بقلم : رشاد أبو شاور ... 18.03.2009
لم ألمس أدنى اهتمام من (قائد) فلسطيني بالمسرح، مشاهدة، أو قراءة ـ وأقول قراءةً، لأن بعض النصوص المسرحيّة تُقرأ وتشاهد ـ لا من (القادة) الآفلين، ولا من المتزاحمين المتلمظين على الثروة والوجاهة...
كما انني نادرا ما لاحظت موهبةً مسرحيّة لديهم، ولذا تفضحهم منصّات الخطابة، والأداء الرديء نطقا وحركة، وهذا أحد الأسباب التي تدفعني للترحم على باني منظمة التحرير الفلسطينيّة الأستاذ احمد الشقيري، الخطيب المفوه، والرجل الذي كان (يؤدّي) دوره التاريخي كما يليق بمن يمثّل شعبا وضعته أقداره على خشبة مسرح العالم، أمام تحد برع في مواجهته، رغم أنه ابتلي بقيادات أربكت حركته...
القيادة مُكلفة، متطلبة، فهي بذل واستعداد للعطاء، ولكن الأمر في حالتنا الفلسطينية، ولا سيما راهنا بات مسخرة، فالقيادة ربح ومكاسب ووجاهة، وحياة دعة تحت بوز دبّابة الاحتلال، وبلا قلق، وكأن هؤلاء القادة يعيشون في سويسرا لا في رام الله!
الكفاءة لدى قيادات فلسطينيّة ليست بالتضحية، ولا بالثقافة، ولا بالقدرة على العمل والعطاء والنزاهة والاستقامة والابداع ميدانيّا في ساحات المعارك..إنها شبكة علاقات، وشطارة!
من أبرز مردودات (القيادة) في العمل الفلسطيني: جني الثروة بدون تعب، ولقد تساءلت أثناء الأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا، ووصلت تداعياتها إلى القبائل الأفريقية التي تعيش في الغابات، إن كان المستثمرون الفلسطينيون في (الثورة) قد خسروا الكثير من أرصدتهم، فكان جوابي لنفسي: هم سيعوضون خسائرهم بأكثر من أرقام الأرصدة التي تبخّرت.. إلاّ إذا تمّت إزاحتهم، وحوسبوا الحساب الذي يستحقون..متى؟!
رغم نفور هؤلاء القادة من المسرح، والسينما ـ أحدهم مواظب على قناة الأفلام، فهو مولع بالضحك، ولذا يمكن القول بأن قناة (كوميدي) دشنت لأجل خاطره، ولقد نكتشف في آتيات الأيام أن الرجل شريك في القناة.
مرجعية هذا القائد أفلام اسماعيل ياسين، وعبد السلام النابلسي، وزينات صدقي، وشكوكو، وفؤاد المهندس، وغيرهم، بل إنه يستشهد بحركاتهم، وأقوالهم المـأثورة..أنا أحترمهم لفنّهم ومواهبهم.
ربما يغيب عن بال بعض القرّاء أن الفنان الكبير توفيق الدقن، كان يطلق عبارات مضحكة باتت مقولات مأثورة مثل: أحلى من الشرف ما فيش.
الرجل إيّاه أخذ بعد الحديث في (حوارات) القاهرة، عن ميثاق شرف (جديد) غير ميثاقات الشرف التي مزقها رصاص الإخوة الأعداء، يُردّد وهو يقهقه: أحلى من الشرف ما فيش!
مسرح اللامعقول بحسب متابعاتي أفل منذ سنوات غير قليلة، فمن النادر أن تُعرض مسرحية ليونسكو، أو بيكيت، على مسارح العالم، وإن حدث فليس بزخم مطلع الستينات عندما اقتحم واكتسح اللامعقول مسارح العالم...
(القادة) الفلسطينيّون، غالبا، ليسوا رجال مسرح ـ ليس هناك قائدات، فهم قيادات ذكوريّة ..خاصة على بعضهم، وليس على الاحتلال ـ بل هم رجال فضائيّات، ومنها ينطلقون إلى (النجوميّة)، وتتردد أسماؤهم بين عشيّة وضحاها، وتصبح وجوههم معروفة، وإن كانت المعرفة هنا لا تدل على حميميّة العلاقة بين الوجه و..جمهور المشاهدين، بل إنها منفّرة، ويشاهدها الناس بتأفف، ويخجلون من ظهورها كونها محسوبة على فلسطين وشعبها!
الحوار (الفلسطيني)، وهو ليس حوارا، بل حفر كمائن، وألاعيب، وابتسامات صفراء، ولقاءات في غرف مغلقة (للوتوتة) وليس بحثا جديّا للخروج بقضيتنا من مأزقها الراهن...
