أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أخيلة وأمكنة

بقلم :  نبال شمس ... 6.5.08

سكبَت الهدباء مدادَها على وجه الصَفْصاف. نغمَة عود تَصدَح من المكان حتى الفَضاء.
قالتْ الهَدباء:
- أشعر بِنغماته تَخترق أُذني وتَطعن بي طَعنا كَسِكينة مؤلمة غير حادة ، لا تجرح بقدر ما تجعلني أشعر اين أقف وفي اي مكان، ثم الشعور بالصمت والاصغاء فقط لتلك الموسيقى. اوتار عودهِ تضرب في الفضاء.
الشعور المختلط. الشعور المتضارب بين هنا وهناك بين الفرس وجمحتة ، بينكَ وبين بحثكَ عن اغترابك داخل حدود نفسك ، فكم اشعر بالحنين والعطش لقصيدة تبدّد الرهبة وتنّز فرحة ، لقصيدة تعيد كيانات الجليل. تراقص الصفصاف الحزين وتنثر حبري كما الان ينزف كعطش الوتر لفضاء رحب وتلك المناداة الجميلة الحادة الصارخة والصامتة والجميلة.
حلّق الهدهد من الارض الى الفضاء فردَّ قائلا:
- انا الحائر ما بين تيهي وتيه السؤال وحب اغنية لسماء لا تمتلكني. انا التائه مابين حرف ونقطة. للتوّ وصلت الى الشمال، أتـأمل اشرطة المكان.
لا مكان لي هناك. لا مكان لي هنا.
ضربة عود تهز الكيان، زهر الرمان يتفتح بأحمره القاني دررا ثمينة عندما تتمايل بنسيم ربيعي بارد.
قال السافرُ متأملا نفسه في نقطة العبور:
- شعرت بها عندما وقفت على جسر بنات يعقوب وشجر السدر ما زال في المكان، وقفت أتأمل اين انا في تلك النقطة. لم أرَ الأنا بل كان النهر جاريا ومتدفقا فكم تمنيت لو كنت كالنهر بهذا التدفق وهذا الجريان.
أكتب فتتبعثر كلماتي مع النسيم لا نهرا يحوي كلماتي ولا صفصافا يفهم صراعاتي.
ضربات العود قوية منسابة كخرير جدول رقراق على نفسي التي لا تأبى الاعتراف ولا تعرف.
الهدهد والهدباء ، تيه الوقت والمكان ردّدا أغنية حزينة وصدى صوت لا يخرج.
أنصت السافر للأثنين معا فدون سابق انذار استيقظ الشعور بالتشتت والخيبة الكبيرة.
زهر رمان تأجّل موعد ازهاره، انه لشعور فظيع الشعور بالبحث عن زهر لوزك وليمونك في ارضك.
السافر يتراقص ثملا والتعب فاض من روحه الحزينة، يتأمل ربيع المكان والشتاء الراحل على ناصية الجسر، يتراقص وهو لا يجيد الرقص ولا الغناء ولا العزف على العود. يغني ويردد يصرخ ويبكي لا يمّل كأسه الفارغة كما لايمّل السفر في رحاب الروح.
ماذا فعل نغم العود، اليوم وقد هزّ الامكنة بعذوبته فأين لنا قصيدة تهز كياننا الذي الذي لملم حقائب سفره.
بكى الهدهد قائلا:
- كم اشعر بالحنين والعطش ، اشعر بالفقد الذي يشهد على الضياع والتشتت ما بين الطرقات فكم هي الطريق ملتوية امامي الان وانا ابحث عن اغنية تهز حيفا ووتر عود يراقص احراش الكرمل.
السافر بكى بحرقة على الهدباء والهدهد حلق بأجنحته حزنا وغموضا أعاد في النفوس ومضة جميلة أخذتنا الى حارات الجليل وقراه اخذتنا الى الكرمل الجميل واحراشه، ومضة اعادتنا الى حقيقة الامر بأننا ما زلنا نبحث عن زهر الرمان وزهر اللوز نبحث ولا نجد شيئا سوانا.
الم يحن وقت القصيدة وضربة عود جديدة؟
بكت الهدباء بدموع حارقة فاذا حان وقت القصيدة يحين وقت الرحيل.
حسد ما أصابنا، او شعور مختلط لم نستطع تفسيره او بالاحرى صعب علينا تفسيره.
رحل السافر نحو اتجاهين يبحث عن زهر لوز آخر ليعيد كيانه الذي كاد ان يفقده. طار الهدهد تاركا اخيلة الوانه وبقيت الهدباء تلملم ما تبقى من زهر الرمان من قمم المكان خارج فضاء المكان.

*كاتبه فلسطينيه