بقلم : د.عدنان بكرية ... 27.02.2009
الوحدة الفلسطينية ليست عملية تجميلية كما تبدو اليوم بل هي برنامج وثوابت وأجندة فأين يقف الحوار من هذه القضايا ؟
لا شك ان شعبنا وعلى اختلاف توجهاته الفصائلية والسياسية يتوق لاستعادة لحمته ووحدته خاصة في الظروف العصيبة التي تمر بها قضيتة ،فالقضية الفلسطينية لم تعد تحتمل المزيد من الانقسامات والخلافات التي من شأنها أن تبعثر أوراقها وتقضي على ما تبقى من ثوابتتها .
الوحدة باتت مطلبا ملحا وضرورة حيوية لبقاء القضية... لكن الأهم من كلمة الوحدة بمفهومها المجرد وقبل الشروع في تنفيذ شكلياتها،الأهم وجوب توضيح الأسس التي ستبنى عليها هذه الوحدة ! من حق شعبنا ان يعرف كل صغيرة وكبيره وما يدور خلف الكواليس لأنه هو الذي يدفع ثمن الانقسام الحاصل وهو الذي سيدفع ثمن أي فشل مستقبلي !
أسئلة كثيرة تطفو على السطح بعد لقاء القاهرة والإعلان عن اتفاق حول تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية.. توافق حول ماذا .. حول تشكيل الحكومة وتقاسم الوزارات وتجميل الصورة ؟
إن اغرب ما سمعناه أن الفصائل الفلسطينية اتفقت على تشكيل حكومة وحدة وسيُبت في شكلها وبرنامجها لاحقا !وكأن الخلاف القائم هو خلاف شكلي إداري حيث لم يتم التطرق للأجندة القادمة ولم يتم تناول أسباب الخلاف التي أدت إلى الانقسام الحالي ومحاولة ايجاد صيغة مقبولة لمعالجة اسباب الخلاف !
كنت أتمنى على المجتمعين في القاهرة أن يتناول بيانهم الأول أسس الوحدة والأجندة القادمة وكيفية التعامل والتعاطي مع التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني ووفق أي خيارات ! كنت أتمنى على المجتمعين في القاهرة وقبل الاتفاق على تشكيل الحكومة، الاتفاق على الأسس السياسية والبنود الوطنية التي ستسير عليها الحكومة... كنت أتمنى أن يتم هذا وقبل الإعلان عن اتفاقهم بشأن تشكيل الحكومة.. لأن أي حكومة وحدوية قادمة لا يمكنها ان تدوم اذا لم يتم تحديد الخيارات والبرامج والأجندة مسبقا !
إن أي حكومة لا تبنى على أسس نضالية سليمة وواضحة لن تدوم ولن تستمر وإذا عالجنا الأمر من منظور التقاسم الوزاري وجسدنا الوحدة على أساس أن الخلاف القائم لا يتعدى تشكيلة وزارية ومحاصصة إدارية فهنا ستكون الكارثة، لأن الوحدة القائمة على هذا الأساس ماهي إلا عملية (ذر رماد في العيون) وعملية خداع ترتكب بحق الشعب والوطن .. فالخلاف القائم هو خلاف سياسي فكري من الدرجة الأولى.. خلاف بين محورين متناقضين سياسيا وفكريا ولا يمكن حسره في إطار التراضي والتوافق حول تشكيل حكومة وحدة وتقاسم وزاري وإنهاء مظاهر الخلاف الإعلامية والميدانية.
كنا نتمنى على المجتمعين معالجة أسباب الخلاف إذ ليس من المعقول معالجة عوارض الحالة المرضية دون تشخيص أسباب المرض ومعالجتها، فأسباب المرض في الحالة الفلسطينية اعقد مما نتصور... انه خلاف بين تيارين متناقضين لكل منهما نهجه وطريقه وتصوره الخاص في كيفية التعاطي مع التحديات فحماس ترى بان المفاوضات السلمية هي وهم ولا يمكنها الاستجابة لمتطلبات الشعب وترى بأن خيار المقاومة هو الخيار المجدي في حين ان حركة فتح لم تتنازل نهائيا عن الخيار التفاوضي الهش!
مسؤول مصري رفيع المستوى يأمل في ان "يتم التوافق على برنامج مقبول فلسطينيا ودوليا لهذه الحكومة على ان تترأسها شخصية مستقلة مدعومة من جميع التنظيمات وتضم عناصر من حماس وفتح وكل التنظيمات ومستقلين وتكنوقراط مع اسناد رئاسة الوزراء ووزارات السيادة لمستقلين حتى لانعطى أى فرصه لمقاطعتها من بعض الجهات الدولية".
والسؤال هل الحوار الجاري يأتي كاستجابة لضغوطات خارجية قبل بدء عمل المؤتمر الدولي لاعمار غزة ام انه جاء استجابة لمطلب الشارع الفلسطيني ولان الحالة الفلسطينية لم تعد تحتمل الانقسام !
انني متخوف جدا من ان لا يدوم هذ الاتفاق طويلا خاصة وانه لم يتناول اسباب الخلاف الرئيسية ولم يتطرق الى كيفية مواجهة التحديات في ظل العدوان الاسرائيلي على غزة وفي ظل اعتلاء اليمين الفاشي سدة الحكم في اسرائيل !
لم يتطرق الى مستقبل العملية السلمية وهل ستواصل الرئاسة في السير على هذا المسار .. لم يتطرق الى التنسيق الامني مع اسرائيل ..لم يتطرق الى خيار المقاومة وفيما اذا كان هذا الخيار هو الخيار المستقبلي للقيادة الفلسطينية ! نقاط جوهرية عديدة غابت أو غُيّبت عن الحوار أو انه جرى تداولها خلف الأبواب المقفلة !
إننا نضع أيادينا على قلوبنا من أن تفشل هذه الوحدة أمام أي امتحان بسيط لأنها لم تبنى على أسس واضحة بل انها تناولت الشكليات والتجميلات !
كلنا يتوق للتلاحم والوحدة لكن الخوف يلازمنا من أن لا تنجح الوحدة بصياغاتها المتعددة .. فالوحدة ليست عملية تجميلية كما تبدو اليوم بل هي برنامج وثوابت وأجندة فأين يقف الحوار من هذه القضايا ؟