بعض من يشاركون في (حوار) القاهرة، يتصرفون كما لو كانوا يلعبون في انتخابات اتحادات الطلبة في الجامعة ..وماذا نطلب منهم، وقد قفزوا من مقاعد الجامعة، بعد أن نجحوا (شحوطة) ـ بعضهم يقدمون أنفسهم وقد تقدم اسمهم لقب الدكتور، في حين انه لم يحصل على البكالوريوس إلا بعد وساطات، ودعم عربي شقيق ـ و..هب فإذا بهم (سفراء) في بلدان عربيّة، وغير عربية، ومن عواصم سفاراتهم مُنحوا دعما، فهم صاروا سفراء لها في (الثورة) الفلسطينية، و..هب، فإذا بهم مجلس تشريعي، وقادة، و..هب، فإذا ثمة فراغ قيادي، فالقيادات التاريخية اغتيلت، أو هرمت، ونخر عصاها السوس وما عادت تحتمل سوى دفشة فإذا بها تُخلي المواقع ـ أما شاهدتم العواجيز وهم يغرقون في نوم لذيذ أمام الكاميرات، مع تشبثهم في الجلوس في الصّف الأول؟!..ما فاز إلاّ النوم !ـ و..هُب يجلس عليها (قادة) لم يتعبوا في النضال، فهم من بوفيهات الجامعات إلى ..سدّة القيادة بكل عائداتها الماديّة والمعنويّة!
الشخصيات في مسرح اللامعقول والعبث والغضب تطرح أسئلة الوجود والموت والمصير الإنساني، ووحشة حياة الإنسان المعاصر، ومسرح اللامعقول الفلسطيني لا يُمتع ولا يطرح أسئلة وجودية، ولكنه يُحرّض شعبنا على طرح سؤال واحد مختصر مُختزل: وبعدين؟!
لا، المسرح الفلسطيني ليس كوميديا لنفرقع الضحكات، وننبسط، ولا نندم على الثمن الذي دفعناه من وقتنا ودمنا (لا جيوبنا)!...
وليس تراجيديا لنتأسى على أحداث ومصائر أبطالها، فالبطل التراجيدي هو شعبنا الذي يتلقّى الطعنات من كل جانب، ومع ذلك فهو صلب الروح، وإن كان مثخن الروح والجسد ...
المسرح الذي نراه مسرح بهدلة، فهل هذه مدرسة مسرحيّة جديدة التي يُقدمها المتصارعون المتنقلون من (مكّة) إلى القاهرة، الى اليمن، إلى ..الجحيم؟!
لجنة واحدة من اللجان الخمس، حتى الآن، نجح المتصارعون في الاتفاق على قرار بشأنها، هي لجنة الانتخابات!
الانتخابات! ..تاني؟!
هل سيلدغ شعبنا من الانتخابات مرتين؟!
تكفينا الانتخابات (الديمقراطيّة) السابقة التي منحت حماس فوزا كبيرا، فيه من الانحياز لفكرها ونهجها، وفيه من الاحتجاج على الفساد وفشل وعود مسيرة سلام أوسلو...
يكفينا أن الدرس الأول الثمين من تلك الانتخابات: أن الانتخابات لا يمكن أن تعود بنتيجة على شعب مُحتل، لأنها تعمية على الوعي، وإطالة للطريق، وإلهاء عن الهدف والوسيلة...
يكفينا أن الدرس الثمين هو أن أمريكا لا تريد انتخابات ديمقراطية تأتي بمن لا يخضعون لمخططاتها، وانحيازها، وأن أوروبا منافقة وما حديث الديمقراطية سوى تدليس...
وأن الانتخابات تحت الاحتلال لا توقف الاستيطان، ولا تقتلع الحواجز، ولا تحرر الأسرى، ولا تنجز وحدةً وطنيّةً...
ورغم أن ما يجري في القاهرة ليس مسرحا معقولا، ولا مسرحا لامعقولا، فإنني كما لو كنت في صالة المسرح، سأنتزع لنفسي دور طارح الأسئلة، وفي مواجهة نّص فوضوي، وأحسب أن أسئلتي تلح على ضمائر وعقول فلسطينيين كثيرين: هل نحن بحاجة لانتخابات جديدة، وهل ستخرجنا الانتخابات من مأزق؟! هل إذا فازت حماس بانتخابات سترحّب أمريكا أوباما بنتائجها وتتعامل معها وتفوضها..هل بقيت أرض للتفاوض؟ هل ستبارك قيادات السلطة هذه النتيجة، وتنصاع لإرادة شعبنا في الضفّة والقطاع؟ هل إذا فازت جماعة السلطة، أو من ينتحلون صفة فتح، سيُفك الحصار عن القطاع والضفة، وتفكك الحواجز، ويوقف الاستيطان، ويُفرج عن الأسرى، و..توقف الحفريات تحت الأقصى، والعيزريّة، وتوقف سياسة هدم البيوت، ويفكك تجمع مستوطنات معليه أدوميم التي وصلت إلى شاطىء البحر الميّت؟! إذا ما فازت حماس، ورفض (المجتمع الدولي) فوزها، أو وضعها أمام خيار الاعتراف بالكيان الصهيوني أو ..ماذا ستفعل؟ وهل سيكون أمامها خيار سوى خيار المقاومة حينئذ؟! ها قد جاءكم نتنياهو وليبرمان في حكومة مصغّرة هي حكومة حرب..فهل ستستمرون في إضاعة الوقت؟ شعبنا ينتظر بروز مرجعيّة مقاومة، لا انتخابات تضيّع وقته، وتزوّر إرادته..كفاكم غرقا في أوهام لامعقولة..كفاكم!