أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
حماس...إما المقاومة وإما الحكم !!!

بقلم : صالح النعامي ... 3.5.08

لاحظوا: ثلاث تطورات تحدث دون أن تحدث صدىً في الساحة الفلسطينية: الطفرة في الأنشطة الإستيطانية والتهويدية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، الكشف عن عمليات تنكيل وحشية وسادية يرتكبها جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين في الضفة الغربية وتحديداً في الخليل ضد المدنيين الفلسطينيين العزل، المقترحات الأمريكية بإقامة " دولة " فلسطينية على حوالي 50% من مساحة الضفة الغربية، وتأجيل البحث في قضايا الحل الدائم الرئيسية مثل اللاجئين والقدس والتجمعات الإستيطانية وغيرها. كل هذا يحدث والفصائل الفلسطينية مشغولة بقضية واحدة، وهي رفع الحصار عن قطاع غزة، وحتى عمليات المقاومة ضد الإحتلال يتم ربطها بهذه القضية، لدرجة أن تمت مقايضة رفع الحصار بوقف عمليات المقاومة، كما تنص على ذلك مقترحات التهدئة المصرية التي كانت حركة حماس أول من وافق عليها. كأحد الذين يقطنون في قطاع غزة أرى وأشعر بأجواء الموت المخيمة على مئات الآلاف من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة، وبالتالي فأن الإهتمام برفع الحصار عن القطاع أمر يستحق أن يكون على رأس أولويات الفصائل الفلسطينية. لكن السؤال الذي يطرح هنا: هل ما يحدث كان قدراً أم أنه ناجم عن سوء تقدير استراتيجي أقدمت عليه حركة حماس عندما قبلت بتشكيل أول حكومة فلسطينية بعد الإنتخابات التشريعية الأخيرة؟. كيف يمكن لحركة مقاومة أن تسمح بإستدراجها الى هذا المربع البائس، وتحويلها إلى العنوان الوحيد الذي بإمكان الإحتلال أن يمارس عليه الضغوط، ولدفعه للتوافق مع مع المواقف التي تتقاطع مع مصالح هذا العدو.وفقط للتذكير، فأن صاحب هذه السطور، وفي مقال نشره في هذا الموقع بعيد الإعلان عن نتائج الإنتخابات الأخيرة نصح حماس بعدم الوقوع في الشرك والإعتذار عن تشكيل الحكومة، لأنه لا يمكن لحركة مقاومة أن تباشر الحكم وهي تعتمد في ذلك على خدمات يقدمها الكيان المحتل، فهذا المحتل سيستغل تلك الخدمات لإبتزاز هذه الحركة وتخييرها بين التخلي عن المقاومة أو ممارسة العقوبات الجماعية على الجماهير الفلسطينية لتيئيسها من المقاومة ولتقليص سقف توقعاتها وآمالها السياسية، ولدق أسفين بين المقاومة والشعب على أمل أن ينتهي الأمر بمواجهة بين المقاومة والشعب. صحيح أن قوى فلسطينية معروفة تحالفت مع الإحتلال وبتشجيع من الإدارة الأمريكية وأطراف أقليمية تربصت بحركة حماس الدوائر وحاولت إسقاط حكومتها عبر تنظيم عمليات الفلتان الأمني المنظم والمدروس، وهذا ما قاد الى الحسم العسكري الذي انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة، لكن هذا لا يعني أن الفترة الممتدة من الحسم العسكري وحتى الآن لا تستحق الدراسة وإعادة التقييم. فواضح تماماً أن بقاء الأمور على ما هي عليه الآن ينذر بتآكل القضية الفلسطينية واستحالتها من قضية وطنية عادلة الى مجرد قضية إنسانية لمجموعات بشرية، كلها همها البحث عن الطعام والشراب. وللخروج من الوضع البائس الحالي، فأننا نخلص الى الآتي:
1- على جميع الفصائل الفلسطينية بلا إستثناء أن تدرك أنه لا يمكن الجمع بين المقاومة والحكم، هذا لم يحدث في التاريخ، وبكل تأكيد لا يصلح الآن. من هنا يتوجب على حركة حماس أن تتحرر من قيود الحكم الوهمي، والعودة لفضاء المقاومة الواسع، وذلك لمصلحة حركة حماس، وقبل ذلك لمصلحة المقاومة و الشعب. وهذا يجب أن يحدث في ظل ترتيب لا يسمح بعودة أولئك الذين تآمروا على الشعب وقضيته وكانوا ومازالوا مجرد أدوات في أيدي المحتل.
