيتكم يا حركة التحرر الفلسطينيّة؟!
رأس ينبثق من بين الستائر: إذا الجهاد الإسلامي رفضت الانصياع لاتفاق التهدئة، شو بيصير؟
بوقار أحدهم يمسّد علي لحيته، وفي عينيه نظرة وعيد: لا، هذا خروج علي الجماعة!
صوت فيصل القاسم: يا جماعة، يا جماعة، بّس شوي، بدنا نسمع، جننتونا!
سلام فيّاض، يتقدّم من منتصف المسرح، تسلّط عليه الإضاءة، يتكلّم بهدوء أمام كاميرات غير موجودة، يتصرّف كأنه يدلي بتصريح: هذا الذي تفعله (إسرائيل) في الضفّة الغربيّة يقصد منه إحراج السلطة ...
يميل أحد المستشارين علي أذنه: التصريح حامي شويّة...
سلام فيّاض: معلّش، خليني أظهر شويّة تطرّف ...
يندفع الدكتور صائب عريقات إلي مقدمّة المسرح: شو يا شباب انسيتوني؟ ولا تصريح، ولا كاميرا، نّص أنا نّص أنت يا حبيبي.. هذا ما أقوله للجميع، شو الحياة بدون كاميراااااا؟!
شجرة زيتون تظهر علي الشاشة، وجرّافة تنشب أنيابها في جذورها، بينما تندفع امرأة فلسطينيّة، وهي تشمّر ثوبها، وتحتضن الشجرة، وتنوح علي ساقها المبتور...
جنازات أطفال، وشيخ يبكي: إذا الدعم اللي بتقدمه الهيئات الدولية انقطع شو بدنا نطعم أطفالنا؟! هذا حكم بالموت علينا في غزّة...
كاتب يجلس أمام كمبيوتره، يكتب: إن اختطاف قطاع غزّة هو الذي قاد إلي تقديم هذه التنازلات التي تقدمها حماس!
ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا أن مسيرة أوسلو هي سبب هذه الكارثة ..
لكن هذا لا يكفي، فالحقيقة أن الطرفين يتصارعان حاليّا علي من يمثّل الشعب الفلسطيني...
يكتب: نحن في مأزق، والطرفان يربطان الحبل حول عنق قضيتنا، ما العمل؟!
أن نفلت عنقنا من بين أيديهم، وندفع بهم بعيدا عنّا، و..ماذا ؟ ننهي هذا المسرحيّة العبثيّة، و...
صوت الرئيس جمال عبد الناصر من عمق المسرح: ما أخذ بالقوّة لا يسترّد بغير القوّة ..إن المقاومة الفلسطينيّة هي أنبل ظاهرة عربيّة ردّت علي الهزيمة ...
لم ينته العرض، فهذه المشاهد الشاذة، ليست هي الحقيقة، فالمرأة الفلسطينيّة وشجرة الزيتون، و..يري فدائي يخرج من مغارة، كأنما يولد من جديد، مزج مع مشهد الجموع الزاحفة في واحد من شوارع فلسطين، وراية فلسطين ترفرف عاليا، وأطفال يتراكضون في مواجهة دبّابة للعدو... صوت: ابتعدوا من طريق شعبنا، ابتعدوا يا من تغلقون شارعنا ..الجماهير ترفع رايةً واحدة: علم فلسطين يملأ الشاشة في صدر المسرح...
صوت: بيكفّي ولدنة، ناس بتراهن علي كارتر، وناس علي شرم الشيخ وعمرو سليمان.. اتركوا المسرح لأصحابه...