بقلم : رشاد أبو شاور ... 15.04.2009
كتبت يوما بيوم وقائع تلك الحرب، في دفتر كبير، بغلاف مقوّى.
في الدفتر بلاغات الناطق العسكري العراقي، المؤتمرات الصحفيّة للناطق العسكري الأمريكي في قاعدة (السيليّة). تصريحات الوزير الصحّاف، والذي لا يغيب عن بالي منظره في اللحظات الأخيرة من ذلك اليوم، وهو يتأمل الدبابتين الأمريكيتين، ويتوعدهما برماة الـ 'آر بي جي'، ثمّ ليغيب من بعد، حيث لم يعد هناك مجال للرّد على (العلوج) ببليغ الكلام، وطريفه...
أود أن أسجّل إعجابي بالوزيرالصحّاف، وتقديري لبراعته في إدارة الحرب الإعلاميّة، ولكن الإعلام لا ينتصر بدون قوّات تتقدّم على الأرض، أو تسحق المعتدين.
في آخر أيّام الحرب، وجدتني وقد عنيت بمتابعة الحرب على الإعلام العربي الميداني، واستهداف المراسلين في مقّار عملهم في بغداد، وردود الفعل على (اغتيال) المراسل الشجاع طارق أيوب.
والدة طارق أيوب وهي تتلقى نبأ استشهاد ابنها: يحرمهم من كل أحبتهم اللي حرموني ابني.
زوجته: قد تنسونه جميعا. قد تنساه 'الجزيرة'، ولكنه عند الله سبحانه وتعالى، وهو لا ينساه.
قصف غزّة، وسقوط سبعة شهداء في يوم واحد، وعدد من الجرحى، بالترافق مع تصاعد الحرب على العراق.
الدكتور الرنتيسي: الصاروخ الأول استهدف القائد سعد العربيد، ولكن الصاروخ الثاني استهدف الناس.. إنهم يهدفون للضغط على الشعب الفلسطيني للقبول بخارطة الطريق...
وليد العمري من فلسطين: القصف تمّ بطائرة F16 وطائرة آباتشي..وهي عملية اغتيال، وهم ربّما يلاحقون من نجا من العملية، أو لأن الفلسطينيين يهرعون بعد عملية القصف، ليروا ما حدث...
محمد السيد محسن، مراسل 'الجزيرة' ـ البصرة: الناس هنا يلعبون كرة القدم مع الجنود البريطانيين! حالة النهب والسرقة تتم برعاية القوّات البريطانيّة. الأطباء طلبوا من البريطانيين حماية المستشفيات. وصلت الأمور إلى تصفيات جسدية لأعضاء حزب البعث الذين بقوا في بيوتهم في البصرة...
تصريح لجاك شيراك في آخر أيّام الحرب العدوانيّة (للتذكير): بعد انتهاء الحرب أمامنا إعادة البناء والإعمار، والأمم المتحدة تملك أن تقوم بهذا!
الفريق الشاذلي، يتحدث عن أساليب القتال داخل المدن: هناك من يقول إنها بداية النهاية ..لا يمكن القول بحالة انهيار..موقف صعب..ما حدث في الجنوب..إحنا قلنا المعركة الفاصلة في بغداد..الموقف غامض...
أحد الداخلين مع القوّات الأمريكيّة: لا، هذه ليست أعمال نهب، هذه انتفاضة، هذا تتويج لنضالات سابقة ..بغداد هي رأس نظام الحكم!
نهب بيوت هجرها أصحابها خشيةً من القصف. أحدهم على 'الجزيرة': هناك حصار 12 سنة، فعل فعله في حياة الناس ..في هذه الفوضى، وعمليات النهب والسلب، رأيت طفلاً يحمل زجاجة ماء ..يعني يريد أن يشرب ماءً نظيفا..هذا بسبب الحصار. ما يجب التركيز عليه وحدة العراق .. الشعب العراقي لن يرضى بأي نوع من أنواع الوصاية ...
مراسل 'الجزيرة' في بغداد: دبابات تتقدم ..وأشخاص يتجمعون مع أسرهم ويبدون بهجة برؤية الدبابات، مع تواصل أعمال السلب والنهب...
بوش مسرور بما يحدث في بغداد.
ماهر عبد الحميد يتساءل (مراسل الجزيرة) ـ توفي فيما بعد في الدوحة بحادث سير ـ عن تأثير ما يحدث على نفوس العرب خارج بغداد، والعراق!
ساحة الفردوس، الرصافة..النار تتصاعد في مبان حكوميّة ...
9 نيسان (ابريل): أحد المارينز يتسلّق على رافعة. يحاول تثبيت العلم الأمريكي على وجه تمثال الرئيس صدّام حسين ..قبل أن يتّم تنبيهه، ويستبدله بعلم عراقي بدون (الله أكبر)!
بدأت حقبة العلم الأمريكي: الاحتلال والهيمنة، والنهب، والسلب، والحريق، والفساد، والتصفيات، والاقتتال الداخلي ...هنا أتوقف لأقرأ في دفتري ما كتبته: أمس استشهد ثمانية. اليوم استشهد خمسة ..في قطاع غزّة. انفجار في مدرسة (جبع) بتدبير يهودي، وعدد الجرحى 27 جريحا. شارون يعلن ابتهاجه بما يحدث في بغداد، ويصرّح: على الفلسطينيين أن يحدّقوا جيدا في المشهد ..(يقصد مشهد ساحة الفردوس).
