أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
فلسطين بين مطرقة الاحتلال الجغرافي وسندان الاحلال الديموغرافي!!

بقلم : د. شكري الهزَّيل ... 12.7.08

حلَّ ما حلَّ وأُحتل ما أُحتل من فلسطين ودُمر ما دُمر وخُرب ما خُرب ظلما وعمدا منذ منحت "دولة بلفور" الاستكباريه الوطن الفلسطيني هبة للحركه الصهيونيه لتُنشأ عليه هذه بدورها عام 1948 كيان اسرائيلي مسخ ألحق دمار هائل بالبنيه الجغرافيه والديموغرافيه والاقتصاديه والوطنيه الفلسطينيه, وما جرى كان عصي لفترة طويله على الاستيعاب في ظل صدمة الاقتلاع والتشرد الفلسطيني والتعتيم الاعلامي الصهيوني والامبريالي على حجم العدوان الصهيوني والكارثه التاريخيه المدمره اللتي حلت بالشعب الفلسطيني وبالتالي لابد من القول والاعتراف ان الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربيه باجيالها ا الغابره والراهنه لم تستوعب حتى يومنا هذا حجم الكارثه والدمار التي لحق بالوطن والشعب الفلسطيني, والقضيه حقا وحقيقه اكبر بكثير من مفهوم نكبه واعظم بكثير من مفهوم نكسه, وتتعدى هاذين المفهومين والمصطلحين اللتي تعارف على تداولها والتعريف بها الشعب الفلسطيني والامة العربيه,.. وحقيقة الامر ان اللذي جرى قبل وبعد العام 1948 هو امر رهيب وهائل يتعدى في مفهومه البعيد مفهوم الاباده الجماعيه والاباده العرقيه والاثنيه والوطنيه اللتي تعرض وما زال يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد حركه صهيونيه احتلاليه واحلاليه,, بمعنى ان ماجرى في فلسطين من نمط استكباري " استعماري" هو ليست نمط كلاسيكي اكتفى باحتلال البلاد والسيطره عليها عسكريا واقتصاديا فقط ومن ثم خرج بعد فترة من الزمن, لابل ان ما جرى وماهو جاري ان الصهيونيه نظريا وتطبيقا ومشروعا جاءت مستورده بالكامل كمشروع استيطاني احلالي يتناقض تناحريا مع وجود وبقاء السكان الفلسطينيين في وطنهم [كما هو حال النمط الاستكباري الكلاسيكي اللذي يكتفي باحتلال واستعمار البلاد ولا يطرد شعبها] فلسطين اللتي جاءت اليه الصهيونيه باسم وهويه جغرافيه وديموغرافيه اسمه "اسرائيل" تختلف تناحريا وتناقضيا مع وجود شئ اسمه فلسطين او شعب فلسطين ولذلك كان وما زال المخطط الصهيوني منذ بدايته يرتكز على الاحتلال الجغرافي والاحلال الديموغرافي لبناء قاعده جغرافيه وديموغرافيه يثبت فيها المشروع الصهيوني اقدامه عليها في عملية انطلاقه نحو بناء كيانه عسكريا واقتصاديا وسياسيا ودوليا, وعليه ترتب القيام بخطوات اجراميه كبيره تفرض وجود اسرائيل وتنفي وجود فلسطين من خلال الاحتلال الجغرافي والاحلال الديموغرافي:
اولا : الاحتلال الجغرافي: لن نُعيد هنا الارقام والاحصائيات المنشوره في كثير من الكتب والمصادر و اللتي كانت سائده في فلسطين قبل عام 1948 لابل سنركز على بديهية وطبيعة ان فلسطين كان وطنا عامرا باهله وعامرا بمدنه وقراه وجباله وصحراءه وبحاره ومروجه , وكانت هنالك بنيه سكانيه واجتماعيه وبنيه اقتصاديه وزراعيه وصناعه وتجاره ومرافق وموانئ وطرقات وسكك حديد واسواق وتصدير واستيراد بضائع وعلاقات انسانيه