2- من حق حماس وواجبها الإصرار على عدم السماح بعودة الأمور الى ما كانت عليه قبل الحسم العسكري، وذلك بإعادة صياغة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس وطنية ومهنية وليس على أسس تنظيمية،وعدم السماح بعودة أي من أدوات الإحتلال للسيطرة على هذه الأجهزة. لكن حتى لو إستطاعت مجموعة ما التسلل الى هذه الأجهزة بغية اثارة الفوضى من جديد، فأن لدى حركة حماس من القوة ما من شأنه أن يردع كل أولئك الذين قد يخيل إليهم إمكانية إعادة الأمور الى مربع الفوضى والفلتان الأمني.
3- يجب التوافق على إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني وفق معايير جديدة، بحيث، يتحول هذا النظام إلى أداة فاعلة لمساعدة المقاومة، لا أن يتحول الى قيد عليها، كما عليه الأمور حالياً. فيجب أن يتم التمييز بين المشاركة في الانتخابات التشريعية وبين المشاركة في الحكومة وإدارتها. وعلى كل الأحوال، فأن كل الحركات التي تمارس المقاومة مطالبة بتجنب المشاركة في الحكومة. وبعد إجراء الإنتخابات التشريعية يمكن تشكيل حكومة من الشخصيات الوطنية المستقلة والتكنوقراط، دون أن تظن الفصائل أنها تسدي لهذه الشخصيات معروفاً، بل على العكس يتوجب على الفصائل الفلسطينية أن تعمل كل ما في وسعها من أجل إنجاح الحكومة التي تشكل على هذا الأساس، وضمن ذلك اخضاع المقاومة وأشكالها لعوامل الزمان والمكان والظرف السياسي المحلي والإقليمي، بشكل يقلص من قدرة العدو على ممارسة الضغط على الحكومة. ومن أهم مقتضيات إعادة هيكلة النظام السياسي انتخاب رئيس جديد للسلطة يشرف هذا الشعب وقضيته العادلة، وليس بحجم أولئك الصغار الذين يخرجون عن طورهم وهم يحاولون استرضاء العدو بخلع كل خطايا الدنيا على المقاومة والمقاومين.
4- من ناحية جماهيرية لا يمكن لأبو مازن وفياض ومن لف لهما أن يستفيدوا من خروج حماس من الحكم. بالعكس فأبو مازن وفياض يعيشان على أخطاء حماس في الحكم. فكل الدلائل تؤكد أن أبو مازن لا يتمتع بدعم شعبي والذي يدلل على ذلك انتخابات جامعة بيرزيت، فمؤيدو حماس حصدوا 19 مقعداً في انتخابات مجلس الطلاب رغم ما تتعرض له الحركة من حرب تطهير وقمع تشارك فيها إسرائيل وأجهزة عباس الأمنية، وهذا يدلل على أن أي نتخابات جديدة لن تفضي الى عودة هؤلاء للحكم.
5- على الجميع أن يدرك أن إسرائيل تندفع بجنون نحو مربع التطرف الأيديولوجي والسياسي كما تدلل على ذلك استطلاعات الرأي العام، وبالتالي فأنه لا يوجد أي أساس للاعتقاد أنه بالإمكان التوصل لتسوية سياسية. قد يكون هذا صعباً، لكن مع كل أسف، فأن هذا الصراع سيتواصل حتى يلفظ أنفاسه أو يرحل آخر الصهاينة أو آخر الفلسطينيين. أي أن هذا الصراع طويل، ويتطلب دوماً الحرص على مد الشعب الفلسطيني بأكبر قدر من مقومات الصمود حتى تتحقق أمانيه العادلة. وعليه يجب إخضاع المقاومة دائماً من حيث الشكل والزمان والمكان لتحقيق هذا الغرض. فبدون ذلك، فأنه ليس أمام الشعب والمقاومة إلا أن يخسرا.