محمد خير البوريني (مراسل الجزيرة): تناهى إلى سمعنا أن بعض القيادات اختفت عن الأنظار في مدينة الموصل. ونحن نغادر سمعنا المدفعية العراقية تقصف بعض المواقع. البيشمركة تقدمت تحت قصف الطائرات والمدفعية الأمريكيّة. كان هناك باتجاه الحدود مع سوريّة وجود عسكري عراقي كثيف. هذه المظاهر جميعها اختفت. من كان يحمل السلاح، وجدناه بالزي المدني ولا يحمل السلاح. وجدنا متطوعين فلسطينيين، وسوريين، ومن دول عربيّة مختلفة.. يحملون البنادق والقاذفات، تركوا وغادروا عندما وجدوا أن القيادات قد غادرت.
المحامي محمد سعيد الشيخلي يتهم القوات الأمريكيّة بجلب مجموعات من خارج بغداد، لتسرق، وتنهب، وتخرّب. لقد سرقوا المعاهد، والجامعات، والمختبرات..فقط حمت القوّات الأمريكيّة وزارة النفط.
جورج بوش على سطح بارجة أمريكيّة يُعلن الانتصار!
جورج بوش يوجه خطابا إلى الشعب العراقي، كما تحدث توني بلير.إنهما سعيدان بالانتصار، ويعدان بنشر الديمقراطيّة..(منذ ست سنوات والديمقراطيّة تنتشر وتتفشّى في العراق).
يوم 10 نيسان (ابريل) اغتيل رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي. التعليقات بدأت تتوالى: تصفيات بين التيارات السياسية الشيعيّة..كيف يعني؟ ربما نفهم في آتيات الأيام...
البيشمركة تدخل كركوك، وعمليات نهب، وتصفيات، وسرقة، وحرائق.
مراسل 'الجزيرة' القادم من البصرة، محمد عبد الله، وصل الدوحة والتقاه الدكتور فيصل القاسم: في البصرة نهب، وفوضى، وعمليات فدائيّة ..ومقاومة!
وضاح خنفر: عشرات الألوف يزحفون من أربيل، والسليمانيّة إلى كركوك. نشهد عرسا كرديا لم يعشه الأكراد منذ زمن! هناك رايات وأعلام واهازيج وأغان كردية. في الطريق إلى هنا شاهدنا عمليات نهب وسلب. هناك سيارات يأخذونها إلى أربيل، قلب كردستان كما يقول إعلامهم.
وضاح خنفر من الموصل: جاءوا باللوريات وبدأوا نهب جامعة الموصل التي بنيت عام 67. نهبوها عن بكرة أبيها: الكمبيوترات، الكتب، السيارات..لا أدري لماذا تتم عملية حرق جامعة الموصل؟! لا توجد سلطة توقف النهب والسلب. حاول أساتذة الجامعة إيقافهم، والدموع في عيونهم...(الكاميرا تنقل كّل هذا مباشرةً).
في المساجد نداءات لحماية المدينة من الغوغاء والدهماء. أساتذة الجامعة يناشدون الطلاب أن يزحفوا لحماية جامعتهم.
د. نبيل: يحرقون، يقتلون العلماء، والأساتذة ..هذا حدث في القرن الثالث عشر بأيدي المغول...
طالت أعمال النهب اليوم متحف بغداد.
يوسف الشولي ( الجزيرة): عند الحدود استقبلنا جندي أمريكي ورحب بنا: أهلا بكم وسهلاً في العراق!...
سمعت بأول عملية فدائية، بعد أيّام قليلة على اقتحام ساحة الفردوس. كتبت: بدأت المقاومة..لم تنته الحرب، بل بدأت.
في 'القدس العربي' كتبت، وكتب المؤمنون بشعب العراق، والأمّة، وفلسطين: أمريكا تغرق في الوحول، وستكون نهاية الإمبراطوريّة في العراق..فاتهمنا بالجنون، والمكابرة.
نيسان (ابريل) 2009: الصحوات التي شُكّلت لتكون قوّات المرتزقة المنقذة من المأزق، ها هي تتهاوى بضربات من داخلها، ومن الذين شكّلوها، بينما المقاومة تعود لتنتفض، وتنهض من جديد.
يوم 10 نيسان (ابريل) 2009، في الموصل نفسها، تم قتل 5 مارينز بعمليّة نوعيّة للمقاومة تبشّر بقّرب مشهد الختام، الذي سيجبّ مشهد ساحة الفردوس، ويدفع أمريكا المنهارة اقتصاديّا، وسياسيّا، وأخلاقيّا، للهرب.
الأفضل أن يُسرع أوبــــاما بالرحــــيل من العــراق، مع ان ما ينتظر المارينز في أفغانستان سيكون أمرّ وأشد هولاً، وربّما أفدح خسارةً وإذلالاً...