واقتصاديه وسياسيه بالمحيط العربي الاقليمي والعالم ككل, بمعنى واضح وبسيط كان فلسطين قبل عام 1948 شانه شأن العالم العربي خاضع لمئات السنين للحكم العثماني ومن ثم الاستكبار البريطاني والفرنسي, ورغم ان الاستقلال وقيام الدوله الفلسطينيه رسميا وقانونيا لم يكن ممكنا او موجود شأنه شأن باقي الاقطارالعربيه التي اعلنت استقلالها فيما بعد, الا ان فلسطين كان من الناحيه الجغرافيه والديموغرافيه يشكل واقع دوله وحدود دوله يعيش فيها شعب واحد ذو لغة واحده وحضارة وهويه وطنيه واحده, وكيان واحد مترابط جغرافيا وسكانيا من اقصى الشمال الفلسطيني الى اقصى الجنوب والشرق والغرب الفلسطيني وبالتالي ماجرى في عام 1948 هو ليست نكبه ولا نكسه ولا يتناسب اصلا مع هاذان المفهومان لابل ما جرى هو احتلال وتطهير جغرافي للكيان والوطن الفلسطيني قامت به العصابات الصهيونيه والامبرياليه باحتلال جغرافيا المكان والوطن الفلسطيني من سهول وحقول وبحر ومدن وقرى قائمه جغرافيا منذ مئات السنين وعامره بالكامل بقطاعات ومُركبات الشعب والمجتمع الفلسطيني الذي كان في ذلك الزمن شانه شان باقي شعوب المعموره مترابطا جغرافيا واقتصاديا سواء في محيط وجغرافيا المكان او الترابط بين الريف والمدينه والباديه الخ .... ماجرى في عام 1947 وعام 1948 هو ان الامبرياية والصهيونيه قد احاكا خطة احتلال فلسطين جغرافيا[ سناتي فيما بعد للاحلال الديموغرافي] وافراغها من شعبها واحلال لمم اممي صهيوني يملأ جغرافيا فلسطين المحتله ككيان وكقاعده ديموغرافيه وجغرافيه تابعه للغرب الامبريالي وبالتالي ماجرى هو ليست مجرد نكبه ومفهوم نكبه فلسطينيه لابل هو تطهير جغرافي للوجود الفلسطيني في فلسطين وطرد الشعب الفلسطيني وحصاره في مخيمات المهجر والداخل جغرافيا خارج فلسطين الى حد ان بعض المخيمات الفلسطينيه التي يقطنها عشرات الالاف من اللاجئين الفلسطينيين لا تتعدى مساحتها الجغرافيه الكيلومتر مربع.. الانتقال من جغرافيا المنبت الواسع سواء مدن او قرى فلسطينيه الى جغرافيا المخيم الضيق في ظل وبسبب احتلال الجغرافيا الفلسطينيه من خلال قوات الاحتلال الاسرائيلي والصهيوني التي قامت باحتلال كامل الجغرافيا الفلسطينيه على مرحلتين هما عام 1948 وعام 1967, والامر هنا لا يتعلق فقط بالمساحات والاف الكيلومترات التي احتلتها اسرائيل واخلت سكانها الفلسطينيين قسريا منها لابل يتعلق بالدرجه الاولى بعملية تطهير وتغيير جغرافي لمعالم الجغرافيا الفلسطينيه واستبدالها بمعالم واسماء اسرائيليه في عملية اباده جغرافيه جماعيه لكل معالم المكان والجغرافيا الفلسطينيه وهذا ماقامت به اسرائيل منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا على مرحلتين وباسلوبَين اساسيين وهما: التدمير والاحلال والاحتلال العسكري المباشر لمئات من القرى الفلسطينيه ومحوها عن الوجود وبناء مستوطنات صهيونيه على انقاظها تحمل اسماء عبريه او مُعبره ومصهينه والاسلوب الثاني هو ما جرى للمدن الفلسطينيه [يافا الرمله عسقلان صفد حيفا بئرالسبع الخ] من احلال واحتلال في عام 1948 ومن ثم اهمال مبرمج منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا لتصبح اكثرية هذه المدن عباره عن اطلال وخراب وجيتو مُحاط بمدن يهوديه انهت عمليا طبيعة جغرافيا المكان الاصليه وهويته الجغرافيه والحضاريه الفلسطينيه, وهذا ما جرى ايضا على كامل التراب الفلسطيني في الضفه والقطاع والقدس والجليل والنقب حيث ينخر الاحتلال الجغرافي والزحف نحو ما تبقى من جغرافيا فلسطينيه وعربيه في فلسطين... اخذ الاحتلال الجغرافي الاسرائيلي والصهيوني عدة اشكال منها الاحتلال بالقوه العسكريه ومنها من خلال الاستيطان ومنها من خلال ما يسمى بالقوانين والتشريعات الاسرائيليه التي تشرعن احتلال الارض الفلسطينيه,و شق الطرقات واقامت المشاريع والبنيه التحتيه لرفاهية المجتمع الاستيطاني الصهيوني على اراضي وجغرافيا التواجد الفلسطيني ... ما لم تدمره اسرائيل وتستولي عليه من جغرافيه فلسطينيه عبر الاحتلال والاستيطان والزمن,,قامت بمصادرته او شق طرق ومشاريع اسرائيليه تلتهم اراضي وجغرافيا فلسطين التاريخيه ولا فرق هنا بين خط اخضر او اسود او اصفر..
ثانيا: الاحلال الديموغرافي: لم ينحصر ولم ينتهي الاحلال الديموغرافي الصهيوني بطرد وتهجير اكثرية الشعب الفلسطيني وسكان فلسطين العربيه في عام 1948 من خلال احلال لمم صهيوني عالمي ومن خلال موجات المهاجرين المستوطنين في مكان سكن الفلسطينيين في فلسطين [ سواء المستوطنات او إسكان المهاجرين وتوطينهم في بيوت العرب في المدن الفلسطينيه اللتي طردت سكانها العصابات الصهيونيه عام 1948] , لابل قد استمرت اسرائيل في خطة الاحلال حتى يومنا هذا من خلال محاولة تطويق وحصر اكبر عدد ممكن من ما تبقى من فلسطينيون في فلسطين على اصغر رقعه جغرافيه ممكنه سواء في الجليل او النقب او المدن الفلسطينيه التي تطلق عليها اسرائيل تسمية مدن مختلطه او المركز او الضفه او القطاع وفي المقابل نشر اقل او اكثر[ ما تيسَّر من مستوطنين!!] عدد ممكن من المستوطنين اليهود على اكبر مساحه جغرافيه ممكنه في فلسطين ككل وفي مناطق التواجد العربي بشكل خاص وهذا ماجرى في النقب والجليل ووادي عاره وحتى في مدينة الخليل التي تعد من اكبر المدن الفلسطينيه في الضفه التي يحتل مركزها ومساحه كبيره منها ثله صغيره من المستوطنين يحماهم ويدعمهم جيش الاحتلال الاسرائيلي...احتلال جغرافي واحلال ديموغرافي......الاستراتيجيه الاحلاليه الصهيونيه تعتمد على زرع وتكثيف الاستيطان الصهيوني البشري حول وداخل مناطق التواجد الفلسطيني بهدف الاحلال الجغراقي والديموغرافي كما هو حاصل في الجليل او النقب او في مناطق الضفه الفلسطينيه والقدس واماكن اخرى في فلسطين..حصار وزحف جغرافي وديموغرافي صهيوني نحو مناطق التواجد الفلسطيني اينما كانت في فلسطين وللمثال ما يجري في النقب من توطين قسري لبدو النقب والاستيلاء على اراضيهم وعدم الاعتراف باكثر من 45 قريه عربيه في النقب في الوقت اللتي تمنح اسرائيل مستوطنيها في النقب اراضي شاسعه كمزارع فرديه تهدف الى الاستيلاء على ارض عرب النقب جغرافيا واخلاءها ديموغرافيا من سكانها الاصليين واحلال المستوطنين اليهود مكانهم .. احلال