بقلم : رشاد أبو شاور ... 01.04.2009
في إحدى نشرات 'الجزيرة'، لمحت الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وهو يخطب في ملتقى إسلامي يهودي في باريس، وما جذب انتباهي بشدّة، ما سمعته عن اعتراف الطرف الإسلامي المشارك في الملتقى بـ(المحرقة)!
قلت لنفسي: هل كان الوفد العربي الإسلامي بحاجة للذهاب إلى باريس ليعترف بمحرقة غزّة؟ هل هانت علينا قضايانا إلى هذا الحد؟!
أمّا وقد تبلبل تفكيري، فقد لجأت إلى مواقع إنترنت لتهدئة ظنوني بالوصول إلى حقيقة الخبر وخلفياته، لأكتشف أن المحرقة التي اعترف بها المسلمون والعرب المشاركون هي محرقة يهوديّة!
عرفت بعض أسماء الحضور، وقرأت رسالة الرئيس مبارك للملتقى، ولم أستغرب نشاط وزير الثقافة المصري فاروق حسني في الملتقى، هو المتلهّف على رئاسة اليونسكو، و..دهشت حقا للأمر، فهو يأتي بينما هناك تجمعات، ومحاكم، ودول، تتوعّد بالمحاكمة قادة الكيان الصهيوني وجنرالاته، الذين اقترفوا محرقة (غزّة)، وقتلوا وجرحوا ألوف الفلسطينيين، وهدموا بيوتهم فوق رؤوسهم، على مدى 22 يوما، واستخدموا غاز الفوسفور المحرم، وغيره من الذخائر، التي لا يجوز استخدامها ضد المدنيين.
ما علاقتنا، وفي هذا الوقت بالذات، بالمحرقة اليهودية؟
نحن لم نشارك في تلك المحرقة التي يُقال إنها حدثت أثناء الحرب العالميّة الثانية في معتقلات النازي. لم نطاردهم في بلادنا، ولا اضطهدناهم دينيّا، فالمسلمون يعترفون بالأديان السماوية الثلاثة، ونحن العرب لسنا عنصريين، فلماذا الآن بالضبط، في الوقت الذي بدأت محرقة غزّة تنتج خطابا عالميّا يفضح عنصرية الصهيونيّة وكيانها الإجرامي؟!
قبل أيّام قرأت عن عرض مسرحي في لندن، رصّت فيه الأحذية في صدر المسرح، تذكيرا بأن مذبحة الفلسطينيين، لا تقّل ولا تختلف عن محرقة اليهود الذين قتلوا في حرب الأوروبيين مع بعضهم، وفي صراعهم على مصالح في بلدان الشعوب الفقيرة والمتخلفة، التي كنّا نحن العرب في مقدمتها، بدليل أن بلادنا قُسّمت وجُزئت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، في الأولى سايكس ـ بيكو التي مُزقت بموجبها بلاد الشام، وفي الثانية نكبة فلسطين عام 1948.
صهاينة لندن، وغير لندن، فقدوا صوابهم، لأن المسرحية أوحت بوضع الأحذية في ديكور المسرحيّة بأن الفلسطينيين ضحايا محرقة جديدة، لا تختلف عن محرقة اليهود، فهم اعتادوا على احتكار الألم، وابتزاز العالم به، رغم الشكوك ـ وهي أوروبيّة ـ بأعداد الضحايا!
اليهود الصهاينة يحتجون على اعتبار ما حدث للفلسطينيين وفلسطين عام 48 (نكبة)، فمن وجهة نظرهم ما حدث آنذاك ليس سوى حرب (تحرير)!
وامتنانا للسيّد شيراك، قررت السلطة تسمية شارع جديد في رام الله باسمه، فما هي مآثر شيراك على فلسطين والفلسطينيين؟ إنه يفتتح اللقاء الباريسي الذي يعترف من حضره من العرب والمسلمين بالمحرقة، بينما لم نسمع صوته أثناء محرقة غزّة؟!
تتركون محرقتنا وتتبركون بشيء لا ذنب لنا فيه، وهو ما زال مثار نقاش، وخلافات، وتباينات بين مفكرين غربيين، ويهود، ومؤرخين، وأصوات يهوديّة تعتبر أن المحرقة تحوّلت إلى صناعة وتجارة بدماء الضحايا، كما كتب ( نورمن فنكلستين).
