أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
رهط " القبائل" : ظاهرة "الدْحِيوي" والأميه القبليه والسياسيه!!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 27.11.07

مما لاشك فيه ان هنالك فرق كبير بين تاريخ الاحداث العابره عبر التاريخ وبين الارث الثقافي والتراثي, حيث ان الاحداث التاريخيه تبقى عبره يُستفاد منها بينما الارث الثقافي والحضاري عباره عن مدرسه ومصدر الهام للامم والشعوب يُستعان به كمرجعيه واساس للتعامل مع الحاضر في التوجه نحو المستقبل وانتاج ظواهر ومظاهر حضاريه تراكميه توظف لخدمة الاجيال القادمه ثقافيا وروحيا وسياسيا, وبالتالي يلعب التطور او التخلف الفكري والحضاري دورا مهما واساسيا في تطور المجتمعات البشريه سواء بالمفهوم السلبي او الايجابي او الحقيقي او التقمصي,, وما جرى ويجري في النقب عامه ومدن التوطين القسري خاصه كان وما زال يندرج في اطر القسريه الفكريه والتوجيه والتوظيف الخارجي لظواهر اجتماعيه وقبليه تخدم بالدرجه الاولى سياسة اسرائيل وعكاكيزها بهدف الحيلوله دون تطور المجتمع العربي النقباوي وتسهيل مهمة السيطره عليه من جهه وبهدف تعليب الجهل الداخلي كحليف للخارجي من جهه ثانيه... ماجرى هو ان الانتاج الفكري والتوجيه الاجتماعي في النقب قد تعرض الى تشويه واعاقه تاريخيه مبرمجه جعلته يدور في فلك الرقابه القبليه والسيطره الاسرائيليه الى حد ممارسة الرقابه الذاتيه خوفا من المجتمع ومركباته وتركيبته الفكريه والثقافيه التي لاتسمح عمليا للانتاج الفكري والثقافي ان يأخذ مجراه الطبيعي والنقدي للمساهمه في جبِل وتطوير فكر يواكب نوعا ما العصريه وفي نفس الوقت يحافظ على الخصوصيه الحضاريه والاجتماعيه لمجتمع العربي النقباوي بشكل عام ومدن وقرى التوطين القسري بشكل خاص, ولكن للاسف ماجرى ويجري هو ان ظاهرة التوطين قد حملت في طياتها منذ البدايه ظواهر وعناصر السلبيه حيث كانت الارض والانسان في النقب هدفا ولقمة صائغه في يد وفم الاسرائيليين وادواتهُم, حيث جاء التوطين مرافقا للتهجين والتغريب والتعليب والتطرف والتعصب الفبلي وغيره الكثير من السلبيات منها نذكر ظاهرة محاكاة الاخر وتقمُص مسلكية الاخر والغريب حيث نشأت وتنشأ اجيال بدويه جديده في النقب يمكن اعتبارها نتاج للمختبرات الاسرائيليه السياسيه ولقاح سلبي بين سياسه وحضاره مهيمنه وبين هويه حضاريه واجتماعيه عربيه هشه لم ولاتملك مقومات الصمود الاجتماعي والحضاري امام هجمه اسرائيليه هادفه الى خلق مشتقات وعكاكيز ثابته لها داخل المجتمع العربي النقباوي عامه وداخل مدن التوطين والاغتصاب الحضاري خاصه!!