ديموغرافي.. وهذا ماهو جاري ايضا في جبال الخليل والضفه ونابلس والقدس ورام الله وكامل الوطن الفلسطيني من خلال الاستيطان والمستوطنين[ استيطان المكان جغرافيا وزرعه بالمستوطنين ديموغرافيا] والاحتلال العسكري والقوانين الاسرائيليه المزعومه الهادفه لشرعنت الاحلال والاحتلال من خلال المناطق المغلقه والمناطق العسكريه التي تحظر على الفلسطينيين دخول اراضيهم ومزارعهم بهدف الاستيلاء عليها جغرافيا وديموغرافيا, وهذا ماتقوم به اسرائيل منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا!!.... لم ينتهي الاحلال الديموغرافي عام 1948 لابل انه ما زال مستمر حتى يومنا هذا, حيث ان اسرائيل تهتم بالتكاثر الطبيعي والديموغرافي الفلسطيني, وتعقد المؤتمرات وتجري البحوثات حول كيفية الحد من القنبله الديموغرافيه الفلسطينيه واللتي تهدد على حد زعم اسرائيل وجود وهوية اسرائيل, ولذلك تشن اسرائيل حربها االديموغرافيه على الفلسطينيين من خلال تشجيع الهجره الصهيونيه والاستيطان في فلسطين وخاصة في مناطق سكن الكثافه الفلسطينيه من جهه وتحاصر الفلسطينيين بشتى الاشكال الاقتصاديه والسياسيه بهدف تهجيرهم الى خارج فلسطين من جهه ثانيه وبالتالي يحتل الاحلال الديموغرافي حيزا مهما في النظريه الصهيونيه الهادفه لاحتلال فلسطين وافراغها بالكامل من الشعب الفلسطيني او حصر ماتبقى على مساحة جغرافيه صغيره يحيطها حزام امني استيطاني من المستوطنين والمستوطنات.... الشكل العام والمهيمن اليوم في فلسطين هو احاطة جميع مناطق التواجد الفلسطيني باحزمه استيطانيه اسرائيليه تسيطر جغرافيا وتهيمن ديموغرافيا على مناطق التواجد الفلسطيني.
كل ما في الامر ان اسرائيل تلعب على عامل كسب الزمن لفرض سيطرتها الكامله على فلسطين وماهو جاري ان فلسطين واقعه اليوم بين فكي الكماشه الصهيونيه وبين مطرقة الاحتلال الجغرافي وسندان الاحلال الديموغرافي بالاضافه الى السيطره الاقتصاديه الاسرائيليه اللتي تتحكم بحياة الفلسطينيون ومستوى عيشهم وما هو جاري في قطاع غزه من حصار ماهو الا مثال حي على مدى انتهاج اسرائيل لعوامل وطرق كثيره مبرمجه بهدف فرض الاحلال والاحتلال الاسرائيلي في فلسطين...بالمناسبه ماهو جاري لغزه من حصار وتجويع بهدف التركيع السياسي هو عنصر ثابت في سياسة الامن والسيطره الاسرائيليه وهو مندمج تماما مع نظرية الاحلال والاحتلال وامكانية فرض الحصار على مناطق التواجد العربي الفلسطيني في حال الاضطرابات او المظاهرات التي تعتبرها اسرائيل معاديه لها ولوجودها!!!!.. وبالمناسبه ايضا الحديث عن السلام مع اسرائيل ماهو الا هراء وخبز لضعفاء وفاسدي اوسلو وقوم كونداليزا رايس, والهجوم الاستيطاني و الديموغرافي الصهيوني المكثف في الوقت الراهن على مناطق الضفه الفلسطينيه يلغي امكانية مجرد الحديث عن السلام في ظل استراتيجيه اسرائيليه ثابته وهي الاحتلال الجغرافي والاحلال الديموغرافي لكل ماهو فلسطيني على ارض فلسطين!!!

الكاتب : باحث علم إجتماع ومتخصص في قضايا عرب النقب والداخل الفلسطيني, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونيه