أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مقارعة الأعداء بسيوف من خشب!

بقلم : د. فيصل القاسم ... 22.03.2009

لا أريد من العنوان أعلاه بث روح الاستسلام والخضوع في نفوس الشعوب العربية كي تستسلم للأمر الواقع، فالتاريخ مليء بالصراعات بين القوى الاستعمارية العملاقة والشعوب المستضعفة التي كانت الموازين مختلة بشكل مرعب في غير صالحها، ومع ذلك استطاعت أن تهزم أعتى الغزاة. لكن إذا بقينا نفكر بأننا قادرون على طرد الاستعمار بأدواتنا ومقدراتنا المتواضعة، فسنبقى مجرد فريسة للمستعمرين على مدى الدهر. صحيح أننا استطعنا ونستطيع أن نهزم الغزاة مهما طال الزمن. لكن أليس درهم وقاية خيراً من قنطار علاج؟ لماذا لا نحصن بلادنا وشعوبنا كي لا يفكر أحد يوماً باستعمارها بدلاً من مقارعة المستعمرين لمئات السنين، ثم نعود إلى المربع الأول كي نقع فريسة لمستعمر جديد كما هو حاصل هذه الأيام مع العديد من بلادنا؟ ألا يتناوب المستعمرون علينا منذ مئات الأعوام. فما أن نطرد مستعمر احتى يأتينا آخر أشد وأظلم. ولا شك أن الكثير منا يترحم على المستعمرين القدامى لأنهم كانوا أقل تطوراً من الناحية التكنولوجية، وبالتالي فإن التصدي لهم كان بالنسبة لنا أسهل بكثير. أما الآن فالمستعمرون الجدد يواجهوننا بترسانات تكنولوجية رهيبة لا يمكن لنا أبداً أن نواجهها بهراوتنا التي أكلها السوس مهما امتلكنا من شجاعة وبأس وجسارة. فالعين لا تستطيع أن تواجه المخرز، وإن فعلت ستصاب العمى.
من السخف الشديد، ومن القفز فوق الواقع أن نضع رأسنا برأس أمريكا، أو نصارعها ونحن لسنا قادرين على تأمين أتفه احتياجاتنا اليومية. هل يستطيع أحد أن ينكر أننا نعتمد في معظم متطلباتنا على المصنوعات الغربية والأجنبية؟ دعونا أولاً نحقق الشعار الذي رفعه غاندي في مواجهة الاستعمار البريطاني: "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع"، وبعدها نفكر بصوت عال على طريقة المناجاة في الفن المسرحي (السولولوكوي)، أي سراً، في مقارعة أمريكا والطامعين بخيرات بلادنا وثرواتها. وطالما ليست لدينا القدرة على استغلال ما حبانا الله به من خيرات فمن الأفضل لنا أن نخرس كي لا أستخدم عبارة أكثر ضراوة، وأ لا نرفع سيوفنا الصدئة في وجه مالكي العالم بالتكنولوجيا والعلم والاقتصاد والتجارة والإعلام! فقبل أن نفكر بالتصدي لقوى الهيمنة العالمية فلنتصد أولاً لقوى الهيمنة الداخلية العربية التي تسومنا يومياً سوء العذاب.
إنها ليست أبداً دعوة للهوان والخنوع والركوع بل للاستنهاض وبناء مكونات القوة. قد يقول لي قائل إن العرب عبر تاريخهم هزموا المستعمر تلو الآخر، وإن ثورات التحرير والاستقلال ضد الفرنسيين والبريطانيين مازالت ماثلة في الأذهان, وهذا صحيح ولتعش سواعد المناضلين الأبطال الذين حرروا أرضنا من رجس المستعمرين! لكن ماذا فعلنا بعد التحرير والاستقلال؟ ألم نستبدل مستعمراً خارجياً بمستعمر داخلي حقير عاث خراباً وفساداً في بلادنا ومهد الطريق للغزاة كي يعودوا إلينا ثانية؟ أليس الأجدر بنا أن نحقق "الاستقلال الثاني" كي لا نعود إلى من حيث بدأنا؟ ألم يعد العديد من بلادنا إلى الحقبة الاستعمارية بطريقة مباشرة وغير مباشرة؟ أليس هناك بين ظهرانينا من يحلم بعودة الاستعمار؟
آه كم شعرت بحزن شديد عندما سألت شاباً عراقياً قبل فترة عن رأيه بالاحتلال الأمريكي للعراق، فقال لي وهو يشد الرحال من الدوحة إلى بغداد بسعادة غامرة: "لقد كنا نحن العرب نحلم دائماً بالذهاب إلى أمريكا للاستمتاع والانتفاع بنهضتها العلمية والتكنولوجية والاقتصادية العظيمة، والآن ها هي أمريكا وقد جاءت إلينا بأرجلها، فلماذا لا نستغل وجودها بين ظهرانينا كي ننهض ببلادنا ونستفيد من التجربة الأمريكية العملاقة في كل الميادين؟" (لكن صاحبنا العراقي عاد إلى الدوحة، فقد شاهدته قبل فترة في السيتي سنتر لكنني آثرت ألا أتحرش به رأفة بخيبة أمله) لماذا انطلت اللعبة على بعض شبابنا المتعلقين بأهداب الأجنبي؟ إن الأسد لا يهجم على الغزال في الغابة كي يمد له يد العون بل لكي يفترسه. وهكذا أمر القوى العظمى على مر التاريخ، فهي لا تمخر عباب البحار والمحيطات، وتجيش الجيوش الجرارة، وتضحي بأرواح جنودها، وتنفق المليارات كي تأتي لمساعدة "أخينا العراقي" وتنتشله من حفرته ومعاناته تحت استبداد حكامه، بل كي تفعل به ما تفعله الحيوات المفترسة في الغابة عادة بالحيوانات الضعيفة.
طبعاً من حقنا أن نشتم ونلعن هذه القوى المتوحشة ليل نهار، لكن الحل الحقيقي يكمن في تطوير أنفسنا وخلق دول قوية لا تكون لقمة سائغة في أفواه الطامعين بها أو فراغاً يستغله المستعمرون الباحثون دائماً عن أي ثقب ينفذون منه إلى ثروات الشعوب وخيراتها، فلا تعطوهم الفرصة. الأمر بأكمله عبارة عن معادلة طرفاها قوي متسلط وضعيف مسكين، فإذا قاوم الضعيف كما يفعل العراقيون الآن وفعل الفيتناميون من قبلهم فإن القوي سيهرب. لكن الأهم ليس مجرد طرد المستعمر بل الحيلولة دون عودة أمثاله في المستقبل عندما تختل المعادلة ثانية. وهذا هو بيت القصيد. الاستعمار، يا جماعة الخير، طاقة وقوة وحيوية واستنفار دائم وتحفز ونهم شديد وطموح ليس له حدود وتغول.
هل شاهدتم يوماً أسداً يفترس أسداً آخر؟ بالطبع لا. الأسود والنمور والضباع والذئاب تفترس عادة الحيوانات الضعيفة. وهذه سنة الغاب.ولا يمكن للغزال أن يتحول إلى وحش مفترس كي يصد عن نفسه الوحوش الكاسرة. أما الإنسان المستضعف فيستطيع أن يتحول من ضعيف إلى قوي ليصد عن نفسه قوى الهيمنة والتسلط والاستعمار. فكروا بعقلية المستعمر لعلكم تنهضون!