بقلم : صقر أبو صعلوك ... 10.1.08
تنص جميع الشرائع السماوية، والقوانين الدولية على حق الإنسان في العيش بكرامة، وحفظ حقوقه الإنسانية في مقومات العيش والمسكن، واحترام مشاعره الدينية والسياسية والفكرية عامة.نعم... نحن في النقب وخاصة في القرى غير المعترف بها نعيش حياة في ظروف معقدة، وتحت وطأة هدم البيوت ومصادرة الأراضي من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة، كون عقلية الساسة في إسرائيل لم تزل تنظر إلى تحقيق حلم أحفادهم في جعل إسرائيل دولة اليهود بمعنى الكلمة، من حيث الأغلبية اليهودية، ومن حيث الحصول على الأرض وانتزاعها من العرب، فلم يهدأ إلى ساسة إسرائيل بالا منذ قيام الدولة حتى اليوم كون أراض عربية بقيت بيد غير يهودية، فعملت كل ما بوسعها من اجل مصادرة الأراضي العربية وتسهيل سلبها بشتى الوسائل، مستعملة القوة في سنوات الخمسين لترهيب الناس ليغادروا إلى الأردن، أو إلى مناطق قطاع غزة لترك الأرض، ومن ثم شرعت إسرائيل في تهجير البدو من أراضيهم في النقب الغربي إلى منطقة "السياج" أي في مثلث بئر السبع، عراد، ديمونا، حيث وعد أصحاب الأراضي غربي النقب في حينه بإعادتهم إلى أراضيهم من قبل الحاكم العسكري بعد أسبوعين، وتركوهم في أراض غير أراضيهم حتى أيامنا هذه، فلا غزل غزلوا ولا حصيد قلعوا، أي خسروا أراضيهم الواقعة غربي النقب والتي تبلغ آلاف الدونومات، وهي تفوق ما تبقى بملكية العرب ( في القرى غير المعترف بها) في هذه الأيام والتي تبلغ مساحتها 240 ألف دونم، علما أن عدد سكان القرى غير المعترف بها حوالي 90 الف نسمه، فيبقى للفرد الواحد حوالي 2.5 دونم، واذا ما تم الاعتراف بالقرى غير المعترف بها سيخصص قسم من هذه الأراضي للبنى التحتية ولبناء المؤسسات العامة، وبذلك يصبح لكل فرد حوالي دونم ونصف، وبالنسبة للزيادة الطبيعية إن أخذناها بالحسبان، كما هو واجبنا في كل تخطيط، في السنوات الخمس القريبة سيكون حصة كل فرد اقل من دونم ارض، فنحن بحاجة لأراض إضافية من الدولة بعد عدة سنوات، فلماذا تلاحقنا إسرائيل على أراضينا!؟.
تحركات الحل...:
لم تألو إسرائيل جهدا في سن القوانين، وبناء الخطط من اجل تجريدنا من أرضنا، فهدمت مئات البيوت، وصادرت آلاف الدونومات، منذ تأسيسها، إلا إنها لم تفلح في السيطرة على كامل الأراضي العربية في النقب، وبقيت تراوغ وتقيم المؤسسات مثل "سلطة التعويض" في الثمانينات، ومن ثم "دائرة النهوض ببدو النقب"، وقبل ذلك إقامة "الدوريات الخضراء"، وذلك في خطوة للسيطرة على كامل الأراضي العربية التي بقيت بأيد عربية، علما أن إسرائيل لا تعترف بملكية العرب في النقب على أراضيهم، بحجة أن أصحابها لا يملكون "الطابو"، رغم أن غالبية السكان يملكون تسوية ووثائق تثبت ملكيتهم للأرض.
فعمدت حكومات إسرائيل المتعاقبة على هدم البيوت العربية، إلا أن الهدم لم يساعد في تهجير، أو انتقال أي إنسان إلى القرى الثابتة بل زادت هذه العمليات البدو إصرارا على تمسكهم بأرضهم، وخير مثال قرية الطويل أبو جرول غير المعترف بها حيث هدمت بيوت سكانها من عائلة الطلالقه 13 مرة، وفي كل مرة كان يعاد بناء البيوت، وحتى هذا اليوم يسكنون على أرضهم، فالعربي في الجنوب كلما هدم بيته بنا بيتا آخر مكان الذي هدم، وأصر على التمسك بأرضه.
هذا التمسك بالأرض أثبت لحكومة إسرائيل أن الحلول الأحادية، والجبرية التي تنهجها لم تساعد في حل مشكلة توطين البدو، وربح قسم من الأرض أن لم تكن كلها، فجاءت الحكومة اليوم بسلطة جديدة وهي " سلطة تسوية استيطان البدو في النقب" ومن المقرر أن تعمل هذه السلطة من خلال توصيات "لجنة تسوية استيطان البدو في النقب" برئاسة القاضي غولدبرغ، والتي ستقوم بالجلوس مع بعض العرب، ومع المؤسسات الحكومية، ومع جهات يهودية في النقب، لتبحث عن حل لقضية استيطان البدو، وبدورها ستقدم التوصيات للحكومة، وستسنها الحكومة كقانون ومن خلاله ستعمل الحكومة وسلطة تسوية استيطان البدو برئاسة يهودا باخر بالتعامل مع البدو وفق التوصيات، مستعملة العصا والجزرة.
