بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 06.03.2009
هذه الجملة لم تصدر عن رجال دين يهود، وعن رجال سياسة، ولا عن استطلاع رأي في الدولة العبرية، ولا جاءت لتفضح وجدان اليهودي الذي يحتقر العربي، ويراه خائناً، وجباناً، وضعيفاً، وحاقداً، وذليلاً، وخبيثاً، وقذراً، ومتسولاً، وفق الصورة النمطية للعربي في أدبيات، وثقافة، ومعتقدات الدولة العبرية، ولكن جملة "العربيُّ رخيصٌ" نطقت فيها امرأة فلسطينية من قطاع غزة، فور إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال للرئيس السوداني عمر البشير. لقد سألت المرأة الفلسطينية مندهشة: وماذا بشأن اليهودي "باراك" واليهودي "أولمرت" واليهودي "جابي اشكنازي" واليهودية "تسفي لفني" ؟ قبل شهر فقط صبوا علينا الموت، والدمار، وحرقتنا قنابلهم، أي عدل هذا الذي يحمي القتلة الحقيقيين، ويتركهم يغصبون العروبة، ليحاسب الرئيس السوداني؟ أضافت المرأة الفلسطينية بحرقة: هل لأنه عربي؟! الله أكبر، إلى هذا الحد صار العربي رخيصاً!.
لا يمكن الفصل بين رخص العربي وارتفاع قيمة اليهودي في الدولة العبرية، إنها علاقة جدلية، فلو صار للعربي قيمة، لما ارتفعت قيمة اليهودي، ولو نزل مستوى اليهودي قليلاً لارتفع مستوى العربي بنفس القدر. ولكي يضمن اليهودي لنفسه قدراً عزيزاً من الحياة، وفي جو من الديمقراطية، وحرية الرأي، وحرية العبادة اليهودية، لا بد أن تحرم بلاد العرب من كل ذلك الذي لم يصنعه اليهودي إلا لنفسه، وإلا كيف يظهر التفاضل بين البشر؟ وكيف يرتفع اليهودي على "الغوييم" الغرباء درجات، ليصير ثمن جندي إسرائيلي أسير يساوي ألف أسير عربي، وتصير رصاصة الجندي الإسرائيلي تقتل مئة عربي، ويصير ثمن كيلو السمك " اللُّكس" أو "الهامور" يقارب راتب شهر لموظف عربي مصري، لا يمكنه تذوق طعمه كل حياته، ليظل سمك "الهامور" طعاماً لليهودي فقط، وينقل من مدينة العريش يومياً إلى إسرائيل.
لقد بات العربي رخيصاً منذ ضاعت فلسطين، ومنذ دخل "شارون" بدباباته مدينة بيروت، ويوم سقطت بغداد، ويوم غرق الصومال، وتمزق بالمؤامرة السودان، ويوم قتل ياسر عرفات في رام الله تحت بصر وسمع جميع الفلسطينيين المقربين منه، والعرب البعيدين عنه، وصار العربي رخيصاً يوم حُوصرتْ غزة، وغُلَّقتْ عليها الأبوابُ، وعُلِّقت من شعرها، وهي تصرخ يا عرب، يا مسلمين، وقد دب الرعب، والفزع من اليهود في قلوب العالمين.
بعد عودته من السودان، وفي لقاء ضم بعض رؤساء بلديات قطاع غزة، قال لنا السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني: التقيت بالرئيس السوداني "عمر البشير" وأثناء حديثي معه عن حصار غزة، سأل البشير وزير المالية السوداني: كم لديكم من أموال؟
أجاب وزير المالية: لدى خزينة السودان خمسة وعشرون مليون دولار نقداً.
قال عمر البشير: أعط غزة عشرين مليون دولار، ويكفي السودان خمسة مليون.
لمثل هذه المواقف العربية الأبية صدرت مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير.