بقلم : ريم عبيدات ... 29.11.08
لم أكن أعرف أو حتى أتخيل أن خلف هذه العيون فائقة الجمال والتعبير التي تأتي من وراء الخمار كل هذا الألم والعذاب. فاجأتني باستفسارها المبهم عما إذا كنت أستطيع مساعدتها، برغبتها بالخروج قليلاً من قاعة التدريب للتحدث بخصوصية، لتنفجر باكية قبل أول كلمة وتصف نفسها بالكريهة وبكونها باتت ترى نفسها كالوحش الكاسر في التعامل مع أطفالها.
حين شاهدت لغة وجهي وعيوني، سارعت لتقول: استاذة أنت لا تعرفين الظروف التي حولتني إلى التعامل مع أطفالي كغيلان البراري.. فمنذ انفصالي قبل أعوام عن زوج يندر توافر دمامة خلقه في آخرين، وأنا أعيش حياة مرعبة، متعبة ومريرة.. فأربعة أولاد وأم منفصلة عن وحش شوه ذاتها في العمق، لتكابد مر الحياة لإطعامهم، وبخاصة أنا أكمل الثانوية العامة أيضا مساء ليتم تثبيتي في عملي. وكلما ذهب أطفالي لزيارة هذا الوالد مرة كل أسبوع بحكم المحكمة، عادوا إلى البيت “شياطين تمشي على الأرض” ولا همّ لهم إلا تعذيب أمهم.
تزايد انحدار دموعها حين اقترحت عليها أن تخصص وقتاً لبناء علاقة جديدة مع أطفالها، وسؤالها إلى اين سيفضي الضرب نهاية؟ مقترحة عليها مثلا أن تختار بضع ساعات في الإجازة يقضونها في الحديقة العامة في اللعب والأكل والحديث الهادئ، لتجيبني وزميلتها التي انضمت للمؤازرة: كدت أقتل نفسي مرات جراء أهل هم الأقسى، إذ يتعاملون معي كالعار، يضيقون حصارهم عليّ إلا من ضرورات الحياة الأبجدية من أكل وعمل، ولا يسمحون لي باصطحاب أطفالي حتى إلى الطبيب، فأبناء المرأة المطلقة ليسوا كبقية الأطفال. تتابع: في العمل تأكلني التعليقات والتحازن والشفقة والترحم، كأنني ميتة. يتهامسون حين أخرج عني وعن غرابة أطواري وشكل حياتي.
فتح حوارها ألماً بلا حدود لعشرات الملفات الحارقة للقلب والروح، فمن أين تبدأ ذاكرتي بالتعامل مع القضايا، من النساء أم الأطفال أم المجتمع أم سرعة تحولنا إلى كائنات مفترسة؟ هل فعلاً بتنا بحاجة إلى مخافر وعساكر في كل منزل لحماية أطفالنا منا، ونتوقف عن التشدق طوال الوقت بحقوق الإنسان وحقوق الطفل والاتفاقيات المرتبطة به، ناهيك عن تشدق لا منته بأننا أحسن الناس خلقاً؟ وبأي حق يُتسلط على النساء أياً كانت درجة قربهن من أبنائهن فيحرمونهن من أشد التفاصيل الإنسانية؟ والى متى سيظل أطفالنا هم حطب المحارق، وتظل أجسادهم الغضة مسارح معاركنا كلها؟