بقلم : رجاء حيدر ... 14.02.2009
كلما دق الكوز بالجرة، نسمع كلمات التشفي والشماتة، أوليس أنتن من تطلبن المساواة ؟!! تنعمن بالمساواة التي تطلبنها! إن صعدنا إلى باص للنقل، وكان ازدحامه يفرض أن نبقى وقوفاً ونتعرض لكل أنواع الإهانة جزاء صعودنا للباص وخروجنا من البيت، وجزاء تعدينا على حقوق الذكور! فالوظيفة من حقهم.. ونحن من سلبها منهم!
كونهم صاروا عاطلين عن العمل، فهذا "بسبب الإناث"! إذا هي من "تسببت" بالبطالة التي يعيش فيها البعض! فالأنثى "أخذت" مكانهم! ولولا وجود الأنثى لكانوا هم من حصلوا على العمل!
إذا إحداهن قالت (آه)، ولو بطريق الصدفة، تنال نصيبها من التعنيف والتأنيب: "الله لا يقيمها عن قلبكن".. هذه هي المساواة!!!، ليس من حقها أن تتعب أو تتألم! فمن أراد شيئا يجب أن يتحمل نتائج ما صنعت يداه! لماذا الآه؟! ماذا ينقصك؟! حققتِ رغبتك بالمساواة.. تخرجين للعمل، تأخذين راتبا، أنجبت أولادا، وكل يوم تخرجين من البيت للعمل، ماذا تقول ربة المنزل!!!
هي آخر من تنام وأول من يصحو! فلا تضع رأسها على الوسادة حتى تطمئن على البيت وأفراد الأسرة! فكيف لعينيها أن تنام ورأسها مثقل بالهموم والهواجس: مرض الأولاد، ودراستهم، ومستقبلهم، وتأمين حاجياتهم، والتزامات الزوج ورضاه ومرضه وعمله، والالتزامات الاجتماعية من مباركة وزيارة الأقارب والمعارف والعزاء، وماذا ستطبخ غداً؟.... فلا تعلم متى تغفو!....
في الصباح تنهض مفزوعة حتى لا تتأخر على عملها. فتحضّر الإفطار وحاجيات الأطفال للمدرسة، وتأخذ الرضيع إلى الحضانة أو إلى المكان الذي تودعه به حتى تعود.. وبعد أن تجهز كل شيء توقظ باقي الأسرة والزوج! تذهب إلى عملها وتعود.. في أغلب الأحيان تأخذ معها الخضار ومستلزمات الطبخة وحاجيات البيت من تموين وغيره في طريق العودة! فتجهز طعام الغداء! وربما تكون قبل ذلك قد أخذت إجازة ساعية لتذهب إلى مدرسة الأولاد لتطمئن على سير دروسهم وسلوكهم! وعليها أن تزور أمها، وتقوم بواجبها تجاه أهلها، وتعود مبتسمة لتكمل واجباتها الزوجية!
في حال مرضها أو شعورها بوعكة ما فيجب أن تخفي ألمها حتى لا يشعر زوجها أنها تتمارض! وأنها جاءت من بيت أهلها معلولة ومريضة! وأنه قد غُدر بها!
بل حتى في الولادة والحمل.. يجب أن تنهض من العملية القيصرية بعد أسبوع تحمل بيد رضيعها وباليد الأخرى تجهّز الطبخة وتعتني بأطفالها الآخرين، وترتب المنزل، وتحضر لزيارة الأصدقاء وأهل زوجها للمباركة لها بالولادة! وبهذه المناسبة لا بد أن تحضر العشاء لهم حتى لا "يتكلموا عليها"!
في المساء تقوم بمساعدة أولادها على أداء وظائفهم المدرسية، وتحضرهم للنوم، وتتناقش مع زوجها في أمور البيت والمجتمع والعمل.. وتشاهد مسلسلا تتابعه.. وتفتح مجلة أو كتابا تطالع به.. حيث تتابع كل ذلك بتركيز ودقة! ويجب أن تحافظ على رشاقتها وجسدها وأناقتها ونظافتها حتى تبقى جميلة بعيون زوجها، ويرضى عنها، ولا ينظر لغيرها! فتعيش على الخضار.. وتتابع كل أنواع الريجيم، والرياضة! وتحرم نفسها من كل ما لذ وطاب حتى لا تسمع كلمة تزعجها منه وتشعرها أنها مقصرة بحقه!
أما هو: فيعيش ليأكل وينمو كرشه أمامه! ويعتبره من مستلزمات الوجاهة! و"الرجل ليس بشكله"! يذهب للعمل، ويعود متعبا ومكفهرا! يلبس وجهه بالمقلوب! يلعن الوظيفة والإدارة وإشارات المرور! يمنّ على كل أفراد الأسرة أنه يعمل من أجلهم ويتعب ويشقى، وهم لا يهتمون ولا "يطمر فيهم المعروف"! ويجب أن يكون الجميع في مراسم استقباله!
إذا غسل يديه ووجهه فهذا عمل إضافي قام به بالرغم من تعبه! فيجب أن يقف أحد ليناوله المنشفة قبل أن ينتهي من وضع الماء على وجهه! ويجب أن يستقبل كل يوم كما يستقبل الضيف! وطبعا يكون الطعام جاهزا.. يتغدى وينام، ليقوم ليخرج إلى أصدقائه، يعود في السهرة ليتناول العشاء ويشاهد التلفزيون.. يستلم جهاز التحكم ويقلّب المحطات.. ولا يترك مجالا ليرى أحد ما يظهر على الشاشة! وإذا أراد أن يقرأ خبرا في جريدة فيجب أن يصمت كل أهل البيت حتى يستطيع التركيز! ثم يذهب إلى فراشه.. يغفو قبل أن يضع رأسه على الوسادة.. ويسمع شخيره الجيران إضافة إلى أهل بيته! وينهض: (تعبان لم انم هذه الليلة جيداً)! أما إذا أصابته نزلة برد، فعند أول عطسة يمتنع عن مزولة أي نشاط ويصيبه الاكتئاب! يخصص لنفسه وجبات خاصة ويتطلب معاملة خاصة! يتناول الأدوية والمشروبات الساخنة! ولا يتوقف عن التأوه والتأفف ليلا نهاراً!
بئس المساواة وبئس التحرر! لا نريده! أعيدونا إلى عصر الظلمات واتركونا نعمل عملا واحدا فقط كما تريدون للمرأة أن تكون!