وحتى لا نُعقد الامور ونفلسفها سنحاول اليوم الحديث عن ظاهره من ظواهر التوطين القسري وتحديدا نأخذ مدينة رهط كأكبر مشروع توطيني كمثال وكمرعى لظواهر كثيره حيث اننا اليوم سنتحدث عن مصطلح سياسي جديد مُستقى من اللغه واللهجه البدويه بشكل عام وهو مايمكن تسميته بظاهرة" الدحِيوي" السياسه والاجتماعيه االحاصله في رهط وغيرها من مدن التوطين القسري. ومع احترامنا الشديد للجميع, الا انه ان الاوان ان نتحدث بصراحه عن ماهو جاري في النقب ورهط تحديدا, فاليوم على سبيل المثال ضاع مفهوم العشيره الاطار العام لعائلات كثيره واصبحت كل عائله في النقب تطلق على نفسها عشيره و تسمي شيخا لها رغم انها علميا وعمليا وتاريخيا لاتستوفي شروط العشيره والمشيخه لا اجتماعيا ولا تاريخيا, ولكن ولاسباب قبليه وتاريخيه وفي ظل غياب اعلام حضاري نرى ظاهرة العشائر الذي لم نسمع بها من قبل ونرى ظاهرة " مراسلين" بدو [ من بين عرب النقب] لصحافه محليه او اقليميه يبرزون عائلتهُم في الاعلام واسمها كقبيله وشيخ وكيان مصطنع تاريخيا واجتماعيا وهم للمثال فقط كانوا وما زالوا مجرد عائله من ضمن هذه العشيره او تلك, ولا مانع ان تتطور هذه العائله او تلك لعشيره لها ممثل او شيخ, ولكن حسب الاصول والمقومات وليست بالدعايه كمناكاه لهذه العائله او تلك العشيره وخير دليل هو ان رهط اليوم مليئه بالعشائر الوهميه اكثر من الحقيقيه...صارت كل حاره او بيت يطلق على نفسه عشيره..... والمفارقه ان مشروع رهط كما ادعى الاسرائيليين هو مشروع تحضير وتمدين ومن المفروض ان يندمج الناس في هويه مدنيه حضاريه جديده بعيده نوعا ما عن القبليه والعائليه!!.. الذي جرى في رهط هو العكس : صارت المدينه عباره عن حارات وبيوت وكم كبير من القبائل لم نقرأ ونسمع عن اسمها في التاريخ او تركيبة القبائل البدويه في النقب او حتى هؤلاء الذين لم يكونوا من اصول بدويه وتبدونوا مع مرور الزمن!!... الان ماهو جاري فوضى تاريخيه واجتماعيه عارمه لايمكن توثيقها حتى في ادنى مستويات التوثيق التاريخي او العلمي حيث بالامكان القول للمثال ان رهط اليوم هي رهط القبائل الحقيقيه وكم هائل من القبائل الوهميه::: رهط " القبائل"!!
تعاني رهط من الاميه السياسيه والقبليه والثقافيه, ولكنها تعاني ايضا من ظاهرة " الدحِِيوي" السياسيه والاجتماعيه[ الدحيوي مشتقه من دحو او مخبأ او جحر...], والدحيوي هذه ظاهره انسانيه موجوده في جميع العائلات والقبائل وشرائح المجتمع ككل..فالدحيوي ينحدر كظاهره جهل من جميع العائلات والشرائح الاجتماعيه من الامس وحتى المتعلم حامل الشهاده, والدحيوي هذا ظاهره اجتماعيه عانت وتعاني اصلا من الجهل والتهميش والغبن وعقدة النقص لاسباب تربويه واجتماعيه وحضاريه واقتصاديه, والدحيوي بامكانه ان يكون متعلم مثلا بينما راعي الغنم يكون مثقفا ولا يعاني من عقدة الدحيوي, بمعنى ان الدحيوي كظاهره لا علاقه له بالموقع او مستوى التعليم لابل الامر يتعلق بالخلفيه التربويه ومستوى الثقافه[ هنالك فرق كبير بين المثقف والمتعلم] الضحله الذي يعاني منها الانسان الدحيوي!!
كان البدو وما زال من بينهُم الكثيرون ليست متعلمون ولكنهم مثقفون وحكماء تركوا للاجيال تراث انساني وثقافي طيب, وهؤلاء من بينهُم شيوخ قبائل وناس عاديين, ولا انكر انني اكن لهؤلاء كل الاحترام والاجلال وبالامكان القول انهم في زمانهم ومكانهم كانوا العقلاء المتواضعين في حياتهم ومسلكيتهُم مع الناس وهؤلاء كانوا ينحدرون دون استثناء من جميع القبائل والعائلات في النقب,, ولكن ماجرى جاء توطين البدو قسريا في مدن مثل رهط وغيرها بظواهر جديده ومريضه حيث هُدمت اركان المجتمع البدوي الاصليه واقيمت له اركان وهميه هشه ساعدت على ظهر ظاهرة الطحالب السياسيه وظاهرة الدحيوي او الدحيويين بشكل عام!! هذا الدحيوي يعاني بالاصل من النقص والتهميش و الرفراف, ويجد فرصته احيانا في ظاهرة التحشيد القبلي والاجتماعي والسياسي وثقافة النواطير والتجهيل والاهميه الوهميه, بمعنى ان هذا الدحيوي يُمنَح قلم وعَلَم ويُرمى به وهميا الى الواجهه والعبوديه حيث يصبح عبدا[ بمعنى العبوديه وليست لون البشر] موالي لمن منحه الفرصه للظهور وهميا تحت الاضواء او على الطاوله او المنضده في واجهة الجلسه او الشق, ومن ثم بعد ان يُستعمَل ويُستنفَذ يُرمى به ثانيه الى الهامش والى الدحو,, وهكذا دواليك سواء في الجلسات او الانتخابات او غيرها من مناسبات!!
