بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 14.03.2009
يمكن تسجيل مأخذين بارزين على المقاومة الفلسطينية، الأول: عشية توقيع اتفاقية أوسلو 4ـ 5ـ 1994، وبدء الانسحاب الإسرائيلي من أريحا، ومدن قطاع غزة، في ذلك اليوم تم تجميعنا كسجناء عسكريين في سجن غزة المركزي، وظل السجان اليهودي يتلذذ في عملية إطلاق سراح بعضنا وفق هواه حتى الفجر، ليتم نقل باقي الأسرى إلى داخل إسرائيل أمام بصر، وسمع عشرات الآلاف الفلسطينيين الذين أحاطوا بالسجن، والتزموا الصمت عملاً بمعاهدة السلام، أو جبنوا عن اقتحام السجن، وإطلاق سراح الأسرى بالقوة.
الثاني: عشية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، 15 ـ 8 ـ 2005، وتهديد شارون بسحق كل من يعرقل، أو يعترض القوات الإسرائيلية المنسحبة من قطاع غزة، وقد راقبت عن كثب الانسحاب الإسرائيلي الآمن من الموقع العسكري خلف بيتي، وكم كان مخجلاً صمت المقاومة التي كممت بنادقها تلك الليلة التي ما كان يجب أن تمر على الجيش الهارب بسلام، كان الثمن اللحظي سيكون غالياً، ولكن المربح السياسي والمعنوي الاستراتيجي سيكون رافعة المقاومة، والقضية الفلسطينية بشكل عام.
القاسم المشترك في حالتي الصمت، والانتظار المذكورتين هو تواصل نجاح أسلوب التهديد الإسرائيلي في خلق حالة من الخوف من ردة فعل الجيش الذي كان لا يقهر، لقد ظلت الدولة العبرية تقطف ثمرة أسلوب التهديد الذي من خلاله هودت النفس العربية، وسيطرت عليها قبل أن تغتصب منهم الأرض، وهي تخلق من جيشها أسطورة، فصارت بعبعاً يخيف كل باحث عن الحرية، ويرعب المحيط العربي الذي اكتفى بالتنديد على أبعد مدى.
لقد حقق التهديد في السنوات السابقة غايته دون كشف حدود قدرته، فكان التهديد بتدمير الجامعة الإسلامية، وقصف مقرات الشرطة، واجتياح الشريط الحدودي، وتمزيق قطاع غزة إلى أربعة مناطق، والقيام بعمليات إنزال، والتلويح بالخطط الجاهزة في الإدراج تنتظر القرار السياسي، وهكذا أخبار احتلت العناوين الرئيسية في الصحف العبرية، والإعلام الدولي لمدة عام من التهديد بالعملية العسكرية على قطاع غزة حتى ظن أهل غزة أن السماء ستمطرهم موتاً، والأرض ستخرجهم منها، لقد صار التهديد عصا تضرب ظهر الفلسطينيين كل الوقت، وهم يتوجسون الأسوأ مع تألق النداء العربي الناصح بالتعقل، وعدم ارتكاب حماقة جر الجيش الإسرائيلي لخراب غزة.
بعد حرب غزة أفرغت الدولة العربية ما في جعبتها من تهديد، ولم يعد قادتها يلوحون، فلم يبق لغزة ما تخاف منه، أو تخاف عليه، فقد اجتازت حدود الانتظار، وخبرت حز السكين، لتخرس لغة التهديد، وتفضح أسلوب التهويد، وضحالة كلمات التنديد.