نحن لا ننكرها، ولا نباركها، ولا نقرها مهما كانت أعداد الضحايا سواء من اليهود أو الروس أو البولونيين، أو الغجر، ولا نثبتها كحقيقة ما زالت تخضع للجدل، وحتى عند رجال دين مسيحيين. قبل ايام تدخل البابا في حل إحدى المشاكل المثارة بسبب تصريحات رجل دين مسيحي أنكر تلك المحرقة، وهو ليس الصوت الأوّل ولا الأخير!
ما حدث في باريس هو نفاق على حساب قضيتنا الفلسطينيّة، وهو لا يدل على تسامح، بل هو لعب في قضية محط خلاف، ولسنا السبب في الخلاف، والإنكار، والاتجار، فنحن ضحايا الضحايا.
غزة تحرق بالفوسفور، والأصوات العالميّة الشريفة ترى فيها جريمة حرب، ونحن يخرج من بين صفوفنا من يتبرّع بالتغطية على جرائم الصهاينة في فلسطين، وغسل أيديهم من دمنا في دير ياسين، وكفر قاسم، والسموع، والدوايمة، وخان يونس، وصبرا وشاتيلا، والحرم الإبراهيمي، والأقصى، وأخيرا وليس آخرا: محرقة غزّة الفوسفوريّة.
ما هذا الزمن الذي يتسابق فيه عرب للاعتراف بـ(المحرقة)، ويقفزون على محرقة غزّة؟!
ما هذه الحال التي نحن فيها، التي يطالب فيها قادة فلسطينيون إخوانهم بالاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة؟ بينما لا يبقى شىء للفلسطينيين في الضفّة، ورغم ما كشفته 'هآرتس' عن صفقة نتنياهو ـ ليبرمان التي تنهي موضوع القدس، وتحسم مستقبل (الدولة الفلسطينيّة)، ببناء ألوف الوحدات السكنيّة التي ستمزّق الضفّة، وتلتهم القدس بكاملها؟!
ما هذه القيادة الثورية الوطنيّة التحررية، التي تنتظر عودة رئيس المخابرات المصرية من أمريكا، بعد أن يستمزج رأي إدارتها في نوع الوزارة الفلسطينيّة التي ترضيها وتلاقي قبولاً لديها؟!
هل سمعتم بأن حركة تحرر وطني في العصر الحديث خنعت وانبطحت وانمسحت حتى هذا القاع، وانتظرت مباركة ورضى عدوها عن خيارها (الوطني)؟!
المشروع الذي انطلق في باريس اسمه (علاء الدين) ..تصوروا؟ علاء الدين و..مصباحه المنير، ما هو؟ إنه مشروع يهودي صهيوني هدفه تعريف الأجيال المسلمة الجديدة بما يعرف بالمحرقة اليهوديّة..وهو مشروع يرعاه الرئيس الفرنسي، ورئيس مؤسسة الفكر العربي!...
المشروع انطلق يوم الجمعة 27 آذار (مارس)، وفي مقر منظمة اليونسكو، يعني في كنف هيئة دولية، وتحت مظلتها، بينما ضحايا غزة، وفلسطين..لا رعاية لهم!
هدف المشروع: إتاحة رصيد وثائقي عن تاريخ وثقافات اليهود، وبحسب آن ماري ريفكوليفييتشي المندوبة العامة لمؤسسة ذكرى المحرقة، في تصريح نقلته وكالة 'فرانس برس': إن المؤسسة اكتشفت تكاثر المواقع المنكرة للمحرقة باللغتين العربيّة والفارسيّة إثر تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، والرسوم المسيئة للرسول محمد.. (صلى الله عليه وسلم) .. وأضافت : في مواجهة الجهل يجب تقديم المعرفة!
الاحتفال زانه حضور وزير الثقافة المصري الفنّان فاروق حسني، والذي قرأ كلمة الرئيس مبارك الموجهة بمناسبة تدشين مرحلة جديدة في النشاط الذي يُعرّف العرب والمسلمين، وبكل لغاتهم بـ(المحرقة اليهوديّة)، لا المحرقة الغزيّة...