للاسف اصبحت ظاهرة الدحيوي والدحيويين موجوده بكثافه في التركيبه القبليه والاجتماعيه في رهط بالذات وهي ظاهرة تعود الى الظهور دوما في فترة انتخابات البلديه او المناسبات السياسيه وتستعمل في التحشيد القبلي المتخلف لهذا الشخص او ذاك لاهداف سياسيه تُسيرها اسرائيل وحلفاءها للحيلوله دون بروز طبقه قياديه مثقفه في رهط من جهه وا المحافطه على التركيبه العشائريه في بلديه رهط من جهه ثانيه وبالتالي هنالك من يستعمل ظاهرة الدحيويين بوعي ويوجهها نحو التطرف القبلي والولاء وهؤلاء [ اي ظاهرة الدحيوي] بدورهم يرون في الامر فرصه للخروج من الدحو والهامش الى واجهة الاحداث وهؤلاء عبيد مصلحه يُشترون ويُباعون وهُم موجودين كظاهره نفسيه واجتماعيه بكثره في رهط وينتظرون اي فرصة وهم حتى يتوهمون بكونهُم مهمين!! دراسه بسيطه في رهط ستقود الى امية ودحيوية الكثيرون من من يشغلون وظيفه تربويه او تعليميه مع الاطفال او طلاب المدارس!! .. اذا كان الناس تهتم بمستقبل ابناءها عليهُم ان يعالجوا ظاهرة الدحيوي وثقافة الوظيفه والجهل!!
هنالك من الدحيويين من لم ينمو عقليا وجسديا من على وجه الارض, وبقي مسدوحا على الهامش على مدى عقود,, وفجأة اوهموه وتوهم انه مهم و""مثقف" والثقافه قضيه تراكميه بعيده كل البعد عن ظاهرة الدحيوي كرمز للجهل, وعلينا التفريق بين امية االكتابه والقراءه و بين امية الثقافه!! والمعرفه هي قضيه تراكميه لاعلاقه لها في القراءه والكتابه لابل ايضا في فطرية الحكمه وعوامل اخرى كثيره,,, وقد كان كاتب هذه الكلمات في صغره كاتب محاضر جلسات القضاء والقضوات الذي يديرها والده الشيخ رحمه الله, ومن خلال كتابة هذه المحاضر والجلسات تعرف على كثيرمن قضايا الناس وحكمهُم في الاخذ والعطاء وترك ميراث حضاري كبير للاجيال الحاضره والقادمه لابل ان هذه الخبره والمعرفه كانت اساسا ثقافيا ونبع لا ينبض لمن يريد المساهمه في العطاء الفكري والحضاري!!!... هذا هو الفرق الكبير بين ما كان من اصلي وبين ظاهرة الدحيويين والمهمشين الحاصله في الوقت الراهن!!
قبل فترة ودوما تردني كثير من المراسلات ومن بين هذه الرسائل كتب لي دحيوي تحت اسم مستعار وظاهر في نفس الوقت, دحيوي يؤمن بربط الناس وجلدهُم ويبدو للاسف ان والده كان يعامله بقسوه ويربطه بجانب الدحو, ومن الواضح ان هذا قد ترك اثار مدمره على نفسية هذا الدحيوي المسدوح الى حد انه يتوهم ان جميع الناس تتعامل مع ابناءها هكذا مثل ما تعامل معه والده للاسف, وعليه يبرر الدحيوي سعيه الى وهم البروز بكونه عومل بقسوه, ورغم اننا نفهم ونتفهم هذا الوضع الانساني المسدوح على وجهه,, الا اننا نرى خطورة كبيره في استعمال هؤلاء الدحيويين لاغراض سياسيه سواء في رهط او غيرها, نظرا لخطورة هذه الظاهره وما تحمله من تعقيدات ستضُر بالمجتمع وتطوره اضرار كارثيه وخاصة ان الدحيوي لا يرى نفسه من داخل وقلب المجتمع لابل من نفسية المنفي خارج المجتمع والمهمش, ويحاول ان يحاكي الوهم بتوهم اخر بأنه فاهم وقيادي وحكيم بينما للاسفلا تتعدى ثقافته مساحة دحو او قبو!!. مع تمنياتنا ان يخرج الجميع حقا وحقيقه من قبو الجهل الى افاق الثقافه والمعرفه ويكونوا فعلا مناره للمجتمع سواء في رهط او غيرها!!
واخيرا وليس اخرا لا بد من القول ان رهط تحتاج الى تغيير حقيقي وجذري سواء على المستوى الاقتصادي او السياسي والاجتماعي والبلدي, وهذه مهمه ملقاه على من يرى نفسه كفوا وكجزء من المجتمع وليست دحيوي حاقد كهذا اللذي ذكرته اعلاه.. اللهُم استُر واحمي الناس من ظاهرة الدحيويين في رهط وغيرها من مدن التوطين القسري!!