الوحدة مطلب الساعة...
وبإقامة لجنة غولدبرغ يتوجب على الجميع، أصحاب الأراضي وسكان القرى غير المعترف بها التوحد حالا، لان قرارات اللجنة ستكون عامة للجميع ولن تستثني أحدا، ومن يفكر بغير هذا التفكير مخطأ بشكل كبير، ومطلب الوحدة والمطلب الواحد مطلوب من الجميع لان اللجنة ستجلس مع أصحاب أراضي وغيرهم من رجالات التربية، والاقتصاد وغيرهم، كون اللجنة ستبحث في حيثيات المشاكل التي يواجهها سكان القرى العربية المعترف بها وغير المعترف بها، وستخرج بتوصيات عامة للحل، لذا على جميع شيوخ القبائل، وكبار الأرباع كما يقال في النقب التوحد والمشاركة في اللجنة الشعبية التي تم تشكيلها من قبل المجلس الإقليمي في اجتماع شقيب السلام الأخير، وذلك من اجل توحيد الخطاب والمطلب، كي يقف الإنسان أمام اللجنة بوثائق ومطالب تلبي مطالب الجميع، وليس مطالبه فحسب، علما إن اللجنة لن تأخذ بالكلام المطلق، والأقاويل. فالمشاركة في اللجنة الشعبية ستنظم المطالب، وستجبر اللجنة الحكومية بالنظر بجدية لما يطرح من قبلها، وإلا ستنفرد اللجنة الحكومية بالناس كما يطيب للجان الحكومية، ومن ثم سيخسر الجميع، ومن هنا اذكّر بأن انفراد " دائرة التعويض" في الثمانينات بأفراد، وعائلات في تل الملح والبحيرة، جعلهم يخسرون أراضيهم، وتم تهجيرهم بدون أن يحصلوا على حقوق مشابهه لليهود الذين خرجوا من ياميت في سيناء، علما ان حجة ترحيل البدو من تل الملح والبحيرة جاءت بحجة بناء مطار نبطيم الحربي عوضا عن معسكرات الجيش في سيناء التي سترحل إلى داخل إسرائيل، وتم ترحيل أهلنا بحجة معاهدة السلام مع مصر، وهي نفس حجة ترحيل ياميت، فاليهودي تم تعويضه بالمال والأرض كيفما يشاء، بينما أهلنا هجروا وخسروا أراضيهم نظرا لتفرقهم، فاخرجوا من مطار نبطيم بابخس الأثمان، وهنا ليس المقصود ثمن الأرض وإنما التعويض عن المباني، لان أهلنا لم يكونوا موحدين، وعندما نرى نموذج الوحدة في قرية بير هداج قررت الحكومة الاعتراف بقرية بير هداج للعزازمه على أراضيهم، رغم أنهم رجعوا إليها ليلا بعد مغادرتها بعدة سنوات، فالوحدة تثمر، وفي هذه الأيام والظروف ستثمر الوحدة فعلا بنجاح باهر بالحصول على اكبر كمية من الأرض، ومن هنا على أهلنا الحذر ممن تدسهم الحكومة وجهات أخرى بين صفوف أهلنا من اجل تخريب وحدة الصف، لتخرج الحكومة منتصرة بتحصيل ما لم تستطع تحصيله بالقوة، ألا وهو مصادرة الأراضي، وتهجير أهلنا لقرى التجميع الفاشلة، وعدم الاعتراف بالقرى غير المعترف بها.
يجب الحظر...
بخصوص اللجنة الشعبية عليها أن تقبل لعضويتها كل من يتعهد بعدم الانفصال عنها، وكل من يتعهد بتمسكه بالحل الجماعي، وان يتعهد بقبول ما تقبله اللجنة الشعبية، وعلى اللجنة الشعبية أن تستقي أفكارها وطرحها من خلال اللجنة المهنية التي تم الاتفاق على تشكيلها، كي يكون طرحنا أمام اللجنة حضاري، ومنطقي، كي لا نخسر أرضنا، وعلى اللجنة الشعبية الحذر كل الحذر من مراوغات السلطة، ويجب عليها أن لا تقبل بالتنازل عن الثوابت من اعتراف بالملكية العربية على الأرض، والاعتراف بكافة القرى غير المعترف بها كقرى زراعية وفق رؤية السكان وعلى كافة أراضيها.
كما يجب فحص إذا ما وضعت توصيات مسبقة للجنة من قبل الحكومة، يعني أن تكون النقاط النهائية قد وضعت من قبل الحكومة، وان وجود لجنة غولدبرغ وضعت لشرعنة القرارات الحكومية، كما على اللجنة الشعبية في حالة رؤيتها أي خلل في عمل لجنة غولدبرغ عليها مقاطعة اللجنة لان المقاطعة تفقد هذه اللجنة شرعيتها، كما أن الأعضاء العرب في غولدبرغ وهم احمد الأسد رئيس مجلس اللقية، وفيصل الهزيل نائب رئيس بلدية رهط عليهم العمل بحذر ومراقبة عمل اللجنة من الداخل، فإذا رأوا أي خلل عليهم الاستقالة فورا لان هذه الاستقالة ستفقد اللجنة شرعيتها، كما يتوجب عليهم تنسيق العمل مع اللجنة الشعبية لان عملهم في اللجنة الحكومية ليس سري، وإنما جاءوا ليمثلوا مطالب سكان النقب، وليس رؤية الحكومة، فللحكومة من يمثلها في اللجنة، لان كل عضو من اليهود يمثل جهة حكومية، فعلى العرب من اعضاء اللجنة الحكومية أن يؤثروا ويضغطوا، ويبينوا مطالب الناس أبناء جلدتهم.
هل من الأولى مقاطعة اللجنة الحكومية أم التعامل معها...
لهذا السؤال إجابتان الأولى نعم، والثانية لا، فنعم للمقاطعة إذا تبين أن اللجنة رسمت قراراتها وتوصياتها من قبل الحكومة قبل عملها، وكذلك إذا لم يكن كادر مهني عربي يعمل لتوجيه اللجنة الشعبية العربية فالأفضل مقاطعة اللجنة، ولا للمقاطعة إذا تبين أن اللجنة ستأخذ بالحسبان طرح الناس ورؤيتهم، وان كان التوجه العربي للجنة بشكل مهني، لان العمل المنظم يجب أن يواجه بعمل منظم، وعلى العرب المطالبة بأن يكون عمل اللجنة الحكومية شفاف للغاية، وان تكون جلسات اللجنة مفتوحة للجمهور العام، كما انه من الصعب إبطال اللجنة بعد أن أقرتها الحكومة، ولا يعقل أن نقاطعها منذ البداية ومن ثم نعترض، فعلى أعضاء الكنيست العرب، والسكان العرب في النقب، والمؤسسات الأهلية، ولجنة المتابعة العليا لعرب الداخل مسؤولية كبيرة جدا، في هذه الفترة الحرجة، فيجب على الجميع الوقوف مع أهل النقب، وتقديم النصح والإرشاد لهم، مع العلم انه يمكن التعامل مع اللجنة في بداية مشوارها وإذا تبين أي خلل أو أي شيء لا يعجبنا نستطيع مقاطعتها وإعلان الحرب عليها، وهذا سيفقدها الشرعية، وستكون توصياتها ناقصة، وغير مقبولة علينا، علما أن كل خطوة، أو خطة لم نكن راضين عنها واتخذت بشكل فردي من قبل الحكومة فشلت، والحكومة من مصلحتها أن تأخذ برأي أهلنا في النقب لأنها تعلم أن أي قرارات فردية ستفشل كما فشلت عشرات الخطط الحكومية، وعلى الجميع أن يعلم أن الحكومة لم تكن لتأتي لطرح من هذا القبيل، إلا بعد أن رأت أن "خطة تطوير النقب" ستفشل ما لم تتوصل الدولة بحل مرض مع البدو، ففشل خطة "تطوير النقب" هو فشل لحكومة اولمرت، كون هذه الخطة من أكبر الخطط التي تعمل عليها الحكومة الحالية على المستوى الداخلي، ونحن العرب لنا أسلوبنا في عدم إدخال أي إنسان أرضنا إذا تمت مصادرتها من قبل الحكومة، بأساليب تعتمد على الاحترام المتبادل بيننا العرب، كما هو حاصل في قرى أبو بسمه، ويستطيع هضم هذا الكلام واستيعابه كل من له علم بعادات وتقاليد أهل النقب في قضايا الأرض، حيث لا يسمح لأحد بدخول أرضي إلا بموافقتي ولو صادرتها الحكومة، فالحكومة الإسرائيلية تعلم علم اليقين هذه العادات والتقاليد التي أفشلت مخططات حكومية كبيرة، علما أن الحكومة استوعبت بعد ما يقارب 60 عاما أن عليها أن تتعامل بالتفاهم مع أهلنا في النقب، وعدم إملاء الحلول التي تعتمد على رؤية متطرف يهودي هنا أو هناك.
ومن هنا يجب علينا الوحدة، والحذر من الانزلاق وراء الوعود البراقة، وعلى اللجنة الشعبية أن تتنظم داخليا وخارجيا، وان تستشير اللجنة المهنية عند كل خطوة تخطوها، كما انه على وسائل الإعلام العربية، وغيرها أن تأخذ دورها في نشر تطورات الحلول وعمل لجنة غولدبرغ، كونها ستعمل لمدة ستة أشهر ومن ثم ستقدم توصياتها، فعلى الجميع في الوسط العربي اخذ دوره، كي لا نخسر وجودنا في النقب، وعلى وجهاء العائلات والقبائل عدم التهاون، والوقوف موحدين، لنتوصل إلى أفضل الحلول، أو لنقف في وجه هذه اللجنة، لان يد الله مع الجماعة.